تحليل نص المجتمع المدني والقيم الديمقراطية 2 باك
المادة: اللغة العربية
المكون: النصوص.
عنوان الدرس: المجتمع المدني والقيم الديموقراطية الثانية باكالوريا علوم فيزيائية /علوم الحياة والأرض.
الكفايات: - التموقع بالنسبة للمؤسسات المجتمعية وبالنسبة للآخر، والتعبير عن الذات؛
- تعديل الاتجاهات، والإحساس بالمسؤولية في التعامل مع قضايا مجتمعية وسياسية؛
- القدرة على التواصل مع النصوص بمختلف أشكالها.
توطئة:
أفرزت الثورات التي شهدها العالم العربي سنة 2011م- فيما أصبح يطلق عليه في الأدبيات السياسية بِ "الربيع العربي" - إشكالات مجتمعية عميقة، تمظهرت في مختلف ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والأخلاقية، وطرحت بقوة سؤال العلاقة بين المجتمع والدولة، وكيفية بناء وطن يَسَعُ جميع المواطنين ويحافظ على مواطنتهم، ويمنحهم الإحساس بالانتماء إليه، وقد كانت الديموقراطية ومازالت مدخلا رئيساً لرباح هذا الرهان .
إنّ تشييد الديموقراطية كما ذهب إلى ذلك محمد عابد الجابري:" ليست قضية سهلة، ليست انتقالا من مرحلة إلى مرحلة بل هي ميلاد جديد، وبالتّأكيد عسير" ، ذلك أن الديموقراطية تقتضي بداهة توفير جملة من الشروط: -إشاعة الثقافة المدنية الديمقراطية في المجتمع.
-الاهتمام بتربية المواطنين لتمثل هذه الثقافة وقيمها في حياتهم اليومية وفي علاقتهم بالآخرين.
- تدريب المواطنين عمليا على الممارسة الديمقراطية، واكسابهم خبرة هذه الممارسة من خلال النشاط اليومي الذي يقومون به في مختلف مجالات الحياة.
وتُعَدُّ مؤسسات المجتمع المدني الإطار الأمثل لبلورة تلك الشروط، لأنها تقوم أيضا على نفس القيم الديمقراطية، ولكونها تجتذب إلي عضويتها فئة عريضة من المواطنين الساعين إلى الاستفادة من خِدْماتها أو ممارسة نشاط جماعي للدفاع عن مصالحهم، أو لممارسة أنشطة متنوعة ( ثقافية، تربوية، تعليمية، بيئية...). فكيف تقوم مؤسسات المجتمع المدني بهذا الدور؟ وما هي علاقة المجتمع المدني بالقيم الديمقراطية؟
ملاحظة النص
- يربط عنوان النص بين المجتمع المدني والقيم الديموقراطية برباط العطف، وهو ربط يقوم على أساس التعاطف والتّعاضد بين المفهومين، فالديموقراطية بوصفها أسلوباً للحكم الرّشيد تحتاج إلى كل مكونات المجتمع المدني لاستيعابها ولترسيخها، لذلك يمكن وصف هذه العلاقة بالتلازمية، بمعنى أن طبيعة المجتمع المدني من حيث نضجه الثقافي، ومن حيث إيمانه بالتسامح مبدأ، وبالاختلاف سلوكا وقبول الآخر تعاملا...، له دور حاسم في وسم المجتمع والدولة بالديموقراطية.
ويمكننا تأكيد أبعاد هذه العلاقة انطلاقا من مشيرات النص، سواء من خلال جملته الأولى المحددة لمفهوم المجتمع المدني، أم من الفقرة الأخيرة التي أشار فيها عبد الغفار شكر إلى دور المجتمع المدني في تعزير السلوك الديموقراطي وتطويره.
وعليه؛ يمكننا أن نصوغ لهذا النص فرضيتين أساسيتين نجملهما في:
- بيان طبيعة العلاقة بين المجتمع المدني والدولة؛
- أهمية المجتمع المدني في بناء الدولة الديموقراطية،
فهم النص
يناقش النص كما يبدو من منطوق عنوانه ومضمون فقراته سؤال العلاقة بين المجتمع المدني والقيم الديموقراطية، ويمكننا تحديد أبعاد هذه العلاقة في جملة من الأفكار كما أوردها عبد الغفار شكر تباعا:
1. التسليم بأن المجتمع المدني بنية تنظيمية اجتماعية تقوم على العمل التطوعي، لخدمة المواطن والنهوض بالوطن، في إطار الالتزام بمجموعة من القيم الإنسانية، وبناء على هذا التعريف نستخلص أربعة أركان للمجتمع المدني، هي:
- التواجد على شكل منظمات؛
- الفعل الإرادي الحر أو التطوعي؛
- تبني فلسفة الاختلاف ؛
- عدم السعي للوصول إلى السلطة.
2. ترتكز العلاقة بين مكونات المجتمع المدني من جهة، وبينه وبين الدولة من جهة ثانية، على البعد النفعي، وعلى مبدأ التعاقد، وتتمثل أهمية المجتمع المدني في كونه واجهة لمشروعية الدولة من جهة، وآلية لمراقبتها ومحاسبتها؛
3. المجتمع المدني مجموعة من المؤسسات المدنية التي تعمل في ميادين مختلفة ،مستقلة بشكل كبير عن سلطة الدولة، له غايات محددة، وهي:
- خمة المصلحة العامة، والدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة؛
- نشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية في تساوق تام مع ثقافة بناء المؤسسات؛
- ترسيخ فكرة إرادة المواطن في الفعل التاريخي.
4. الزامية تبني المجتمع المدني قيم التسامح، وضرورة جعل الحوار وسيلة لتدبير الخلافات والاختلافات، ونهج المرونة والشفافية والواقعية لضمان فاعلية مبادراته.
5. تقتضي الديموقراطية تنشئة المجتمع على أسلوب المشاركة الفعّالة والمسؤولة، والقدرة على الموازنة بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة.
6. تتقاسم الديموقراطية والمجتمع المدني منهجا يقوم على مبدأ السِّلمية الذي يلعب دوراً هامّاً في تدبير الصراع وإدارة الاختلاف ؛
7. تنبع أهمية المجتمع المدني وضرورته في كونه بنية تحتية للديموقراطية، هشاشته ضعف لنظام الحكم، وقوته حكامة جيدة، وعدالة اجتماعية.
تحليل النص
سينهض تحليلنا لهذا النص على مستويين: مستوى دلالي ومستوى تداولي.
أ- المستوى الدلالي: وهو المستوى الذي يعنى بتحديد الحقول المعجمية للنص، ويبحث في العلاقات بين مفرداته، كما يدرس الأفعال وبنيتها ودورها في إنتاج المعنى.
- في النص جهاز اصطلاحي يحيل إلى حقلين دلاليين أحدهما مرتبط بمعجم المجتمع المدني، والآخر مرتبط بمعجم القيم الديموقراطية، وتمثلهما كتلتان لفظيتان متداخلتان نسبيا ومتكاملتان للإحالة على التكامل بين مكونات بنية المفهومين، والجدول الآتي يرصد حجم انتشار هذين الحقلين عبر الممتد النصي:
كلمات دالة على حقل القيم الديموقراطية : المجال العام، الدولة، مؤسسات الدولة، السلطة، الديموقراطية، الحقوق الفردية، المصلحة العامة، قواعد الحكم، الصراع، التنوع والاختلاف، الإدارة السلمية ، الحقوق والواجبات، محاسبة، الشفافية، مشاركة المواطنين، السلمية...
كلمات دالة على حقل المجتمع المدني : التنظيمات التّطوعية، التراضي، قبول التنوع، الاختلاف بين الذات والآخر، الفعل الإرادي الحرّ، قيم التسامح، الروح الجمعية، كرامة الإنسان، الوفاء بالوعود، التعاقد، روح المبادرة، التّضامن، المثابرة، الروح الجمعية...
- أما الأفعال في النّص فقد جاءت عموما بصيغة المضارع ( تملأ، يعد، تقوم- يستدعي، يكون، ترتكز، يتميز، يعلي، تزداد، يقوم، يلتزم، يتطلب، يشمل، تبرز، ينبغي، يوازن، تنظم، ينبع)، باستثناء فعلين جاءا بصيغة الماضي( استقر- اقتضى). ولعل هذا الأمر يفيد في دلالته المعنوية التوضيح والشرح لإكساب النص حيويته، ونقله من صيغة الثبات التي ابتدأ بها( استقر) إلى عالم أرحب عنوانه الاستمرارية والتجدد والحركة وهو ما يتناسب مع شكل وطبيعة المجتمع المدني المتجدد والفاعل.
- لقد تم توظيف صيغ صرفية ذات حمولات انفعالية وتحريضية ( تفعيل، المفاعلة، التفاعل، الافتعال، التّفعل...) بشكل ملحوظ في النص ( تنظيم، المساهمة، المشاركة، التقدير، المثابرة، التصرف، تعزيز، تعميق، التسامح...) وهو ما يستجيب لطبيعة النص ويخدم غرضه الأساس، المتمثل في الربط بين المجتمع المدني والقيم الديموقراطية.
ب- المستوى التداولي: وتتم فيه دراسة الأساليب ومكونات خطاب النص( المرسل، المتلقي، الرسالة)، وأفعال الكلام( أمر، نهي)، والحوار، ووجهات النظر...
- في النص وضعية تواصلية خاصة تجعل الخطاب متجها إلى مرسل إليه متعدد؛ منه المجتمع المدني بشكل خاص، والفاعلين السياسيين والمثقفين بشكل عام، والمتلقي غير محدد بشكل مقصود، طالما أن النص يراهن على خلق وعي لدى كلّ مكونات المجتمع في إطار الدولة المدنية.
- جمع النص بين وظائف متعددة منها التّعريف والتفسير والاقناع، وقد توالت هذه الوظائف بشكل تسلسلي يوازي تطور معالجة الفكرة في النص بدءا بتعريف المجتمع المدني، وبيان وظائفه وأهميته، وانتهاء بالاستنتاج الذي أكّد فيه صاحب النّص التلازم بين المجتمع المدني والديموقراطية. مروراً بآليات الإقناع بتمثل القيم الديموقراطية لإنجاح وظائف المجتمع المدني
- استخدم الكاتب في بناء النص نظام الفقرات القصيرة، والجمل المتوسطة المربوطة بإحكام بروابط شكلية ومنطقية تحقق الانسجام الدلالي للمعروض الفكري، منها: أدوات التوكيد وألفاظه (إن، أن ، التكرار) والعطف ( الواو، أو....) وعلاقات السببية والتفسيرية ( أي)، أسلوب الإضراب(بل) والاستنتاج والاستدراك، أسلوب المقاربة( وهي نفس، هذا هو نفس) ، كما تم توظيف أسماء الموصول وأسماء الإشارة لتعيين الأشياء وتحديد صفاتها.
- استند الكاتب في النص إلى خطة حجاجية واضحة ومتنوعة مبنية على استدلالات منطقية ، يمكن التمثيل لها ب: ولجعل الديموقراطية نظاما للحكم وطريقة حياة لا يكفي أن تكون هذه القيم أساس تحرّك الإنسان في المجتمع وموقفه من الذات، ومن الآخر، بل ينبغي أيضا تنمية المهارات العقلية...
- وإذا كانت الديموقراطية مجموعة من قواعد الحكم.....فإن هذا هو نفس الأساس المعياري للمجتمع المدني.
- يتسم أسلوب النص بالتقريرية لأنه منشغل ببناء خطاب استدلالي ذي وظيفة إقناعية يروم تحديد دور المجتمع المدني في بناء النظام الديموقراطي وتعزيزه، وهو خطاب يستند إلى أسلوب منطقي مشبع بنفس تتظيري وإجرائي لما يمكن أن يقوم به هذا المجتمع المدني.
تركيب وتقويم
ناقش النص علاقة المجتمع المدني بالقيم الديموقراطية ضمن فرضيتين أساسيتين تقتضيان جعل المجتمع المدني محورياً في بناء مجتمع فعّال ومسؤول، يؤمن بالقيم الديموقراطية من جهة، ومن جهة ثانية يقوم بوظيفة مراقبة الدولة ومحاسبتها بغاية خدمة الفعل الديموقراطي وتعزيزه.
إنّ مسألة العلاقة بين القيم الديموقراطية والمجتمع المدني في سياقنا المعاصر، أضحت مسألة عملية بالمعنى الكانطي، أي أنها مسألة مطروحة على العقل العملي وليس على العقل الميتافيزيقي، يعني ذلك أنّه يجب الابتعاد عن الأبعاد التنظيرية المتسائلة عن ماهية المجتمع هويته وفلسفة المجتمع المدني وغيرها– بغض النظر عن أهميتها- إلى التركيز على جوهر الفعل الجمعوي، وإنزاله إلى الواقع ممارسة ومشاركة.
وقد تطرق النص إلى بعض هذه القضايا بتصميم منهجي محكم، تجسّد في قصر حجمه ووحدة موضوعه وتسلسل أفكاره، وبدا ذلك واضحا من خلال التركيز على تصور عبد الغفار شكر لمفهوم المجتمع المدني القائم على الفعل الإرادي الحر، والقدرة التنظيمية، وقبول الاختلاف، وعدم السعي وراء السلطة، كما ظهر الأمر جليا من خلال الطابع التقريري التفسيري واللغة الصحفية المرسلة إلى متلق غير محدّد بما يستلزمه سياق الإرسال من وضوح ودقة في العرض وموضوعية في التحليل، واهتمام خاص بالجملة الخبرية ودلالتها المباشرة والإيحائية، وتوظيف النعوت والإضافة لخلق دينامية تأثيرية لمضمون النص تستثير المتلقي وتستميله وتدعوه إلى التعامل بإيجابية مع الرسالة التي يبعثها النص، تلك الرسالة المتمحورة حول نوع المجتمع المدني الأكثر فاعلية، وهو المجتمع المدني المستقل عن السّلطة، والذي ينهل نفس قيم الديموقراطية من احترام الآخر والتسامح معه، والمشاركة الفعّالة والمسؤولة، وغيرها من القيم الإيجابية.
وقد عرض النص هذا التصور بأسلوب سهل سلس ومواد معجمية دقيقة الدلالة على المعنى المراد، يصب جلها في حقل المجتمع المدني والقيم الديموقراطية، ويتشكل من بعضها جهاز اصطلاحي متداول في الحقل السياسي وفي حقل حقوق الإنسان، وباستدلالات بسيطة قائمة على ربط المقدمات بالنتائج عبر تحليل منطقي رصين وبناء منهجي محكم ومتدرج، يستثمر المقامات النفسية والاجتماعية والتداولية للمتلقي، ويدفعه إلى التسليم بجدية الرسالة الموجهة إليه.
إرسال تعليق