iqraaPostsStyle6/recent/3/{"cat": false}

تحليل ومناقشة قولة فلسفية حول الحقيقة بوصفها قيمة

الكاتب: Mohammedتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق
نبذة عن المقال: مجزوءة المعرفة، التي تحيل على العلاقة القائمة بين الذات العارفة وموضوع المعرفة والمنهج المتبع لبناء المعرفة. إذ يرتبط هذا الموضوع أساسًا بمفهوم الحقيق


تحليل قولة فلسفية حول الحقيقة بوصفها قيمة

"الحقيقة أوهام نسي الانسان انها كذلك، واستعارات استعملت وفقدت قوتها الحسية، وقطع نقدية فقدت بصمتها وأصبحت تعتبر منذئذ معدنا لا قطعا نقدية"

أوضح مضمون القولة وبين أبعادها؟


المحور الثالث الحقيقة بوصفها قيمة الحقيقة أوهام نسي الانسان انها كذلك


نموذج تطبيقي لقولة فلسفية حول مفهوم الحقيقة

المقدمة

إن الإنسان لا يقبل أن يعيش في هذا العالم كمعطى طبيعي، بل يريد أن يفهمه ويحلله ويدرك القوانين التي تحكمه. وهذا يظهر بشكل جلي في مفهوم المعرفة، الذي يدل في دلالته اللغوية على العلم والفهم والإدراك. أما في دلالته الفلسفية، فهو نشاط إنساني وفعالية بشرية ينتجها الإنسان في علاقته بذاته وبالآخرين وبالعالم الخارجي.

 فالمعرفة تشكل موضوعًا رئيسيًا في مباحث الفكر الفلسفي على امتداد تاريخه، إذ لا يخلو عصر من عصور تطور الفلسفة من تأملات الفلاسفة حول مسألة المعرفة وتساؤلاتهم حولها. وهنا يظهر الإنسان كذات عارفة، همه تطوير معارفه على مستوى مجموعة من العلوم الحقة، وذلك بهدف السيطرة على قوى الطبيعة والاستفادة منها، فيتحول بذلك الإنسان من عبدٍ لدى الطبيعة إلى سيد عليها.

ولعل القولة الماثلة بين أيدينا تتأطر ضمن مجزوءة المعرفة، التي تحيل على العلاقة القائمة بين الذات العارفة وموضوع المعرفة والمنهج المتبع لبناء المعرفة. إذ يرتبط هذا الموضوع أساسًا بمفهوم الحقيقة، ويسلط الضوء على محور الحقيقة بوصفها قيمة. ومن هنا تنبع لدينا إشكالية جوهرية تتمحور حول: أسس ومحددات قيمة الحقيقة.

وبما أن الفلسفة هي الطرح الدائم للسؤال، فإن الموضوع الذي نحن بصدد دراسته يفرض على كل قارئ له طرح مجموعة من التساؤلات، يمكن صياغتها كالآتي:

  • فيمَ تتجلى قيمة الحقيقة؟
  • إلى أي حد يمكن اعتبار الحقائق أوهامًا؟
  • هل يمكن القول إن الحقيقة مرتبطة بالمنفعة والمصلحة؟


مطلب التحليل والمناقشة

قبل مقاربة المفاهيم الأساسية للقولة قيد الدراسة، سنحاول تحديد أطروحتها وسبر أغوارها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن القولة تتضمن أطروحة جوهرية مفادها أن: الحقيقة قد فقدت قيمتها الأصلية، فأصبحت أوهامًا لا قيمة لها.

فبناءً على ما أصبح عليه الإنسان، وكذا العالم اليوم، لم تعد الحقائق موجودة، لأن الإنسان أصبح يعيش وهمًا هو من اصطنعه، وذلك بسبب مجموعة من القيم غير المعهودة وغير المرغوب فيها، أساسها الخداع والكذب. وهذا ما يظهر بشكل جلي في حياتنا اليومية. فسبب انخفاض معدل الزواج، مثلًا، هو انعدام الثقة والخوف من العيش في الأوهام. كما أن ارتفاع معدل الطلاق سببه الرئيسي الخداع والأكاذيب.


فكل هذه الظواهر سببها الأوهام. لذلك، لو تميزت الحقيقة بالقيمة العليا والأسمى، لما تزعزعت أوضاعنا وانقرضت الثقة في حياتنا اليومية. فالخوف من الأوهام جعلنا نعيش حياة غير مستقرة، لأن الحقيقة في أصلها قطعة نقدية ثمينة؛ فهي ترفع الظلم وتحقق العدل والإنصاف، وتنشر الخير والثقة والمحبة بين الأفراد. إلا أن واقعنا، الذي يفتقر إليها، فرض علينا العيش في إطار طبقتين: طبقة برجوازية تعيش الغنى الفاحش والرفاهية المطلقة، وطبقة محرومة تفتقر لأبسط الحقوق وتعمل لصالح الطبقة الغنية. فلو تحقق العدل، لما عاش أحدٌ الظلم أو الجور.

ما يمكن ملاحظته هو أن الإنسان كان يعيش نمط حياة بسيطًا وجدَّ متواضع، محبًا الخير لأخيه الإنسان. إلا أنه اليوم أصبح متكبرًا مفتخرًا، أصابه مرض جنون العظمة. فكل المبادئ السامية قد فقدت قيمتها، وعلى رأسها الحقيقة، التي أصبحت كلمة مستعارة فقدت قيمتها، فتحولت تحولًا جذريًا من قطعة نقدية إلى معدن لا قيمة له.


تُعتبر الفلسفة رديف المنطق ونتاج المعرفة والتفكير السليم، إذ إنها مؤطرة بمجموعة من الآليات اللغوية والأدوات العقلية. ويشكل البناء المفهومي إحدى اللبنات الأساسية في الفكر الفلسفي. فالمفاهيم حسب "نيتشه" في "حمولتها إبداع خاص لكل فيلسوف، تحمل نظرته إلى العالم وموقفه من قضية أو قضايا فلسفية". ولعل القولة الماثلة بين أيدينا تحمل بين ثناياها بنية مفهومية جوهرية ساهمت في بناء أطروحة النص. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، نجد مفهوم الحقائق، الذي يشير إلى الحق والصواب في مقابل الكذب والخطأ. وهو مفهوم يُطلق على سمة ما هو حق ويستحق أن يكون مصدر معرفة، كما أنه مرتبط بالواقع وما هو حي وملموس، يعتمد أساسًا على البداهة والوضوح.

كذلك يظهر مفهوم الأوهام، الذي يشير إلى كل ما هو خارج عن نطاق الحقيقة. وغالبًا ما يتم ربط هذا المفهوم بالجانب السلبي، لكونه يزيح الإنسان عن عالمه الحقيقي والواقعي، ويُسبب له تصورات وأحلامًا لن تتحقق على أرض الواقع، مليئة بالأكاذيب والصور المصبوغة. إضافة إلى مفهومي الحقائق والأوهام، نجد الزوج المفهومي القوة الحسية، وهي عبارة عن تأثيرات غير ملموسة، إلا أنها تغطي القيمة والمكانة للمفهوم الموصوف، أي أن الحقائق لها قوة حسية، بمعنى أن للحقيقة قيمة عليا لا تتمثل بشكل مادي وإنما بالشكل الحسي.


وفي هذا الصدد، يمكن القول إن هذه البنية المفهومية ترتبط فيما بينها بعلاقة يمكن وصفها بالمتنافرة، لكون مفهوم الحقيقة يختلف تمامًا، بل ويشكل تعارضًا وتضادًا مع مفهوم الوهم. فالحقيقة صدق وصواب وواقع مادي يعيشه الإنسان، فهي مصدر موثوق منه وأساس يمكن الاعتماد عليه. أما الوهم فهو عكس ذلك تمامًا، فهو كذب واصطناع، يمكن للإنسان أن يعيشه في ظل قيم سلبية كالحقد والخداع، وهو مفهوم لا يمكن الاعتماد عليه في أي مجال من مجالات الحقيقة، إذ إن الحقائق تسلك قوى حسية تميزها عن الأوهام.


وفي إطار هذا الجرد المفهومي تنبع أطروحة جوهرية عميقة في مضمونها مفادها أن الحقيقة قد فقدت قيمتها الأصلية فأصبحت أوهامًا لا قيمة لها. فبناءً على ما أصبح عليه الإنسان، وكذا العالم، اليوم لم تعد الحقائق موجودة، لأن الإنسان أصبح يعيش وهمًا، هو من اصطنعه، وذلك بسبب مجموعة من القيم غير المعهودة وغير المرغوب فيها أساسها الخداع والكذب. وهذا ما يظهر بشكل جلي في حياتنا اليومية. فسبب انخفاض معدل الزواج مثلاً هو انعدام الثقة والخوف من العيش في الأوهام، كما أن ارتفاع معدل الطلاق سببه الرئيسي الخداع والأكاذيب.


فكل هذه الظواهر سببها الأوهام. لذلك يمكن وصف الحقيقة بالقيمة العليا والأسمى، فلو وجدت لما تزعزعت أوضاعنا وانقرضت الثقة من حياتنا. فالخوف من الأوهام جعلنا نعيشها بطريقة غير مباشرة، حيث أصبحت حياتنا غير مستقرة. فالحقيقة في أصلها قطعة نقدية ثمينة لأنها ترفع العدل والإنصاف، وتنشر الخير والثقة والمحبة بين الأفراد. إلا أن واقعنا الذي يفتقر إليها أصبح يعيش في نوع من الانشطار والتشرذم الطبقي، طبقة تعيش الغنى الفاحش والرفاهية المطلقة، وطبقة محرومة تفتقر لأبسط الحقوق وتعمل لصالح الطبقة الغنية. فلو صحصح الحق فلن يعيش أحد هذا الظلم أو الجور. فما يمكن ملاحظته هو أن الإنسان كان يعيش بسيطًا متواضعًا، محبًا الخير لأخيه، إلا أنه اليوم أصبح متكبرًا مفتخرًا، يقتل أخاه من أجل الظهور والسمو. فكل القيم السامية قد فقدت قيمتها وعلى رأسها الحقيقة التي أصبحت كلمة مستعارة جوفاء.


وفي إطار تأكيد وتدعيم هذا الموقف الفلسفي يمكن استحضار تصور الفيلسوف فريدريك نيتشه الذي أكد أنه لا توجد حقائق بقدر ما توجد الأوهام، أوهام صنعها الإنسان ليعيش أكذوبة. فالعالم حسب نيتشه أكذوبة كبيرة تتضمن كل القيم السلبية كالكذب والخداع، وهو ناتج التشبيهات والأكاذيب القائمة على العلاقات الفردية، علاقات أصبحت بالصورة الشعرية والجمالية لتتحول إلى حقيقة، ككلمة مستعارة، عبارة عن وهم. وهذا ما يظهر بشكل جلي في قولته: "إن العالم وهم يصعب التخلص منه فلا وجود لحقائق بقدر ما توجد الأوهام".


ولا شك أن للقول قِيمة عليا تتأرجح بين المستوى المعرفي والمستوى التاريخي. فمعرفيًّا تتجلى قيمة القولة من حيث الشكل في وضوح لغتها وقوة مفاهيمها ودقة أفكارها، أما من حيث المضمون فصاحب القولة أراد أن يوضح لكل قارئ متمعن فيها أن الحقائق لم تعد كما كانت فهي قد فقدت قيمتها العليا فأصبحت أوهامًا. فإشكالية قيمة الحقيقة قد ساهمت في بناء أطروحات ومواقف سواء مؤيدة أو معارضة لفكرة كون الحقيقة أوهامًا، إلا أنها أفكار في نهاية المطاف أساسها تحقيق المعرفة والعلم وإزالة اللبس عن قيمة الحقيقة. أما تاريخيًّا فتتجلى قيمة القولة في كون هذه الإشكالية قد دفعت مجموعة من الفلاسفة والمهتمين بهذا الموضوع إلى إغناء النقاش، نقاش لا يزال قائمًا إلى حدود الساعة وذلك لما لها من قيمة عليا في الإجابة على سؤال: ما قيمة الحقيقة؟


ولكي تكون معالجتنا لهذا الموضوع معالجة شمولية ومتكاملة لا بد من الانفتاح على مجموعة من التصورات لفلاسفة عدة. ثم إن مناقشتنا ودراستنا لهذه القولة ليس من باب إطلاق أحكام قيمة، وإنما جئنا لدراستها واستخراج ما هو خفي ومضمر فيها. ولعل الموضوع الماثل بين ناظرينا قد أثار حافظة مجموعة من الفلاسفة والمهتمين بحقل "الحقيقة"، وهنا يبين لنا تاريخ الفلسفة الكلاسيكية أن الحقيقة كانت لها قيمة نظرية مطلقة، وأنها كانت منشودة لذاتها، فالفلسفة عند اليونان كانت بحثًا عن الحقيقة من أجل الحقيقة وليست لأي أغراض أخرى وقد جسد سقراط في حياته هذا الأمر، تشبث بأفكاره إلى آخر لحظة من حياته حينما حكم عليه بالإعدام.


وفي السياق نفسه نجد الفيلسوف الألماني صاحب كتاب نقد العقل الخالص إيمانويل كانط يرى أن للحقيقة قيمة أخلاقية عليا ومطلقة وغير مشروطة. وهي بذلك تنشد لذاتها بوصفها حقيقة موضوعية نزيهة وبعيدة عن المنفعة والمصلحة الخاصة (مشروع السلام الدائم)، إذ نبذ الكذب والخيانة ولو داخل الحرب: "إن الكذب مضر بالغَير دائمًا حتى إن لم يضر إنسانًا بعينه فهو يضر الإنسانية قاطبة".

وخلافًا لما سبق، تكمن قيمة الحقيقة حسب الموقف البراغماتي المعاصر مع وليم جيمس في كل ما هو نفعي، عملي، ومفيد في تغيير الواقع والفكر معًا. فمن هنا فالحقيقة هي تلك التي نستطيع أن نستعملها وأن نتحقق منها واقعيًّا، أما الأفكار الحقيقية فهي تلك التي نستطيع أن نستعملها ونتأكد من صلاحيتها: "إننا نخترع الحقائق لنستفيد من الوجود، مثلما نخترع الأجهزة للاستفادة من قوى الطبيعة".


مطلب التركيب

وكتخريج عام لما سبق دراسته وتحليله ومناقشته، يمكن القول إن هذه الإشكالية تعد من أهم الإشكاليات التي أثارت جدلًا فكريًّا كبيرًا، أمامنا كدارسين للفلسفة وأمام ثلة من الفلاسفة، فمنهم من ربط قيمة الحقيقة بالأخلاق والسمو في مقابل الكذب كإيمانويل كانط، ومنهم من ذهب إلى القول إن الحقيقة منفعة ومصلحة وإن لم تعد علينا بالاستفادة فهي ليست بصالحة أو صائبة كوليام جيمس، ومنهم أيضًا من يوافق صاحب القولة في أن الحقائق ما هي إلا أوهام صنعها الإنسان ولا وجود لحقائق كفريدريك نيتشه.

وكَرأي شخصي، يمكن القول إن كل هذه التصورات والأطروحات والمواقف تتكامل فيما بينها لمعالجة الإشكالية المطروحة معالجة شمولية، متكاملة بل ومعادلة من كل الجوانب، إذ ساهمت بشكل ملحوظ في إزالة الحجاب عن ذلك اللبس الذي كان يعتريها. ومن هنا تنبع لدينا إشكالية جديدة تتمحور حول معايير الحقيقة، يمكن ترجمتها في السؤال الآتي:

- ما هو معيار صدق وصلاحية الحقيقة؟


قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

3332087102290997945

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث