موضوع فلسفي المحور الثالث العلاقة مع الغير
النص
كيف لي ألا أشعر بأن هذه الحميمية التي تحميني وتحددني هي عائق يحول بصورة نهائية بيني وبين أي تواصل ( مع الغير)؟ فحين كنت قبل قليل تائها بين الآخرين كاد وجودي أن يتلاشى، والآن أكتشف (بمعزل عنهم ) غبطة الإحساس بالحياة، لكن هذه الغبطة لا يتذوق طعمها أحد سواي، حقا إن نفسي هي ملك لي، إلا أنني حبيس داخلها، إن الآخرين لا يستطيعون ولوج وعيي، كما لا يمكن لي أن أخلي لهم السبيل للنفاذ إليه حتى لو تمنيت ذلك بكل قوة، فأقوالي وحركاتي هي علامات أو إشارات لا تستطيع أن تفعل أكثر من التلميح أو الإشارة إلى تجربة أعيشها أنا دون أن يكون في مقدور من أتوجه إليهم معايشتها.
إن الام الآخرين هي التي تكشف لي أكثر من الامي انا عما بيننا من انفصال وتباعد لا يقبل التقليص، لاشك أنني أستطيع، عندما يتالم صديق لي، أن أقوم بأفعال ناجعة لمساعدته، وأن أواسيه، وأن أحاول بكل ما أوتيت من رقة ولطف أن أخفف من شدة الألم الذي يمزقه، إلا أن المه يظل مع ذلك خارجا عني وتظل محنته محنة شخصية خاصة به . فقد أتألم مثله وربما أكثر منه، لكن تألمي يكون دائما مختلفا عن تألمه.
وبما أن الإنسان حبيس في المه، متفرد في سروره، فإنه محكوم عليه الا يشبع أبدا رغبته في التواصل ( مع الغير ) مع أنه لا يستطيع أن يستغني عن هذا التواصل.
نموذج تحليل نص فلسفي العلاقة مع الغير ثانية باك
المقدمة
مجال مفهوم الغير هو العلاقات البشرية بأبعادها الأنطلوجية "الوجودية" والفكرية والوجدانية والإنسان حين يستثمر تجربته الذاتية لفهم ذاته، فإنه في الآن نفسه يحاول اكتشاف علاقته مع الغير، وموضوع النص يتأطر ضمن الإشكالية الفلسفية المتعلقة بمفهوم الغير في بعده العلائقي، وفي هذا السياق نطرح التساؤلات الآتية:
- هل يمكن ولوج عالم الغير والتواصل معه؟ أم أن التجربة الذاتية تظل عائقا أمام كل تواصل؟
التحليل
يرى صاحب النص أن معرفة الغير غير ممكنة، فالأنا تعيش في عزلة وهذا ما يحول دون أية معرفة للآخر، فما هي الأسس التي يقيم عليها صاحب النص أطروحته؟
ينطلق النص من تساؤل استنكاري حاول من خلاله التأكيد على أن التجربة الذاتية الحميمية للفرد تشكل عائقا أمام كل تواصل مع الآخرين، وذلك بالرغم من الحاجة إليهم.
إن الذات لا تحقق وجودها إلا بالانفصال عن الآخرين، فهذا التباعد هو ما يشعرها بتفردها وتميزها ، وهذا الشعور لا يتولد إلا داخل تجربة ذاتية منعزلة. ولما كانت الأنا بأحاسيسها ومشاعرها الخاصة حبيسة ذاتها، متفردة في عالمها الداخلي، فإن مختلف أشكال التعبير والتواصل تبقى عاجزة عن نقل التجربة الذاتية بتلقائيتها وعفويتها إلى الغير ليعيشها بدوره، بمعنى أن هذا المعيش الذاتي غير قابل للنقل والإخبار.
ليقنعنا صاحب النص بموقفه ساق لنا مثال الإحساس بالألم الذي لا يشبه إحساس الآخرين، فنحن قد نتألم لألم صديق، ونحاول أن نعبر له عن صدق مشاعرنا تجاه ما ألم به، ورغم ذلك لا يمكن أن نعيش الامه كما يشعر بها، فتجربة الألم تظل متفردة وخاصة لا يمكن ان تتكرر. هكذا تظل الحالات الشعورية والفكرية لدى الغير غريبة عن الذات خارجة عنها، لا يمكن النفاذ إليها، فبالأحرى نقلها وتبادلها بين الأشخاص.
بناءا على ما سبق يمكن القول أن عزلة الذات، وانغلاقها في تجربتها الخاصة يحول دون معرفة الغير والتواصل معه، وهكذا يتأكد طابع اللاتواصل بين الأنا والآخرين، فهل يمكن فعلا اعتبار عالم الغير عالما مغلقا لا يمكن اختراقه؟
المناقشة
إن صعوبة معرفة الغير لا ترجع إلى عزلة الذات وانغلاقها عن الآخرين بل أيضا إلى نظرة الغير، هذه النظرة التي يعتبرها ج.ب سارتر تهديدا لوجود الأنا، لأنها تحوله إلى موضوع، وتشيئه ، فيفقد مقوماته الإنسانية كالوعي والحرية، وهكذا تمنع تجربة الاستلاب والتشيييء التواصل مع الغير.
ينتقد ميرلوبونتي الموقف السابق، ويؤكد أن التواصل في جميع الحالات قائم ، وليس منعدما بين الأنا والغير، أما ما يعتبره سارتر تشييئا للذات بواسطة النظرة، فهو أمر غير ممكن إلا في حالة انغلاق الأنا عن ذاته، وعزلته عن الغير، أو في حالة نظرة لا إنسانية تضع أفكار الآخر تحت المراقبة.
أما في مجال العلاقات الإنسانية بين الأنا والغير ، فإن التواصل ممكن بواسطة اللغة، إذ بمجرد أن ينطق أحد الطرفين، الأنا أو الغير، بكلمة حتى يحل التواصل ويختفي التوتر ويحضر الانسجام والتعاطف. هكذا يمكن القول أن التواصل ممكن على مستوى التجربة الحياتية، تجربة التعاطف بين الذوات.
أما ماكس شيلر فيرى أن معرفة الغير ممكنة إذا تجاوزنا الخلفية الفلسفية التقليدية التي تحكم نظرتنا إليه، هذه الخلفية التي تتجلى في ثنائية الذات والموضوع، ثنائية النفس والجسد... إن إدراك الغير لا يكون إلا كليا أي النظر إليه في وحدته الفردية، ومعرفته في شموليته دون تقسيم إلا ما هو ظاهر وما هو خفي، فالشخص كلية تجمع بين ما هو انفعالي ووجداني وعقلي وجسدي.
إذن فالتواصل مع الغير ممكن من خلال إدراكه في وحدة لا تقبل التجزيئ، بهذا المعنى تصبح معرفة الآخر ممكنة على مستوى التعاطف والتفاعل بين الذوات.
يتضح من خلال مناقشتنا لأطروحة النص، أن الذات لا تحقق وجودها في عزلة عن الآخرين بل في إطار التواصل والتعاطف معهم.
التركيب
إذا كان التواصل ضرورة وجودية ومعرفية، فإن هذا لا يعني ذوبان الأنا في الغير، بل إن الحوار والتفاعل بين الأنا والغير يقتضي أن يحتفظ كل منهما بهويته وتميزه، وذلك في إطار التعايش والتسامح.
هكذا نتجاوز موقف الانغلاق والانكفاء على الذات إلى الانفتاح والتفاعل الإيجابي ليس بين الأفراد فحسب بل أيضا بين المجتمعات.
0 تعليقات