نص اسبينوزا الشخص بين الضرورة والحرية الثانية باكالوريا
هناك حجرة مثلا من سبب خارجي يدفعها من الحركة، وعندما يتوقف الفعل الناتج عن السبب الخارجي، فإن قطعة الحجر ستواصل تحركها بالضرورة، و استمرارها في الحركة أمر مفروض من الخارج ليس من حيث هو ضروري، بل من حيث انه راجع إلى دفعة ناتجة عن سبب خارجي. وما هو صادق عن الحجرة يجب أن ننسبه له، ومهما تعددت استعداداته لأنه كل شيء مفرد هو بالضرورة محروم من طرف علة خارجية على أن يوجد ويتصرف بصورة محددة.
ولنتصور الان إن أردتم قطعة الحجر وهي تواصل الحركة وتفكر وتعرف بأنها تبذل مجهودا على قدر ما تستطيع لتستمر في حركتها، و من المؤكد أن هذه الحجرة من حيث إن بها وعيا بمجهودها فقط، و من حيث إنها مهمته فهي تعتقد بأنها حرة جدا، وبأنها لا تستمر في حركتها لأنها تريد ذلك. تلك هي الحرية الإنسانية التي يتبجح الكل بامتلاكها و التي تقوم فقط لأن للناس وعي بشهواتهم و يجهلون الأسباب التي تحددهم حتميا.
الطفل يعتقد انه يشتهي الحليب بحرية، و أن الطفل المنفعل يريد أن ينتقم أو يريد الهرب إذا كان رعديدا. والسكير يعتقد انه يقول بقرار حر من نفسه كما كان يود السكوت عنه و قد عاد إلى صحوه بعد ذلك. وكذلك فان الهذائي والثرثار و آخرين من نفس الطينة يعتقدون أنهم يتصرفون بقرار حر من النفس، و أنهم لا يخضعون لأي إكراه.
نموذج تحليل نص فلسفي الشخص بين الضرورة والحرية
الفهم
النص الذي بين أيدينا يتأطر ضمن مجزوءة الوضع البشري، وتحديدًا في مفهوم الشخص، ويطرح قضية الشخص بين الضرورة والحرية. يتناول النص مفهوم الحرية الإنسانية من منظور نقدي، حيث يُشبه الإنسان بالحجر المتحرك بفعل قوة خارجية، لكنه يعتقد، بوعي ذاتي محدود، أنه يتحرك بحرية. هذه المفارقة تثير سؤالًا جوهريًا حول طبيعة الحرية الإنسانية: هل الإنسان حقًا حر في أفعاله، أم أن حريته مجرد وهم ناتج عن جهله بالأسباب الحقيقية التي تحركه؟
النص يُصور الحرية الإنسانية كنوع من الوعي الذاتي المحدود، حيث يكون الفرد على دراية بما يفعله، لكنه يجهل الأسباب الخارجية التي تدفعه إلى التصرف بشكل معين. من خلال هذا التصوير، يُلمح النص إلى أن الحرية التي يتبجح بها الإنسان ليست سوى حرية مزيفة، تستند إلى الجهل بالضرورة التي تحكم أفعاله.
إشكالية النص تتمثل في التساؤل حول طبيعة الحرية: هل هي حقيقية أم وهمية؟ وكيف يمكن للإنسان أن يدرك الأسباب التي تحدد أفعاله ليحقق حرية حقيقية؟
التحليل
يقدم صاحب النص أطروحة محورية مفادها أن الحرية الإنسانية التي يعتقد الإنسان أنه يمتلكها ليست سوى وهم ناتج عن جهله بالأسباب الحقيقية التي تتحكم في أفعاله. هذه الأطروحة تعتمد على تشبيه الإنسان بحجر يتحرك بفعل قوة خارجية، ويعتقد أنه يتحرك بحرية. هذا التشبيه يُظهر بوضوح أن الإنسان، على الرغم من وعيه بذاته، لا يدرك الأسباب الخارجية التي تقيده وتدفعه إلى التصرف بطرق معينة.
المفاهيم الأساسية التي يعتمد عليها النص تشمل "الضرورة"، "الحرية"، و"الوعي". فالضرورة هي الحتمية أو القوانين التي لا يمكن تجنبها وتؤثر على خيارات الإنسان. اما الحرية هي القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة دون قيود خارجية. والوعي هو الإدراك الذاتي والفهم العميق للعالم وللمكانة الشخصية فيه.
النص يوضح العلاقة بين هذه المفاهيم من خلال القول بأن وعي الإنسان بذاته يمنحه شعورًا بالحرية، في حين أن الضرورة الخارجية تفرض عليه أفعاله دون أن يدرك ذلك. الوعي بالذات هنا هو وعي محدود، يقتصر على الأفعال المباشرة دون التعمق في الأسباب التي تقف وراءها.
فيما يتعلق بالحجاج، يعتمد النص على مثال الحجر المتحرك كحجة توضيحية لتبيان أن الشعور بالحرية لا يعني بالضرورة وجود حرية حقيقية. هذا المثال يساعد في إبراز الفكرة الأساسية للنص: أن الإنسان، مثل الحجر، يعتقد بأنه يتحرك بحرية بينما هو في الواقع محكوم بعوامل خارجية. الحجاج هنا منطقي ومقنع، لأنه يستند إلى تشبيه قريب من التجربة اليومية ويشرح العلاقة بين الضرورة والحرية بطريقة مبسطة لكنها فعالة.
إذا كانت حرية الإنسان وهمًا ناتجًا عن جهله بالأسباب الحقيقية لأفعاله، فهل يمكن للإنسان تحقيق حرية حقيقية؟ وما هي الشروط اللازمة لتحقيق هذه الحرية؟
المناقشة
يتجلى من خلال تحليل النص أهمية أطروحته بالنظر إلى طبيعة حجاجها، حيث يعتمد النص على تشبيه ملموس (الحجر المتحرك) لتوضيح فكرة مجردة حول وهم الحرية الإنسانية. هذا التشبيه يمنح الأطروحة قوة إقناعية، لأنها تربط بين تجربة يومية مألوفة وفكرة فلسفية عميقة. الأطروحة تكتسب أيضًا أهمية بالنظر إلى المواقف الفلسفية التي تؤيدها أو تعارضها.
من بين الفلاسفة الذين أيدوا فكرة أن الحرية الإنسانية محدودة بالضرورة الخارجية باروخ سبينوزا، الذي يعتبر أن الإنسان جزء من الطبيعة، وأن أفعاله تحددها قوانين الطبيعة بالضرورة. سبينوزا يرى أن الحرية الحقيقية تكمن في فهم الضرورة وليس في الهروب منها، حيث أن معرفة الأسباب التي تحكم تصرفاتنا تمنحنا نوعًا من التحرر الداخلي.
في المقابل، نجد من عارض هذا الموقف بشكل واضح، مثل جون بول سارتر، الذي يعتبر أن الإنسان حر بطبيعته وأنه المسؤول الوحيد عن أفعاله. سارتر ينكر فكرة الحتمية ويؤكد على أن الإنسان محكوم بالحرية، حتى لو كانت هذه الحرية تعني مواجهة قلق الوجود والمسؤولية المطلقة عن اختياراته.
إيمانويل كانط يقدم وجهة نظر وسطية، حيث يعترف بأن الإنسان يعيش ضمن نظام من القوانين الطبيعية (الضرورة)، لكنه يؤكد على أن للإنسان القدرة على التصرف وفقًا للقانون الأخلاقي الذي يختاره بحرية. بالنسبة لكانط، الحرية الحقيقية تتحقق عندما يتصرف الإنسان وفقًا للمبادئ التي يضعها لنفسه، وليس تحت تأثير الشهوات أو الضغوط الخارجية.
التركيب
كتركيب عام، يمكن القول إن النص يقدم رؤية نقدية للحرية الإنسانية، حيث يصور الحرية كوعي ذاتي محدود بالأسباب الخارجية التي لا يدركها الإنسان. من خلال التحليل والمناقشة، يتضح أن إشكالية الحرية ترتبط بمدى قدرة الإنسان على فهم الأسباب التي تحكم أفعاله، وأن الحرية الحقيقية قد تكمن في هذا الفهم. رؤية سبينوزا تُبرز قيمة الأطروحة من خلال التأكيد على أن معرفة الضرورة هي نوع من التحرر، بينما يعارض سارتر هذه الفكرة بتركيزه على الحرية المطلقة للإنسان.
الإشكال حول الحرية الإنسانية يظل موضوعًا مركزيًا في الفلسفة، وله تأثيرات عميقة على كيفية فهمنا لأنفسنا وعلاقتنا بالعالم. ويبقى السؤال مفتوحًا: كيف يمكن للإنسان أن يتجاوز وعيه المحدود ليحقق حرية حقيقية؟
0 تعليقات