سورة يس الشطر الثالث من الاية 29 الى الاية 43 مكتوبة بدون تشكيل
يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون (29) ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون (30) وإن كل لما جميع لدينا محضرون (31) وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون (32) وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون (33) ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون (34) سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون (35) وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون (36) والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم (37) والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم (38) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون (39) وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون (40) وخلقنا لهم من مثله ما يركبون (41) وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون (42) إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين (43) .
الشرح السياقي (معاني الايات)
يا حسرة: يا أسفا على هؤلاء المكذبين لرسل الله.
ألم يروا: ألم يتعظ كفار قريش بمن أهلكهم الله قبلهم.
من القرون: أي من الأمم السابقة ممن أهلكهم الله.
محضرون: حاضرون وراجعون للحساب والجزاء.
وآية: معجزة وعلامة.
جنات: حدائق وبساتن، والجنة في الدنيا هي: الحديقة ذات الأشجار والأنهار والثمار.
وفجرنا: وشققنا.
العيون: الينابيع.
سبحان الذي: صيغة التنزيه والتسبيح الله تعالى.
الأزواج: الأصناف والأنواع ذكورا وإناثا.
الليل نسلخ منه النهار: نفصله وننزعه.
منازل: أماكن نزول تعرف بها الشهور والأعوام.
كالعرجون: أي متقوسا كغصن ثمر النخلة اليابس: والقديم: ما مضى على وجوده زمن طويل. والآية تشير إلى هيئة القمر حين يكون هلالا في أول الشهر وآخره.
يسبحون: يدورون في فلك السماء.
الفلك المشحون: سفينة نوح المملوءة بالأزواج من كل صنف.
فلا صريخ: لا منقذ لهم ولا مغيث.
إلى حين: إلى أجل مسمى ومعلوم عند الله.
المضامين
- بیان ما آل إليه أصحاب القرية المكذبون برسل الله في دعوتهم.
- تحدثت الآيات عن دلائل القدرة و الوحدانية في هذا الكون العجيب بدءًا من مشهد الأرض الجرداء تدبُّ فيها الحياة إلى مشهد الفلك المشحون، وكلها دلائل باهرة على قدرة الله تعالى.
- إحياء الأرض الميتة بالماء ، وإخراج الثمرات منها.
- وجوب الشكر على النعم .
- تعاقب الليل والنهار ، وجريان الشمس والقمر بحسبان دقيق.
- وجوب التفكر والتدبر في آيات الله ومخلوقاته.
- حمل ذرية آدم في سفينة نوح عليه السلام برعايته ورحمته تعالى.
الدروس والعبر والقيم المستفادة
الدروس والعبر المستفادة
- كل ما حولنا يشهد بوجود الله، ويدل على قدرته ووحدانيته، ولكن يحتاج منها إلى التأمل وعدم الغفلة.
- الكفر والطغيان والجحود ، موانع للعقل والقلب ، عن إبصار آيات الله ودلائل قدرته .
- القرآن الكريم معين لا ينضب من الاشارات العلمية الإعجازية ، المصدقة لنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
- التدبر والتفكر في آيات الله يرسخ الإيمان في القلب ويثبته على اليقين.
- شكر الله على نعمه العظيمة.
القيم والمبادئ
- التفكر: "أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ".
- الايمان: "سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تَثْبِتْ الْأَرْضَ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ".
- الشكر : لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ".
- الرحمة: "وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ".
التفسير الإجمالي
تحدثت السورة عن دلائل القدرة والوحدانية ، في هذا الكون العجيب ، بدءا من مشهد الأرض الجرداء تُدِبُّ فيها الحياة ، مشهد الليل ينسلخ منه النهار ، فإذا هو ظلام دامس ، ثم مشهد الشمس الساطعة تدور بقدرة الله في فلك لا تتخطاه ، ثم مشهد القمر يتدرج في منازله ، ثم مشهد الفلك المشحون يحمل ذرية البشر الأولين ، وكلها دلائل باهرة على قدرة الله عز وجل .
المعاني الجزئية للآيات
المقطع الأول: من الآية 29 إلى 32
الله يعبر عن الحسرة والأسف على حال العباد الذين استهزأوا بالرسل وكذبوا رسالتهم. ثم يُذكّر الكفار بالأمم السابقة الذين أهلكهم الله بسبب تكذيبهم، وأنهم لا يعودون إلى الحياة الدنيا بعد هلاكهم. وأخيرًا يؤكد أن جميع البشر سيحضرون أمام الله للحساب يوم القيامة، ويشير إلى قدرة الله في إحياء الأرض الميتة وإنبات الحبوب منها لتكون طعامًا للناس، وهذه من آيات الله العظيمة التي تدعو للتفكر والشكر.
المقطع الثاني: من الآية 33 إلى 35
الله يذكر الإنسان بنعمة البساتين التي تحتوي على النخيل والأعناب، والمياه الجارية من العيون لتروي هذه النباتات. هذه النعم تُقدم للناس ليأكلوا منها، ولكن يجب أن يدركوا أن هذه النعم ليست فقط نتيجة عمل أيديهم بل هي من فضل الله. وكان يجب عليهم أن يشكروا الله. الآية الأخيرة في هذا المقطع تمجد الله الذي خلق كل الأصناف والأزواج، سواء من النباتات أو من الناس، وحتى من الأمور التي لا يعلمها البشر، وهو دعوة للتأمل في تنوع خلق الله.
المقطع الثالث: من الآية 36 إلى 40
الآيات في هذا المقطع تشير إلى الظواهر الكونية كآيات ودلائل على قدرة الله. يتم تشبيه الليل بالثوب الذي يتم نزع النهار منه فيصبح مظلمًا. تُذكر الآيات بحركة الشمس في مدارها المحدد بحكمة وتقدير من الله، والعلم بأن الله هو العزيز والعليم. كما أن القمر أيضًا يسير في منازل محددة حتى يعود في النهاية كالهلال المتقوس (العرجون القديم)، وكل من الشمس والقمر له مسار محدد في الكون. الآية الأخيرة تؤكد على انتظام حركة الشمس والقمر والليل والنهار في الفلك السماوي، وكل منها يسير في مدار محدد بتقدير الله.
المقطع الرابع: من الآية 41 إلى 43
تذكير بنعمة الله على الناس في إنقاذهم من الطوفان من خلال سفينة نوح التي حملت الأجيال البشرية الأولى، وهي سفينة مملوءة (الفلك المشحون). يذكر الله أيضًا أنه خلق للناس وسائل نقل أخرى مشابهة للسفن يمكنهم الركوب فيها للتنقل. ثم يأتي تحذير واضح: إن أراد الله أن يغرقهم، فلن يكون لهم أي مغيث أو منقذ، ما عدا برحمة الله التي تمهلهم وتمنحهم فرصة التمتع بنعم الحياة إلى وقت محدد.
الربط الموضوعي والموضعي
بعدما تحدثت السورة الكريمة في مطلعها عن المشركين الذين واجهوا دعوة الإسلام بالتكذيب، والمثل الذي ضربه لهم في قصة أصحاب القرية المكذبين، وما انتهى إليه أمرهم من العذاب والهلاك، يبدأ هذا المقطع بالتعميم في موقف المكذبين بكل ملة ودين، ويعرض صورة البشرية الضالة على مدار القرون، وينادي على العباد نداء الحسرة وهم لا يتعظون بمصارع الهالكين، لتنتقل الآيات الكريمات إلى استعراض الآيات الكونية الدالة على عظمة الله سبحانه، والتي يمر عليها المشركون معرضين غافلين، وهي مبثوثة في أنفسهم وفيما حولهم وفي تاريخهم القديم.
الحجج والبراهين على وحدانية الله تعالى وقدرته
ما مضى من سنة الله تعالى في الأولين.
إحياء الأرض الميتة بالماء وإخراج الثمرات منها.
تعاقب الليل والنهار وجريان الشمس والقمر بحسبان دقيق.
حمل ذرية آدم في سفينة نوح عليه السلام برعايته ورحمته سبحانه.
أسئلة الفهم
1) أستخلص العبرة من ذكر قصص المكذبين الذين أصبحوا أثرا بعد عين؟
2) لماذا تستعصي عقيدة البعث والنشور على عقول المشركين ؟
3) ما ملامح المنهج القرآني في الاستدلال على حقيقة البعث والنشور بعد الموت؟
4) ما الفائدة من ذكر بعض المظاهر الكونية في سياق جدال المشركين في قضايا الإيمان؟
5) ما العلاقة بين قدرة الله تعالى على تدبير أمور الكون والخلق، وبين إعادة بعث الإنسان بعد الموت؟
6) ما الآيات الكونية المذكورة في الشطر القرآني؟ وما وجه دلالتها على عظمة الله تعالى وقدرته ؟
7) في الآيات تذكير للعباد بنعم الله تعالى عليهم، ما واجب المسلم نحو هذه النعم، وتجاه المُنْعِم بها ؟
8) أشارت الآيات إلى قصة نوح عليه السلام. ما الذي يستفيده المؤمن من النظر في التاريخ الأول للإنسان عموما، ومن قصة نوح عليه السلام على وجه الخصوص؟
تصحيح أسئلة الفهم
1) العبرة من ذكر قصص الأقوام المكذبين الذين أهلكهم الله هي تحذير الناس من عاقبة التكذيب بالرسل والآيات الإلهية، وتأكيد أن مصير المكذبين هو الهلاك والدمار في الدنيا، والعذاب في الآخرة. إنه تذكير بأن الله لا يظلم أحدًا، وأن السنن الإلهية تسري على الجميع.
2) عقيدة البعث والنشور كانت صعبة على عقول المشركين لأنهم اعتادوا على رؤية الفناء والموت كأمر نهائي، فكانوا ينظرون إلى إعادة إحياء الموتى بعد تحلل أجسادهم كأمر غير ممكن في عقولهم المادية المحدودة. كما أن غياب الإيمان بالله وقدرته المطلقة جعلهم يشككون في إمكانية حدوث هذا الأمر.
3) المنهج القرآني يعتمد على الاستدلال من خلال آيات كونية وأمثلة من الحياة اليومية. القرآن يربط بين قدرة الله على إحياء الأرض الميتة وإخراج النباتات بعد نزول المطر، وبين قدرته على إحياء الموتى بعد الفناء. كما يذكر الناس بنظام الكون المتقن كدليل على قدرة الله على إعادة الخلق.
4) ذكر المظاهر الكونية يهدف إلى لفت انتباه المشركين إلى الحقائق التي يعيشونها يوميًا ولكن يغفلون عن التفكير فيها. الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، وإحياء الأرض الميتة، كل هذه الأمور تُظهر قدرة الله وحكمته. هذه الآيات تجعل المشركين يتأملون في النظام المتقن للكون ويدركون أن خالق هذا النظام قادر على إحياء الموتى.
5) العلاقة هي أن من يقدر على تدبير شؤون الكون الواسع وجعل كل شيء يسير في نظام متقن، قادر بلا شك على إعادة بعث الإنسان بعد موته. فإذا كان الله قادرًا على خلق السماوات والأرض وإحياء الأرض بعد موتها، فإنه قادر على إعادة الإنسان إلى الحياة بعد موته.
6) الآيات الكونية المذكورة تشمل: إحياء الأرض الميتة، حركة الشمس والقمر، تعاقب الليل والنهار، والفلك المشحون. هذه الآيات تدل على قدرة الله المطلقة في تدبير شؤون الكون، وعلى حكمته في خلق نظام دقيق ومتوازن. وهي تشير إلى أن الله القادر على تدبير هذه الأمور الكبيرة قادر على إعادة الخلق بعد الموت.
7) واجب المسلم تجاه هذه النعم هو الشكر لله عز وجل على ما أنعم به من رزق، وعدم نسبتها فقط لجهده أو عمله. يجب أن يعترف بأن الله هو المنعم الحقيقي ويستمر في طاعته، والتواضع أمام نعم الله، واستخدام هذه النعم في ما يرضي الله.
8) المؤمن يستفيد من قصة نوح عليه السلام عدة دروس، منها الثبات على الإيمان والدعوة إلى الله رغم الصعوبات والتكذيب. كما يتعلم من قصة نوح أن الله ينجي المؤمنين ويهلك المكذبين، وأن الصبر على طريق الحق يؤدي إلى النجاة. القصة تذكر المؤمنين أن عاقبة من يعاند الحق تكون الهلاك في الدنيا والآخرة، وأن الاتعاظ بقصص السابقين يقود الإنسان إلى التمسك بدينه والثقة في الله.
0 تعليقات