تحضير نص شعري نهج البردة لأحمد شوقي الثانية باك

ProfSalmi سبتمبر 26, 2024 سبتمبر 30, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: يقودنا عنوان النص (نهج البردة) إلى أن الشاعر يستحضر نموذجا شعريا قديما، وهو "قصيدة البردة" للشاعر العباسي شرف الدين محمد البوصيري، وهذا مؤشر قوي..
-A A +A

 

إحياء النموذج : تحليل وتحضير نص نهج البردة لأحمد شوقي

نهج البردة لأحمد شوقي مكتوبة

يقول أحمد شوقي في قصيدته " نهج البردة" :

1 - ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ ** أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ

2- رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَداً ** يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ

3- لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً ** يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي

4- جَحَدتُها، وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي ** جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ

5- يا نَفسُ دُنياكِ تُخفى كُلَّ مُبكِيَةٍ ** وَإِن بَدا لَكِ مِنها حُسنُ مُبتَسَمِ

6- يَفنى الزَمانُ وَيَبقى مِن إِساءَتِها ** جُرحٌ بِآدَمَ يَبكي مِنهُ في الأَدَمِ

7- كَم نائِمٍ لا يَراها وَهيَ ساهِرَةٌ ** لَولا الأَمانِيُّ وَالأَحلامُ لَم يَنَمِ

8- يا وَيلَتاهُ لِنَفسي راعَها وَدَها ** مُسوَدَّةُ الصُحفِ في مُبيَضَّةِ اللَمَمِ

9- هامَت عَلى أَثَرِ اللَذّاتِ تَطلُبُها ** وَالنَفسُ إِن يَدعُها داعي الصِبا تَهِمِ

10- صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ ** فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ

11- إِن جَلَّ ذَنبي عَنِ الغُفرانِ لي أَمَلٌ ** في اللَهِ يَجعَلُني في خَيرِ مُعتَصِمِ

12- مُحَمَّدٌ صَفوَةُ الباري وَرَحمَتُهُ ** وَبُغيَةُ اللَهِ مِن خَلقٍ وَمِن نَسَمِ

13- سَناؤُهُ وَسَناهُ الشَمسُ طالِعَةً ** فَالجِرمُ في فَلَكٍ وَالضَوءُ في عَلَمِ

14- جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَت ** وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ

15- آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ ** يَزينُهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ

16- البَدرُ دونَكَ في حُسنٍ وَفي شَرَفٍ ** وَالبَحرُ دونَكَ في خَيرٍ وَفي كَرَمِ

17- شُمُّ الجِبالِ إِذا طاوَلتَها اِنخَفَضَت ** وَالأَنجُمُ الزُهرُ ما واسَمتَها تَسِمِ

18- وَاللَيثُ دونَكَ بَأساً عِندَ وَثبَتِهِ ** إِذا مَشَيتَ إِلى شاكي السِلاحِ كَمي

19- يا رَبِّ صَلِّ وَسَلِّم ما أَرَدتَ عَلى ** نَزيلِ عَرشِكَ خَيرِ الرُسلِ كُلِّهِمِ

20- وَصَلِّ رَبّي عَلى آلٍ لَهُ نُخَبٍ ** جَعَلتَ فيهِم لِواءَ البَيتِ وَالحَرَمِ

21- بيضُ الوُجوهِ وَوَجهُ الدَهرِ ذو حَلَكٍ ** شُمُّ الأُنوفِ وَأَنفُ الحادِثاتِ حَمى

22- وَأَهدِ خَيرَ صَلاةٍ مِنكَ أَربَعَةً ** في الصَحبِ صُحبَتُهُم مَرعِيَّةُ الحُرَمِ

23- يا رَبِّ هَبَّت شُعوبٌ مِن مَنِيَّتِها ** وَاِستَيقَظَت أُمَمٌ مِن رَقدَةِ العَدَمِ

24- فَاِلطُف لِأَجلِ رَسولِ العالَمينَ بِنا ** وَلا تَزِد قَومَهُ خَسفاً وَلا تُسِمِ

25- يا رَبِّ أَحسَنتَ بَدءَ المُسلِمينَ بِهِ ** فَتَمِّمِ الفَضلَ وَاِمنَح حُسنَ مُختَتَمِ

الشوقيات، ج : 1_ دار الكتاب العربي - بيروت (بدون تاريخ) . ص : 190 - 208 (بتصرف)





الأسئلة

اكتب موضوعاً إنشائيا متكاملا تحلل فيه هذا النص، مستثمرا مكتسباتك المعرفية والمنهجية واللغوية مع الاسترشاد بالمطالب التالية :

  • صياغة تمهيد مناسب للنص، مع وضع فرضية لقراءته.
  • تكثيف المعاني الواردة في النص.
  • تحديد الحقول الدلالية المهيمنة في النص والمعجم المرتبط بها، وإبراز العلاقات القائمة بينها.
  • رصد خصائص النص الفنية، وبيان وظائفها .
  • ترکیب نتائج التحليل، وإبراز مدى تمثيل النص للاتجاه الشعري الذي ينتمي إليه.


تحليل النص ثانية باك

   لقد كانت مظاهر الضعف والإسفاف والتخلف، التي عرفها الشعر العربي في عصر الانحطاط، من أقوى الأسباب التي دفعت ببعض الشعراء، في عصر النهضة، إلى التفكير في بعثه وإحيائه، وذلك من خلال استلهام المقومات الفنية للقصيدة العربية التقليدية في أبهى عصور ازدهارها، ممثلة بالخصوص في نماذج من الشعر العباسي والأندلسي ويعتبر الشاعر أحمد شوقي من أبرز الشعراء الذين اضطلعوا بهذا الدور، ويرجع ذلك إلى اطلاعه الواسع على روائع الشعر العربي القديم، ومحاكاته ومعارضته لكبار الشعراء القدامى. ولعل النص الذي بين أيدينا من أبرز معارضات الشاعر، وهو مقتطف من ديوانه "الشوقيات".


   يقودنا عنوان النص (نهج البردة) إلى أن الشاعر يستحضر نموذجا شعريا قديما، وهو "قصيدة البردة" للشاعر العباسي شرف الدين محمد البوصيري، وهذا مؤشر قوي يجعلنا نفترض بأن القصيدة تنتمي إلى "تيار البعث والإحياء".

   إذن ما هي الأفكار والموضوعات التي يدور حولها هذا النص ؟ وماهي حقوله الدلالية المهيمنة ؟ وما هي الخصائص الفنية التي تميزه ؟ وإلى أي حد استطاع الشاعر من خلاله إحياء النموذج الشعري العربي القديم ؟


أفكار القصيدة

تتمحور القصيدة حول مجموعة من الأفكار والوحدات، نحددها كالتالي :

- مقدمة غزلية (1-4) : وفيها عبر الشاعر عن معاناته من عشقه لحبيبته التي عذبته بجمالها وفتنتها ودلالها

- النفس وغوايتها وطريق إصلاحها (5-10) : وفيها تحدث الشاعر عن غواية النفس، وانخداعها بملذات الدنيا الفانية، ويخص بالذكر نفسه التي استرسلت في ارتكاب الذنوب والمعاصي حتى أدركه الشيب، وداهمته الحسرة والندم، داعيا في النهاية إلى الأخلاق كسبيل وحيد لإصلاح النفس وتقويمها.

- مدح الرسول ﷺ وآله وصحبه (11-22) : وفيها مدح الشاعر الرسول ﷺ ، فخصه بمجموعة من الصفات الحميدة، منها ما هو خلقي كالجمال وحسن الطلعة، ومنها ما هو أخلاقي كالرحمة، والشرف، والخير، والكرم، والرفعة، والشجاعة. كما مدح أيضا آل البيت والصحابة رضوان الله عليهم، حيث خص الأوائل ببعض الصفات الحميدة كشرف خدمة البيت الحرام، وبشاشة الوجه، والحمية، وعزة النفس، وخص الآخرين بصفة واحدة محمودة وهي حسن الصحبة والمعاشرة للنبي ﷺ .

  - التوجه بالدعاء إلى الله تعالى من اجل الأمة الإسلامية ( 23-25) : وقد تضمنت هذه الفكرة ابتهالا إلى الله تعالى من أجل اللطف بالأمة الإسلامية، وعودتها إلى سالف عهدها، وجعل نهايتها حسنة كحسن بدايتها .


   وقد استعان الشاعر في التعبير عن هذه الأفكار بمعجم شعري تتميز ألفاظه بالقوة والجزالة، متأثرا في ذلك بالمعجم الشعري العربي القديم، كما أن هذه الألفاظ تتوزع بين ثلاثة حقول دلالية هي: الغزل، النفس والدنيا، المدح. ويمكن توضيح ذلك في التالي :

الألفاظ والعبارات الدالة على الغزل : ريم الجؤذر، ساكن القاع، السهم المصيب، الأحبة.

الألفاظ والعبارات الدالة على النفس والدنيا : نفس، دنياك، مبكية، الزمان، إساءتها، جرح، يبكي، الأماني، الأحلام، مسودة الصحف، مبيضة اللمم، هامت، اللذات، تهم.

الألفاظ والعبارات الدالة على المدح : صفوة الباري، رحمته، بغية الله، سناؤه، سناه، آياته جدد ،البدر ،حسن، شرف، البحر، خیر، کرم، شم الجبال، الأنجم الزهر، الليث، بأسا، نخب، بيض الوجوه، شم الأنوف، صحبتهم مرعية الحرم.

والعلاقة بين هذه الحقول الدلالية هي علاقة تكامل وانسجام؛ لأن الغزل جزء من ملذات الدنيا وغواية النفس، ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه، واستحضار خصالهم الحميدة هو بداية التوبة وطريق لإصلاح النفس وتقويمها.


دراسة الصورة الشعرية

   وإذا انتقلنا إلى دراسة الصورة الشعرية في هذه القصيدة، نجدها صورة تقليدية تترسم طريقة الشعراء العرب القدامى في التصوير ؛ وذلك من خلال قيامها على أدوات بلاغية تقليدية كالتشبيه والاستعارة والكناية والمجاز المرسل، بالإضافة إلى كونها تعتمد خيالا حسيا واقعيا يستمد عناصره من الواقع المحسوس. واعتمادا على هذه المعطيات، يمكن دراسة الصورة الشعرية في النص كالتالي :

1- صورة المشابهة: وهي الصورة التي تقوم على التشبيه والاستعارة. فمثال التشبيه قول الشاعر : سناؤه وسناه الشمس طالعة ** فالجرم في فلك والضوء في علم.

tقد شبه الشاعر في هذا البيت النبي صلى الله عليه وسلم في رفعته وضيائه بالشمس الطالعة، والجامع بين الطرفين هو على المنزلة من جهة وانتشار الضوء في كل مكان من جهة ثانية .

ومثال الاستعارة ما ورد - مثلا- في البيتين الأول والثاني؛ حيث استعار الشاعر لفظتي "الريم" و"الجؤذر" للدلالة على المرأة الجميلة الناعمة على سبيل الاستعارة التصريحية واستعار لفظة "الأسد" للدلالة على نفسه باعتباره رجلا قويا وخشنا، وذلك على سبيل الاستعارة التصريحية كذلك.


2- صورة المجاورة : وهي الصورة التي تقوم على الكناية والمجاز المرسل. فمثال الكناية قول الشاعر في العبارات التالية : مسودة الصحف، مبيضة اللمم، بيض الوجوه، شم الأنوف. فكل هذه العبارات تتضمن كناية عن صفات ؛ فالأولى كناية عن كثرة الذنوب، والثانية كناية عن الشيب والهرم، والثالثة كناية عن البشاشة، والرابعة كناية عن الحمية وشرف النفس .

ومثال المجاز المرسل لفظتا "الأجم" و "النفس" . فالأولى يقصد به الشاعر "العرين"، وهذا مجاز مرسل علاقته الكلية، لأن الأجم كل والعرين جزء منه والثانية يقصد بها الشاعر "الإنسان"، وهو مجاز مرسل علاقته الجزئية، لأن النفس جزء من الإنسان.


   وفي كل الأمثلة السابقة تؤدي الصورة مجموعة من الوظائف في مقدمتها "الوظيفة الجمالية"، وذلك من خلال تأديتها للمعنى بشكل ينزاح عن اللغة العادية المألوفة، أي من خلال خلق علاقات جديدة بين عناصرها بشكل يحقق متعة فنية وجمالية للمتلقي. وبالإضافة إلى الوظيفة الجمالية تؤدي الصورة الشعرية كذلك "وظيفة وصفية"، وخاصة حينما يتعلق الأمر بوصف جمال الحبيبة، أو وصف حالة الشاعر، أو وصف الخصال الحميدة للنبي صلى الله عليه وسلم و آله وصحبه قصد توضيحها وتقريبها من إدراك المتلقي. ويمكن أن نضيف إلى الوظيفتين السابقتين وظيفة ثالثة وهي "الوظيفة التعبيرية"، وذلك من خلال تعبير الشاعر بواسطتها عن مجموعة المشاعر والانفعالات كالإعجاب (ريم - جؤذر - شم الأنوف - بيض الوجوه)، والألم (السهم)، والندم (مسودة الصحف - مبيضة اللمم) .


دراسة الايقاع الشعري

   وبانتقالنا في الأخير إلى دراسة الإيقاع الشعري، نجد أنه يتجسد في مظهرين أساسين، هما :

1- الإيقاع الخارجي : وهو ما نلمسه في البحر الشعري الذي نظم عليه الشاعر قصيدته وهو "بحر البسيط" الذي يمتاز بتعدد تفعيلاته وطول نفسه، وهذا يتناسب مع موضوع القصيدة سواء في المقدمة الوجدانية التي تقتضي نفسا طويلا ليعبر الشاعر عن معاناته، أو المدح الذي يتطلب فيه تعدد صفات الممدوح وتواترها مساحة صوتية كبيرة لاستعراضها والتعبير عنها. وقد ساهمت الرخص العروضية (الزحافات والعلل) بدورها في إثراء الجانب الموسيقي للنص، حيث وردت التفعيلتان المشكلتان لإيقاع البحر الشعري (مستفعلن – فاعلن) تارة صحيحيتن، وتارة مخبونتين. وهكذا أضاف زحاف "الخبن" تنوعا موسيقيا إيجابيا لموسيقى القصيدة من خلال تكسير الرتابة الإيقاعية للتفعيلة، وتراوح وتيرة الإيقاع بين السرعة والبطء .

   وبالإضافة إلى الوزن الشعري يتعزز الإيقاع الخارجي للقصيدة بـ "القافية"، باعتبارها جزءا إيقاعيا متمما للوزن، ومساهما في ضبط نهايات الأبيات. وقد جاءت القافية في هذه القصيدة مطلقة متراكبة، أي بوجود ثلاثة حروف متحركة بين حرفيها الساكنين ( رِلْحُرُمِي / -0---0)، وهذا ما يمنحها وتيرة إيقاعية تتميز بالسرعة، مما يعين الشاعر على التتابع، وصب انفعالاته وتجديد نشاطه.


2 - الإيقاع الداخلي : ويتحقق هذا النوع من الإيقاع من خلال طبيعة الأصوات وأشكال التكرار والتوازي. فبالنسبة للأصوات، نجد الشاعر يكثر من تكرار حرف الميم، وحرف الجيم، وحرف العين، وكذلك حروف الصفير (السين - الشين الصاد). فالأحرف الثلاثة الأولى من الأصوات المجهورة، وهي تكثر أساسا في الوحدتين الأولى والثانية، مما يجعل صفة الجهر فيها منسجمة مع صرخة الألم التي تصدر عن الشاعر في معاناته من جفاء الحبيبة ومن غواية النفس. أما الأحرف الثلاثة الأخيرة فهي من الأصوات المهموسة وتوجد بكثرة في وحدة المدح، وتنسجم صفة الهمس في هذه الأصوات مع إحساس الشاعر بالنشوة وهو يطرب ويتغنى بذكر الخصال الحميدة للرسول صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه. وإذا كانت الحروف السابقة نموذجا للأصوات القصيرة، فإن الجانب الموسيقي يتعزز كذلك بتوظيف الشاعر للأصوات الطويلة، ويتجسد ذلك أساسا في حروف المد، فهذه الأصوات الطويلة تجعل الصوت يمتد وينطلق ويتحرر، وبصفة الامتداد هذه يحاول الشاعر أن يتحرر من معاناته بايصال صوته إلى الطرف الآخر، ويبدو ذلك من خلال مجموعة من الحالات والمواقف كالإستغاثة (يا ساكن القاع) والتنبيه (يا نفس) والندبة (ياويلتاه)، والدعاء ( يارب)...

   وبالإضافة إلى تكرار بعض الأصوات، فإن الإيقاع الداخلي للنص يتنوع بتكرار بعض الكلمات والصيغ والعبارات. فبالنسبة للتكرار في الكلمة يمكن تناوله من وجوه متعددة منها : تكرار التطابق كتكرار الشاعر لكلمة "النفس" خمس مرات ثم تكرار التجانس، ويندرج في هذا النوع بكثرة ما يسمى "جناس الاشتقاق"، ويمكن التمثيل له بالتجانسات التالية : ( نائم، ينم/ يدعها، داعي / سناؤه، سناه/انصرمت، منصرم/ واسمتها، تسم/ الصحب، صحبتهم/ آدم، الأدم/.....). وأخيرا هناك تكرار الترادف ومثاله : (العتق، القدم/ الأماني، الأحلام/ هبت، استيقظت / منية، رقدة العدم.....).

وبالنسبة للتكرار في الصياغة، فنلمسه في الثنائيات التعبيرية التالية : (ساكن القاع، ساكن الأجم/ مسودة الصحف، مبيضة اللمم/ بيض الوجوه، شم الأنوف).


أما بالنسبة للتكرار في العبارة فنلمسه أساسا في تكرار عبارة "يا رب" التي ترددت ثلاث مرات في نهاية النص. وفي إطار التكرار دائما يعمل الشاعر على تقوية الإيقاع الداخلي للنص باللجوء إلى التوازي، والأبيات التي تتضمن هذه الظاهرة هي على التوالي : ( 13-16-17-21-23) ؛ فكل هذه الأبيات تتضمن - على الأقل - متتاليتين لغويتين متشابهتين، وكل متتالية لغوية تجمع بين عناصرها علاقات نحوية وتركيبية مشابهة للعلاقات النحوية والتركيبية التي توجد بين عناصر المتتالية اللغوية الأخرى التي تليها. ففي الشطر الثاني من البيت (13) نجد توازيا صرفيا - تركيبيا يقوم على تكرار الخطاطة التالية : أداة ربط + مبتدأ + جار ومجرور في محل رفع خبر (فالجرم في فلك = والضوء في علم) . وفي البيت (16) نجد بالإضافة إلى التوازي الصرفي - التركيبي توازيا صوتيا - إيقاعيا يقوم على التقابلات الإيقاعية التالية : البدر = البحر (تكرار صيغة فعل)، دونك في = دونك في (تكرار العبارة نفسها)، حسن = خير (تكرار صيغتين متقاربتين)، وفي = وفي (تكرار العبارة نفسها)، شرف = كرم (تكرار صيغة فعل). وفي إطار التوازي كذلك، لا يمكن أن نغفل النوع الثالث، وهو التوازي المعجمي - الدلالي، ونمثل له بالبيتين (21 و 23)، بحيث نجد في الأول توازيا دلاليا قائما على التناسب (بيض الوجوه ووجه الدهر في حلك = شم الأنوف وأنف الحادثات حمي)، وفي الثاني نجد توازيا دلاليا قائما على الترادف (هبت شعوب من منيتها = استيقظت أمم من رقدة العدم).

والجدير بالذكر أن التكرار والتوازي لا ينحصران في كونهما ظاهرة إيقاعية فقط، وإنما يؤديان مجموعة من الوظائف التي تخدم النص الشعري، وفي مقدمة هذه الوظائف نجد "الوظيفة الجمالية" التي تتحقق من خلال إثراء الجانب الموسيقي للنص، وتترتب على هذه الوظيفة وظيفة أخرى هي "الوظيفة التأثيرية" ؛ ذلك أن الشعور بالجمال في موسيقى النص من شأنه أن يؤثر في نفسية المتلقي، فيجعله ينفعل بالشعر ويتفاعل مع الشاعر. وبحكم أن التكرار بشكل عام هو ترديد لكلمات أو جمل أو عبارات... ومضاعفة التلفظ بها عددا من المرات، فهذا يؤهله لتأدية وظيفة أخرى هي "الوظيفة الإقناعية" من خلال تأكيد المعنى والإلحاح عليه، وجعله مركز الاهتمام في النص. وفضلا عن الوظائف السابقة، لا يمكن أن نغفل كذلك "الوظيفة التنظيمية" للتكرار باعتباره أداة مهمة من أدوات الربط المعنوي بين جمل النص وأفكاره ومقاطعه.


الاساليب

   وبانتقالنا إلى دارسة الأساليب، يستوقفنا في النص أسلوب الطباق الذي تردد في جملة من أبيات القصيدة. وقد أفاد عبر الكلمات وأضدادها إبراز جملة من التعارضات سواء بين الشاعر وحبيبته، أو بين الحياة الفانية والآخرة الباقية، أو بين القرآن الكريم وغيره من الكتب السماوية، أو بين الرسول ﷺ وغيره من الرسل، أو بين آل البيت وغيرهم من الناس : (أحل ≠ الأشهر الحرم / جؤذر ≠ أسد / ساكن القاع ≠ ساكن الأجم / يفنى ≠ يبقى / نائم ≠ ساهرة / مسودة ≠ مبيضة / انصرمت ≠ غير منصرم / جدد ≠ القدم / طاولتها ≠ انخفضت / بيض الوجوه ≠ وجه الدهر ذو حلك/ شم الأنوف ≠ أنف الحادثات حمي ...).

   كما أثثت فضاء القصيدة جملة من الأساليب الإنشائية مثل : النداء والأمر والنهي، وكلها خرجت عن معناها الحقيقي لتفيد معاني أخرى متعددة تتحدد من خلال سياق النص والتجربة التي يعبر عنها الشاعر. وهكذا أفاد النداء مجموعة من المعاني كالاستعطاف (يا ساكن القاع ....)، والندبة (يا ويح نفسي، يا ويلتاه...)، والتنبيه (يا نفس...). والدعاء (يا رب...). أما الأمر والنهي فقد أفاد كل منهما الدعاء ؛ فبالنسبة للأمر فقد أفاد هذا المعنى من خلال الأفعال التالية : (صَلِّ، سَلّمْ، أهْدِ، الْطُفْ، تَمِّمُ، امْنَحْ...)، أما بالنسبة للنهي فقد أفاد هذا المعنى من خلال ما يلي : (لا تزِد، لاَ تَسِمِ).


   وإذا ما حاولنا رصد طبيعة الجمل الموظفة في النص، فإننا نلاحظ هيمنة الجملة الفعلية في غرضين من أغراض القصيدة هما : "الغزل" و "الحديث عن النفس والدنيا" ؛ فقد تواترت الأفعال في هذين الغرضين للدلالة على الحركة والتحول والتقلب : (أحل، رمى ،رنا ،جحدتها ،كتمت ،تخفي، بدا، يفنى، يبقى...)، وكلها أفعال ترتبط بالتحول في ذات الشاعر سواء في حالة الحب أو في حالة ولعها بالدنيا ؛ حيث يشيخ الإنسان ويفنى الزمان ولا يبقى إلا "الجرح" الذي أحدثته النفس التي ظلت تتقلب، وهي "تهيم على أثر اللذات تطلبها" . أما غرض المدح، فقد هيمنت فيه الجملة الإسمية، وذلك راجع إلى الثبات والدوام الذي طبع صفات الممدوح، خاصة إذا كان هذا الممدوح هو أحسن الخلق وخاتم النبيئين، وكذلك آله وصحبه. وهكذا تواترت في هذا الغرض الجمل الإسمية التالية : (محمد صفوة الباري، سناؤه وسناه الشمس طالعة، آياته كلما طال المدى جدد، البدر دونك في حسن، شم الجبال إذا طاولتها انخفضت، الليث دونك بأسا، بيض الوجوه، شم الأنوف ....).


استنتاج

   بناء على ما سبق نستنتج أن القصيدة تمثل إلى حد كبير إحياء للمقومات الفنية للقصيدة العربية التقليدية، فهي على مستوى البناء تقوم على تعدد الأغراض التي يحتل فيها الغزل مقدمة القصيدة، بالإضافة إلى حرص الشاعر على استقلالية كل بيت بمعناه. وعلى مستوى الموضوعات والمعاني، فهي موضوعات ومعان تقليدية ؛ ذلك أن الغزل والمدح من الموضوعات المألوفة والمتداولة بكثرة في الشعر العربي القديم، كما أن المعاني المرتبطة بهما، كالدلال، والجفاء، والمعاناة، والشرف والكرم والشجاعة... من المعاني المستهلكة بكثرة في هذا الشعر. وعلى مستوى المعجم، فإن الألفاظ تتميز بالقوة والجزالة، كما أن الشاعر يستمد معظمها من القاموس الشعري العربي القديم. وعلى مستوى الصورة، فإنها تقوم على أدوات بلاغية تقليدية كالتشبيه والاستعارة والكناية والمجاز المرسل، كما أن الشاعر يعتمد في تشكيلها على خيال حسي واقعي، يستمد عناصره من الواقع المحسوس، بل إن طابع التقليد يزداد وضوحا حينما يستمد الشاعر بعض هذه العناصر من بيئة عربية قديمة. وعلى مستوى الإيقاع، فإنه إيقاع تقليدي كذلك من خلال قيامه على نظام الشطرين المتوازيين والمتقابلين، مع الالتزام بوحدة الوزن والقافية والروي. وعلى مستوى وظيفة الشعر، فإنها وظيفة تتوخى الإفادة أكثر من الإمتاع، وذلك من خلال ميل الشاعر في كثير من الأبيات إلى الحكمة والموعظة والإرشاد.

   وفضلا عن هذه المعطيات، فإن ما يزيد من تأكيد الطابع التقليدي للقصيدة هو معارضة الشاعر من خلالها لقصيدة قديمة هي قصيدة " البردة " للبوصيري التي مطلعها :

أمن تذكر جيران بذي سلم *** مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

فالمتتبع للقصيدتين، سيلاحظ أن المعارضة قد شملت مجموعة من مظاهر التقليد منها الوزن والقافية، والروي والأغراض والموضوعات بالإضافة إلى المعجم، وبعض الصور والأساليب. ولعل قدرة الشاعر على تمثل الشعر القديم جعلته يربح الرهان في صياغة قصيدة متميزة اكتسبت شهرة كبيرة في شعره بشكل خاص، وفي شعر النهضة بشكل عام.


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/