نموذج سؤال فلسفي جاهز للتحليل والمناقشة مفهوم الغير
هل يمكن معرفة الغير عن طريق المماثلة بيني وبينه؟
الامتحان الوطني الفلسفة 2013 الدورة العادية.
منهجية السؤال الفلسفي مفهوم الغير
شغل الوضع البشري موقعا ملحوظا في تاريخ الفكر الفلسفي في لحظاته الحديثة والمعاصرة، حيث ثم الاهتمام بشكل كبير بمفهوم الغير سواء من حيث وجوده أو في علاقته مع الشخص. والسؤال الذي بين أيدينا يدخل في هذا الاطار فهو يطرح إشكالية فلسفية يصعب الحسم فيها نظرا للنقاشات الفلسفية التي أثيرت حولها، وتتمثل في العلاقة مع الغير، ومن هنا يمكننا صياغة الإشكالات التالية:
هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة في ظل المفارقات التي يحملها هذا الغير؟ وهل المماثلة كفيلة بمعرفة الغير أم أن هناك أشكال أخرى لمعرفته؟ واذا كانت معرفته مستحيلة فما هي الوسائل التي تحول دون معرفته؟
ان مقاربة هذا السؤال الفلسفي تستدعي هنا من الناحية الإجرائية القيام بتوضيح أهم المفاهيم المشكلة له، فقد جاء بصيغة استفهامية "هل" تفيد التشكيك أو التكذيب أو التصديق وغالبا ما تقرن بين قضييتين اثنتين، تكون احداهما ظاهرة من منطوق السؤال او الأخرى مضمرة، ومن أهم المفاهيم المشكلة لهذا السؤال الفلسفي، "الغير" ويمثل الذات الواعية الأخلاقية المسؤولة، تحمل صفات تشبهني وتختلف عني في نفس الان، فحين يشير مفهوم "المماثلة" الى الاشتراك والتشابه في عالم موحد، وهو مفهوم مجرد وحسي.
ويؤكد منطوق هذا السؤال على أن معرفة الغير ممكنة عن طريق المماثلة، فالغير هو ذات تشبهني وتختلف عني في نفس الان فرغم هذه المفارقات والاختلافات يمكن معرفة الغير عن طريق الاشتراك والمماثلة، فالغير له تجاربه الخاصة لكن يجمعنا عالم موحد ومشترك، ومن الموافق القريبة من منطوق السؤال نجد موقف إدموند هوسرل حيث أكد على أن معرفة الغير ممكنة عن طريق التوحد الحدسي بين أنا الأنا وأنا الغير ،وهو ما يطلق عليه ب"البينذاتية" أي الاشتراك الحدسي والغير مباشر في عالم يوحدني مع كافة البشر.
نخلص اذن الى أن معرفة الغير ممكنة عن طريق المماثلة بيني وبين الغير رغم المفارقات التي يحملها. لكن ألا توجد أطروحات تتماشى مع التصورات السابقة؟
في هذا السياق يحضر موقف ماكس شيلر الذي أكد على أن معرفة الغير ممكنة لأن معرفته تتطلب منا ادراكه إدراكا تاما ككل لا يتجزأ، فلا ينبغي لنا ادراك الغير كجسد منفصل عن الباطن بل ان معرفته تتم "فينومولوجيا" أي أن ادراكه يجمع بين معرفة لمظاهره الجسمية وعالمه الداخلي، فمعرفة الغير اذن ممكنة ويمكن أن أعرف الغير أكثر من معرفتي بذاتي.
لكن القضية التي لم يعلن عنها السؤال تتجلى في عدم إمكانية معرفة الغير عن طريق المماثلة فكل ذات لها تجربتها الخاصة لا يمكن النفاذ اليها، فالأنا تظل وحيدة في عزلتها نظرا لوجود عوائق تكرس هذه العزلة، ان أنا الأنا لا يمكن أن تشعر بما يشعر به الغير كما أن الغير لا يمكنه مشاركتي مشاعري الخاصة، وعليه فمعرفة الغير مستحيلة في ظل انعدام التواصل بين أنا الأنا وأنا الغير، وكما ورد في نص لغاستون بيرجي "هكذا هو الانسان، وحيد في هوته، منعزل بذاته، محكوم عليه بألايتبع رغباته في التواصل رغم أنه لن يتخلى عنها أبدا".
وفي نفس السياق يؤكد جون بول سارتر على أن معرفة الغير مستحيلة، فأنا الأنا وأنا الغير كل واحدة منهما تحاول أن تحفظ تجارتها الخاصة، وعندما نؤسس علاقة تباعد بين أنا الأنا وأنا الغير فاننا نتبادل نظرات تشييئية وبديهية تفقد الذات هويتها وتعاملها كموضوع، وبذلك يصبح من الصعب معرفة الغير، يقول جون بول سارتر "ان الغير هو المراة التي تعكس حقيقة وجودي".
وفي نهاية موضوعنا يتاح لنا أن تعمل على إيجاد أرضية مشتركة عن طريق تقديم حل تركيبي يتوافق مع التصورات السابقة ويتمثل في نظرنا أن الغير سواء كان فردا أو جماعة لابد من تأسيس علاقة معه تنبني على الحوار والانفتاح والتضامن فلا يمكن للأنا أن تعيش معزولة عن الغير كما أن الغير في حاجة الى الاخرين.
0 تعليقات