حلل وناقش: نص فلسفي حول معايير الحقيقة مجزوءة المعرفة

ProfSalmi أغسطس 30, 2024 أغسطس 30, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: مفهوم الحقيقة ومعاييرها، جعل كل موقف يختار معيارا للحقيقة، إلا وله انعكاسات كبرى على مجالات البحث الأخرى، فالقول بالعقل كمعيار للحقيقة جعله قادرا على
-A A +A


منهجية تحليل نص فلسفي معايير الحقيقة مفهوم الحقيقة

نص فلسفي حول معايير الحقيقة

الامتحان الوطني 2014 الشعب العلمية الدورة الاستدراكية

" إذا كانت الحقيقة هي الهدف الوحيد الذي يستحق أن نسعى إليه، فهل نستطيع أن نأمل في الوصول إليها؟ هذا ما يمكن الشك فيه. فالحقيقة التي يمكن أن نرى ليست بالتمام هي ما يطلق عليه أغلبية الناس هذا الاسم.

هل يعني هذا أن تطلعنا الأكثر مشروعية وإلحاحا هو في نفس الوقت التطلع الأكثر وهما، أم هل نستطيع رغم ذلك أن نقترب من الحقيقة من جهة ما؟ هذا ما يجدر بنا بحثه. 

لنتساءل في البداية : ما هي الأداة أو الوسيلة التي نتوفر عليها للقيام بهذا الأمر؟ إنها عقل الإنسان، أو بمعنى أصح، عقل العالِم. و لكن ألا يتصف هذا العقل بالتنوع؟ فعقل العالِم الرياضي لا يشبه عقل العالِم الفيزيائي أو عالِم الطبيعيات، وهذه مسألة يقر بها الجميع، بل إن علماء الرياضيات أنفسهم لا يتشابهون فيما بينهم، فبعضهم لا يعتمد إلا على المنطق الصارم، والبعض الآخر يلجأ إلى الحدس ويرى فيه المنبع والمصدر الوحيد لاكتشاف الحقيقة . وهذا ما يشكل مدعاة للشك والارتياب. فهل يمكن أن تظهر المبرهنات الرياضية (مثالا) بنفس الشكل لعقول في مثل هذا التباين؟ وهل الحقيقة التي ليست واحدة بالنسبة للجميع هي حقيقة ؟ إن هذا قد يدفعنا إلى الشك، غير أننا لو نظرنا إلى الأمر عن كثب، لرأينا كيف يتعاون هؤلاء العلماء المختلفون على إنجاز عمل مشترك لا يمكن أن يتحقق بدون تعاونهم، وفي هذا الأمر ما يدعو إلى الاطمئنان... فلا شك أن الحقيقة المستقلة كليا عن العقل الذي يتصورها ويحس بها حقيقة مستحيلة ."


مقالة فلسفية حول معايير الحقيقة


اجابة مقترحة لنموذج تحليل نص فلسفي حول معايير الحقيقة 

مقدمة: مطلب الفهم

إن البحث عن الحقيقة شكل الرهان الأساسي لكل بحث ومعرفة إنسانية، وكل اهتمام التفكير الفلسفي. فمنذ أفلاطون إلى غاليلو، ومن سقراط إلى أنشتاين كان دائما نفس الرهان والهاجس، والغاية التي تنشدها كل معرفة مهما كانت مرجعياتها، وهذا ما أدى إلى تعدد المعارف بتعدد الحقائق ذاتها. ولعل النص المطروح أمامنا ، يسعى لمعالجة هذا الموضوع، تحديدا في الإشكال المتعلق بمعايير الحقيقة، انطلاقا من التساؤلات الآتية:

ما الحقيقة ؟ وما معاييرها ؟ هل هي معايير عقلية أم معايير التطابق مع الواقع؟ أم هما معا؟


العرض: مطلب التحليل

إن النص الماثل بين أيدينا ، يجيب عن هذه الأسئلة بأطروحة تعتبر أن الحقيقة كهدف لكل معرفة، بالرغم من تعدد معاييرها، تبقى مرتبطة بمعيار العقل، ولتفسير أطروحته وتوضيحها ينطلق صاحب النص من الشك في قدرة الإنسان على بلوغ الحقيقة باعتبارها مطابقة الفكر لموضوعه أي لذاته أو للواقع. فالحقيقة هي الهدف الأسمى الذي نسعى للوصول إليه. غير أن الحقيقة ليست كما يراها غالبية الناس، بل هناك حقيقة أخرى نسعى لبلوغها. مما جعل صاحب النص يتساءل عن الأداة التي تمكننا من بلوغ هذه الحقيقة، ليقدم جوابا إنها وسيلة العقل الإنساني أو عقل العالم. غير أن عقول الناس أو العلماء تتنوع وتختلف، أي أن الحقيقة تختلف باختلاف العقول المدركة لها. وهذا يدل على أن مسألة الحقيقة تطرح بالضرورة مشكلة تعدد معاييرها . والمعيار هو ذلك المقياس الذي نميز فيه بين ما هو حقيقي عن غير الحقيقي.

وتدعيما لهذه الأفكار اعتمد صاحب النص على أساليب حجاجية، تبين اختلاف معايير الحقيقة، تمثلت في المقارنة بين عقل العالم الرياضي الذي يختلف عن عقل العالم الفيزيائي أو عالم الطبيعيات. بل هناك اختلاف في عقول الناس أو العلماء ذات المجال أو التخصص الواحد، فالرياضيون لا يتشابهون فيما بينهم مثلما لا يتشابه الفيزيائيون، فمن علماء الرياضيات من يتخذ طريق الحدس كمعرفة فورية مباشرة من طرف الذهن لا تحتاج إلى وساطة ، كمعيار للحقيقة ، ومن من يعتمد على المنطق الصارم باعتباره تلك القدرة العقلية التي تعصم الذهن من الوقوع في الخطأ. وهذا يدفعنا إلى الشك في وجود معيار واحد للحقيقة ، مما يعني أن بلوغ الحقيقة يتطلب الجمع بين مختلف المعايير والإستناد إلى العقل و دوره في إنتاج الحقيقة العلمية. فبدونه تستحيل كل الحقائق.

نخلص مما سبق أنه رغم اختلاف وتعدد معايير الحقيقة، يبقى العقل هو المعيار الذي لا يمكن أن تستقل عنه كل ذات في بلوغ الحقيقة. لكن إلى أي حد يمكن القبول بهذا المعيار أم أن هناك معايير أخرى للحقيقة؟


مطلب المناقشة

يكتسي هذا النص قيمة فلسفية وأهمية فكرية من خلال تأكيده على تعدد معايير الحقيقة بتعدد عقول الناس إلا أن العقل يبقى معيارها الأساسي، مستدلا على ذلك بحجج واقعية، وكذا الانسجام والتماسك المنطقي للأفكار، الذي يجعلها لا تبتعد عن التصور الذي ذهب إليه الفيلسوف «رونيه ديكارت» بالقول بأن العقل هو المعيار الأساسي لبلوغ الحقيقة ، والعقل لكي يبلغ الحقيقة عليه أن يتبع طريق البداهة المرتبطة بالحدس والاستنباط. فالعقل يتضمن أفكار بديهية واضحة متميزة، تدرك إدراكا حدسيا، ولا تحتاج إلى استدلال عقلي، بل معيار صلاحيتها في بداهتها، كأن أدرك أني موجود، وأن المثلث ذو ثلاث أضلاع، الكل أكبر من الجزء. لكن هناك أفكار ندركها عن طريق الاستنباط (الاستدلال عليها عقليا)، بحيث يتم استخلاص حقائق جديدة انطلاقا من حقائق أولية بديهية ، لذلك فمعيار صلاحيتها يرتبط بمدى انسجامها المنطقي.

لكن بالرغم من أهمية هذين التصورين من خلال دفاعهما عن معيار العقل كشرط لبلوغ الحقيقة، إلا أنهما أغفلا معايير أخرى لها أهميتها في إدراك الحقيقة كمعيار التطابق مع الواقع وهو معيار أساسي لبلوغ الحقيقة العامية والعلمية على حد سواء. ولعل هذا ما ذهب إليه أحد رواد النزعة التجريبية الفيلسوف «جون لوك» الذي رفض أن يكون معيار الحقيقة هو البداهة العقلية ، وهذا نابع من رفضه لوجود أفكار فطرية في العقل، ويعتبر أن العقل صفحة بيضاء، والتجارب هي التي تمده بالمعارف والأفكار وكل ما يوجد في العقل مصدره التجربة. إنها المعيار الأساسي للحقيقة ، فتطابق الأفكار مع الواقع هو معيار الحقيقة، وإذا تعذر إرجاع فكرة ما إلى أصلها الحسي التجريبي، فهي فكرة وهمية و باطلة، لأن معيار الحقيقة هو مطابقتها للواقع. فقولنا مثلا إن السماء تمطر الآن سيكون قولنا صادقا إذا تطابق مع الواقع الخارجي بواسطة الحواس. هكذا يؤكد «جون لوك» على أسبقية المعارف المستمدة من الواقع على المعارف المستخلصة من العقل.


خلاصة تريكيبية - الموقف الشخصي

يبدو من خلال هذا التحليل والمناقشة أن مفهوم الحقيقة ومعاييرها، جعل كل موقف يختار معيارا للحقيقة، إلا وله انعكاسات كبرى على مجالات البحث الأخرى، فالقول بالعقل كمعيار للحقيقة جعله قادرا على إدراك كل الحقائق مثل خلود النفس، وجود الله .... كما أن التطابق مع الواقع كمعيار للحقيقة لا يعد كافيا لمعرفة حقائق غير ملموسة ماديا.

هكذا يتضح لنا من هذه التصورات حول موضوع الحقيقة ومعيارها، أن العقل لا يمكنه أن يحتكر الحقيقة، بل هناك حقائق أخرى أكثر عمقا وقوة صادرة عن القلب أو الوجدان والمعيش الذاتي أو ترتبط بالمنفعة أو الوهم وتعدد هذه المعايير هو ما يساهم فعليا في تقدم المعرفة البشرية ومن ثم ازدهار ورقي الحياة الإنسانية . لكن هل هذا التعدد في المعايير هو ما يمنحنا قيمة؟


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/