تحليل نص فلسفي الهوية والشعور الثانية باك
النص الصفحة رقم 15 في رحاب الفلسفة
لكي نهتدي إلى ما يكون الهوية الشخصية لا بد لنا أن نتبين ما تحتمله كلمة الشخص من معنى. فالشخص، فيما أعتقد، كائن مفكر عاقل قادر على التعقل والتأمل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها، وأنها هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة. ووسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة. وهذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر بل هو، فيما يبدو لي، ضروري وأساسي تماما بالنسبة للفكر ، ما دام لا يمكن لأي كائن [بشري] كيفما كان، أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر أنه يدرك إدراكا فكريا.
عندما نعرف أننا نسمع أو نشم أو نتذوق أو نحس بشيء ما أو نتأمله أو نريده، فإنما نعرف ذلك في حال حدوثه لنا. إن هذه المعرفة تصاحب على نحو دائم إحساساتنا وإدراكاتنا الراهنة، وبها يكون كل واحد منا هو نفسه بالنسبة إلى ذاته. وفي هذه الحالة لا نأخذ في الاعتبار ما إذا كانت الذات نفسها تبقى مستمرة في الجوهر نفسه أو في جواهر متنوعة. إذ لما كان الوعي يقترن بالفكر على نحو دائم، وكان هذا هو ما يجعل كل واحد هو نفسه، ويتميز به، من ثم، عن كل كائن مفكر آخر، فإن ذلك هو وحده ما يكون الهوية الشخصية أو ما يجعل كائنا عاقلا يبقى دائما هو هو. وبقدر ما يمتد ذلك الوعي بعيدا ليصل إلى الأفعال والأفكار الماضية، بقدر ما تمتد هوية ذلك الشخص وتتسع. فالذات الحالية هي نفس الذات التي كانت حينئذ، وذلك الفعل الماضي إنما صدر عن الذات نفسها التي تدركه في الحاضر.
جون لوك، مقالة في الفهم البشري الكتاب II فصل 27، فقرة 9 ترجمه إلى الفرنسية كوسط ونشره إميليان نايرت ،فران 1994 ص: 264-265.
تأطير مجزوءة الوضع البشري
تراهن مجزوءة الوضع البشري على معرفة الإنسان في مختلف أبعاده ومستويات وجوده، فالحديث عن الوضع البشري هو حديث عن البعد الذاتي المتعلق بالشخص، والبعد التفاعلي الذي يحيل على الغير. إن بعد الوجود الذاتي للإنسان، يجعلنا ننظر إليه باعتباره شخصا متمتعا بالحرية والإرادة والقدرة على الاختيار وانطلاقا من الوعي والفكر رغم ما يعتري من وجوده من حتميات ومحددات نفسية واجتماعية وبيولوجية قد لا يعيها. إن هذا الوجود الإنساني هو وجود تفاعلي كذلك يجعل الذات تدخل في علاقة مع الغير، بل إن شرط وجودها لا يكون إلا بوجود الغير، غير أن هذه العلاقة ستجبر الذات على التقيد بالضوابط الاجتماعية للمجتمع. إن التفاعل بين الشخص والغير هو الذي يعطي للوجود البشري معنى.
فماذا يعني أن يكون الإنسان شخصا؟ وإذا كان الشخص يتحدد بالدور الذي يقوم به، فهل يستمد الشخص قيمته من ذلك الدور؟ وهل هو حر في اختيار دوره أم أنه خاضع لحتمية تفرض عليه السير وفق منطقها ؟ ثم هل هو خصم وعدو ننبذه ونقصيه، أم هو صديق نقسم معه إنسانيتنا وتطلعاتنا ؟ و هل المرور عبره كغير ضروري حقا لتكوين الوعي بالذات وإدراك خصوصيتها؟
مفهوم الشخص Personne
يحيل مفهوم الشخص في اللسان العربي على معاني البروز والظهور والعظمة، أما في اللسان الفرنسي فإن كلمة personne مشتقة من كلمة persona اللاتينية التي تعني القناع الذي يضعه الممثل على وجهه حتى يتقمص الدور المسند له. أما فلسفيا فالشخص هو بمثابة الذات الراعية و المفكرة والأخلاقية والمسؤولة عن أفعالها أو التي تنسب إليها أفعالها. وعليه يمكننا حصر إشكاليات لمفهوم الشخص:
ما الشخص؟ وما هو الأساس الذي تقوم عليه هوية الشخص؟
كيف تتحدد قيمة الشخص، هل باعتباره ذاتا في تعامله مع الآخرين أم كذات معزولة ومعارضة معهم ؟
هل الشخص ذات حرة في أفعاله وما يصدر عنه من سلوكات أم أنه خاضع لحتميات وتبقى حريقه مشروطة بها ؟
المحور الأول : الشخص والهوية
البناء الأشكالي للمحور.
يتناول المحور إشكالية فلسفية تتعلق بهوية الشخص أي الماهية التي يتحدد ويتميز بها الشخص، فإذا كان الشخص يتعرض لمجموعة من التغيرات على مستويات عدة جسدية ونفسية وفكرية فهل يظل الشخص هو هو ؟ أي هل يظل هو نفسه، حينما تطاله تلك التغيرات أم أننا نكون بإزاء شخص أخر ؟ بمعنى على هناك جوهر يظل ثابتا لدى الشخص بالرغم من التغيرات التي تحدث له ؟ وبالتالي أين تكمن هوية الشخص؟ وما الذي يمنح للشخص ثباته ووحدته؟ وما الذي يبقى ثابتا لديه بالرغم من التغيرات التي تحدث له ؟
مطلب الفهم.
يتأطر النص الذي بين أيدينا ضمن موضوع فلسفي يتعلق بالشخص باعتباره ذات عاقلة وواعية تحمل صفات معينة، وبالتحديد فالنص يخوض في مسألة الهوية الشخصية وعليه اعتمد لوك في نصه هذا على التحديد الديكارتي لمفهوم الشخص حينما حصر هذا الأخير في الجانب العقلي والفكري والتأملي إلا أنه اختلف معه في تحديد محدد الهوية الشخصية معتبرا أن الشعور والذاكرة معطيين أساسيين اللذان يضمنان وحدة الشخص، إذن كيف يمكن القول مع لوك بأن ما يحدد هوية الشخص هو الشعور الممتد في الذاكرة؟ أليست الذاكرة معرضة للتلف وبالتالي يفقد معها الشخص هويته ؟
أطروحة النص
بدافع النص عن أطروحة مفادها أن هوية الشخص تتحدد انطلاقا من الذاكرة والشعور، وزيادة في توضيح مضمون النص يمكن الاستعانة بما قدمه الفيلسوف الانجليزي جون لوك الذي استهل نصه بتعريف الشخص قبل تحديد مكونات الهوية الشخصية باعتباره " كائن مفكر قادر على التعقل والتأمل" و أن الشعور هو الوسيلة الوحيدة التي تمكن الشخص من النظر إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها. كما أكد لوك أن الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر، إذ لا يمكن للشخص أن يدرك دون أن بشعر انه يدرك ليخلص إلى أن اقتران الشعور بالفكر على نحو دائم وارتباط الشعور بالذاكرة هو وحده ما يكون الهوية الشخصية.
تتكون البنية الشخصية التي إذن من الشعور (أو الوعي) الذي يميز الشخص المفكر والعاقل، و من الذاكرة التي هي امتداد الشعور في الزمان والمكان.
اللحظة الحجاجية للنص.
انطلق لوك في عملية تحديد الهوية الشخصية من خلال تعريف مفهوم الشخص وهو ما قاده إلى استخلاص مجموعة من المعاني فهو يقيم علاقة شرطية بين مفهوم الشخص ومفهوم الهوية الشخصية تعبر عنها الروابط اللغوية التالية :
لكي ... لا بد .... فالشخص... وهكذا فصاحب النص عرف الشخص باعتباره كائن عاقل وقادر على التأمل والتحمل والرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها . ( أسلوب حجاجي يتمثل في التعريف).
كما أثبت النص أن الشعور وحده هو المحدد للهوية الشخصية مستبعدا في ذلك الحاجة إلى اللجوء إلى أي أساس أخر (الجوهر اللامادي مثلا) وأكد النص أطروحته من خلال توظيف الأمثلة كالحواس التي تشكل مدخلا مهما لمختلف الإدراكات الحسية والفكرية، وفي نهاية نصه هذا طرح مفهوما أخر يتعلق بالذاكرة معتبرا أن هويتنا الشخصية تمتد في الذاكرة فهذه الأخيرة لها القدرة على الربط بين الحاضر والماضي ويأخذ الوعي منا بعد استحضاريا فيخلق بذلك الشعور بالاستمرارية والوحدة لأن الفعل الماضي ينتسب ويعود إلى الذات نفسها التي تدركه في اللحظة التي تتذكره فيها.
استنتاج عام للنص.
إن الهوية الشخصية في نظر لوك بمثابة الخيط الرابط الذي ينسج الوحدة ويضمن الاستمرارية وهي عبارة عن بناء فكري أكثر منها واقعا ملموسا، وبهذه الكيفية ينزع لوك الطابع الجوهري أي ليس هناك أساس مادي أو غير مادي يمكن اعتباره قوام الذات. وهكذا فإن الوعي التأملي هو ما يجعل شخصا ما هو هو مطابقا لذاته، كما أن الوعي الاستحضاري ( الذاكرة) هو ما يجعلنا ندرك أن هناك اتصالا واستمرارية بين الماضي والحاضر.
لحظة المناقشة شوبنهاور و دیکارت
موقف شوبنهاور : الإرادة أساس هوية الشخص.
على خلاف ذلك يرى أرثور شوبنهاور أن الذاكرة معرضة للتلف بسبب الشيخوخة أو مرض النسيان ذلك أن " كل حادثة نذكرها تقابلها آلاف الحوادث التي يبتلعها النسيان" وبالتالي لا يمكن أن تكون الذاكرة هي أساس هوية الشخص لأنه " يستطيع تقدم السن أو المرض، أو إصابة في المخ أو حمق أن يحرمنا كلية من الذاكرة" كما أن الشعور غير ثابت ويختلف من مرحلة زمنية لأخرى وكذا لا تتوقف هوية الشخص على مادة جسم الإنسان لأنها قابلة للتجديد ولا في صورته لأنها تتغير بفعل الزمن، ورغم التحولات التي يحملها الزمن إلى الإنسان ولا يمكن للهوية أن تتلاشى بفعل النسيان فإن هناك عنصرا ثابتا لا يتغير وهو الذي يمثل نواة وجود الإنسان الذي لا يحد بالزمان والدي يتمثل في الإرادة لتغدو الذات الحقيقية هي تلك الذات " التي لا تعرف في قراراتها غير شيئين : أن تريد أو ألا تريد".
إذن فشوبنهاور وضع الإرادة في المقام الأول وهنا نميز بين الإرادة الطبيعية والإرادة الحقيقية ، الأولى هي الشهوة السلبية التي تميل إلى الخير والثانية وهي ثقة ايجابية تقدر على أن تقبل أو ترفض ما يقدمه العقل.
احتل مفهوم الإرادة إذن مكانة مرموقة في فلسفة شوبنهاور إذ لم يعد حكرا على المجال الأخلاقي بل إن الإرادة ليست شيئا آخر غير الشيء في ذاته كما تتصف الإرادة أولا بأنها واحدة وثانيا لا تقبل الفناء وأخيرا إنها إرادة حرة.
موقف ديكارت: الأنا المفكر أساس هوية الشخص.
لقد اعتمد ديكارت الشك المنهجي من أجل الوصول إلى الحقيقة، هكذا فقد شك في كل شيء ما عدا الشك نفسه، ومادام أن الشك نوع من التفكير فقد انتهى أنه يفكر. ومن هنا تساءل قائلا أي شيء أنا؟ أنا شيء مفكر. وهذا ما يجعل هوية الشخص تتعدد على مستوى الفكر فالشخص ذات مفكرة وواعية. ويتجلى هذا الوعي في القدرة على الشك والفهم والتصور، وقد استبعد ديكارت الخصائص المرتبطة بالجسم باعتبارها خصائص عرضية، هكذا فالفكر المجرد هو أساس هوية الشخص ووجوده، فأنا أفكر إذن أنا موجود في أساس الذات الإنسانية عند دكارت.
نص غير مهم
تعتبر الهوية والشعور من المواضيع الفلسفية العميقة التي تثير الكثير من التساؤلات حول العلاقة بين الهوية الشخصية والشعور. يتناول تحليل نص الهوية والشعور قضية ارتباط الهوية بالشخص والشعور، وهو موضوع يعالجه درس الهوية والشعور في مستوى ثانية باك. من خلال هذا النص، نكتشف أن الهوية الشخصية قد تكون ثابتة أو متغيرة وفقًا لعدة عوامل، كما أشار ديكارت في تحليلاته الفلسفية. يمكن لطلبة ثانية باك علوم استخدام منهجية تحليل نص فلسفي الهوية والشعور لفهم البنية الحجاجية للنص، ومناقشة الأطروحة المركزية المتعلقة بأن هوية الشخص تعتمد إلى حد كبير على الشعور. تحضير نص الهوية والشعور يساعد على تنظيم الأفكار وتحليل العلاقة بين الشخص والهوية، مما يوفر إطارًا فلسفيًا متينًا لفهم تعقيدات هذا الموضوع.
0 تعليقات