تحليل ومناقشة موضوع فلسفي حول الشخص والهوية
منهجية تحليل نص فلسفي الوضع البشري الشخص والهوية
« لكل واحد منا انطباع أكيد بأن الحاصل الكلي لتجربته الخاصة ولذاكرته يشكل وحدة متميزة تماما عن تلك التي لأي شخص آخر، وهو يسمي هذه الوحدة بـ «الانا». ولكن ما «الانا» ؟ إذا قمنا بتحليل هذا المفهوم فإننا سنجد، على الأرجح، أنه يعني مجموعة من المعطيات المنعزلة (تجارب وذكريات) إضافة إلى الأرضية التي تتجمع فوقها تلك المعطيات. وبعملية استبطان أو تأمل ذاتي سنكتشف أن «الأنا» هو الأساس الذي تنبني فوقه بثبات تلك المعطيات من ذكريات وتجارب . لنتخيل اننا سافرنا إلى بلد بعيد وغبنا عن جميع اصدقائنا القدامى لدرجة نسيانهم، واننا تمكنا، بالتالي، من التعرف على أصدقاء جدد وشاركناهم حياتهم بصخب أكبر مما كنا نفعله مع اولئك القدامي. إن الانغماس في الحياة الجديدة لن ينسينا ، ابدا حياتنا القديمة على الرغم من انها اصبحت بالتدريج تفقد أهميتها بالنسبة لنا، فما زلنا نذكر الشاب الذي كناه سابقا ونتحدث عنه بضمير الغائب (...) ومع ذلك، فإن مجرى حياتنا إن يعرف انقطاعا ولا موتا، وحتى لو تمكن أحدهم من دفعنا إلى نسيان كافة الذكريات ، فإنه لن يكون قد قتلنا أو أفقدنا وجودنا باعتبارنا أشخاصا .»
الامتحان الوطني الموحد للباكالوريا 2016 كل مسالك الشعب العلمية والتقنية والمهنية الدورة العادية.
نموذج تطبيقي تحليل نص فلسفي الشخص والهوية
مقدمة : مطلب الفهم
من خلال المفاهيم المتضمنة في النص (الشخص الأنا الذاكرة ....). يتضح أنه يتأطر داخل مجزوءة الوضع البشري، وتحديدا ضمن مفهوم الشخص، إذ يسلط الضوء على موضوع الشخص والهوية، ويقصد بالشخص في السياق الفلسفي، مجموع المحددات الماهوية الثابتة والمشتركة بين الجنس البشري، التي لا تعرف تغيرا أو اختلافا من كائن إلى آخر، كما يحيل أيضا على الذات الواعية والمفكرة والمسؤولة عن أفعالها مسؤولية قانونية وأخلاقية، الشيء الذي يضعنا أمام مجموعة من الإشكالات من قبيل:
ما الذي يحدد هوية الشخص؟ وإلى أي حد يمكن اعتبار الوعي الحسي الذي يستمد من الذاكرة استمراريته وديمومته هو المحدد لهوية الشخص؟
العرض : مطلب التحليل والمناقشة
جوابا عن الإشكالات أعلاه يقدم النص أطروحة مركزية تؤكد من خلالها على أن الوعي الحسي هو المحدد لهوية الشخص، حيث يستهل صاحب النص نصه مؤكدا على أن كل فرد من له انطباع خاص بتفرد تجاربه وذكرياته عن باقي أفراد بني جنسه، ويسم هذا التفرد بالأنا، ليتساءل صاحب النص عن مفهوم هذا الأنا، ليجيب بأنه مجموعة من المعطيات المنعزلة (تجارب وذكريات) إضافة إلى الأرضية التي تتجمع فوقها تلك المعطيات، أو بالأحرى هو الأساس الذي تنبني فوقه بثبات تلك المعطيات من ذكريات وتجارب، فرغم تبدل أحوالنا وانغماسنا في حياة جديدة مختلفة عن تلك التي كنا نحياها ونحن أطفالا صغارا، فإن ذلك لن ينسينا ذكريات الصبا التي تعتبر مكونا من مكونات أنانا ومحددا رئيسا لهويتنا.
لقد استثمر صاحب النص جملة من المفاهيم الفلسفية أهمها: الشخص وهو الذات الواعية، الحرة والمسئولة عما يصدر عنها من تصرفات أخلاقية وقانونية، وتمتلك إرادة واستقلالا، وتستحق الاحترام والتقدير، ولا يجوز معاملتها معاملة الأشياء لأنها غاية في ذاتها وليست وسيلة، أما لفظ الأنا فيعني الذات المفكرة العارفة لنفسها في مقابل الموضوعات التي تتميز عنها وعن فعل تفكيرها، وخاصة حين تتخذ شكل أشياء خارجية مادية محسوسة.
ولدعم أطروحته وظف صاحب النص مجموعة من الأساليب الحجاجية أهمها: أسلوب التعريف، حيث عرف الأنا معتبرا إياه بأنه مجموعة من المعطيات المنعزلة (تجارب وذكريات) بالإضافة إلى الأرضية التي تتجمع فوقها تلك المعطيات، وأسلوب المثال، حيث يستحضر مثال السفر للدلالة على أنه غير قادر على أن ينسينا ذكريات الشباب، وكذا أسلوب الاستنتاج حيث خلص صاحب النص إلى أن الوعي الحسي هو المحدد لهوية الشخص. كما اعتمد على مجموعة من الروابط المنطقية من بينها: التأكيد "إن الانغماس في الحياة، فإن مجرى حياتنا...". الاستدراك "لكن ما "الأنا"...".
يتضح من خلال ما سبق أن أطروحة القولة تؤكد على أن هوية الشخص تتحدد انطلاقا من الوعي الحسي الذي يستمد من الذاكرة استمراريته وديمومته، وهي الأطروحة التي نجد لها حضورا قويا لدى الفيلسوف جون لوك الذي يرى أن هوية الشخص لا تتأسس على العقل، لأن هذا الأخير صفحة بيضاء، بل تقوم على الوعي أو المعرفة الحسية التي تصاحب جميع أفعاله وتجاربه الشعورية، من شم وتذوق وسمع وإحساس ....، فالوعي الحسي هو ما يجعل الشخص "هو هو"، ما دام أن الشخص لا يمكن أن يفكر بمعزل عن المعارف التي يكتسبها بواسطة الشعور والإحساس، وبفضل الذاكرة يستمر الوعي في الزمان ويدرك الشخص أنه ذات واحدة وثابتة لا يشوبها التحول والتغيير، فهوية الشخص إذن، تتأسس على الوعي الحسي الذي يستمد من الذاكرة استمراره وديمومته. أفلا يمكن الحديث كذلك على أن العقل أو اللاشعور هو المحدد لهوية الشخص؟
لمقاربة هذا الإشكال نستحضر تصور الفيلسوف ديكارت الذي يرى أن العقل هو المحدد لهوية الشخص، فمن خلال تجربة الشك التي أوصلته إلى حقيقة الكوجيطو "أنا أفكر إذن أنا موجود"، أدرك ديكارت أن الذات جوهرها الفكر، والعقل كنور فطري هو الذي يجعل الشخص يعي ذاته ويثبت وجوده ويبلغ الحقيقة. فمتى توقفت الأنا عن التفكير توقفت عن الوجود، وبالتالي هوية الشخص تتوقف أساسا على الممارسة الفكرية بكل أبعادها: التحليلية والتخيلية والإبداعية....، وهو ما يعبر عنه ديكارت بقوله: "أي شيء أنا؟ أنا شيء مفكر".
وفي نفس السياق نستحضر تصور سيغموند فرويد الذي يعتبر أن هوية الشخص تتشكل لاشعوريا من خلال الصراع بين مكونات الجهاز النفسي الثلاث: الهو، موطن الغرائز والشهوات والملذات المكبوتة، والأنا الأعلى، الذي يتضمن مجموع القيم والمثل الأخلاقية والقانونية التي يكتسبها الفرد من المحيط الاجتماعي والتربوي والديني... والأنا، المكون المسؤول عن التوفيق بين المطالب المتناقضة للهو والأنا الأعلى والعالم الخارجي. فاللاشعور هو المحدد لاختياراتنا والموجه الرئيس لإرادتنا ورغباتنا، وبالتالي فهو المسؤول المباشر عن تحديد هويتنا.
خاتمة
من خلال ما سبق نخلص إلى أن إشكالية الشخص والهوية، أفرزت مجموعة من المواقف المتعارضة، حيث رأى صاحب النص وجون لوك أن الوعي الحسي هو المحدد لهوية الشخص، في حين اعتبر ديكارت أن العقل هو المحدد لهوية الشخص، وبالمقابل أكد فرويد أن اللاشعور هو المحدد لهوية الشخص. أما فيما يتعلق بوجهة نظري الشخصية فأجد نفسي أميل إلى موقف سيغموند فرويد، لأنه الأقرب إلى الواقع المعيش، فالواقع العلمي يشهد أن هوية الفرد تتشكل لاشعوريا من خلال التربية التي يتلاقاها وهو طفل صغير. وفي ظل تضارب هذه المواقف والتصورات ألا يمكن القول إن هوية الشخص هي نتاج تظافر جهود كل من الوعي الحسي والعقل واللاشعور ؟
0 تعليقات