مفهوم الشخص مجزوءة الوضع البشري الثانية باك

ProfSalmi أغسطس 22, 2024 أغسطس 22, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: مفهوم الشخص في الفلسفة إن الشخص ذات تعي ذاتها بذاتها وتدرك غايات أفعالها ومسؤوليتها الأخلاقية، لأنها ذات تمتاز بالحرية والكرامة. وهذا ما يدفعنا إلى
-A A +A


مفهوم الشخص في الفلسفة

تقديم

لعل ما يثير في الإنسان أنه كائن يختلف عن باقي الكائنات بمجموعة من الخصائص الجسدية والمعنوية، وهذا ما عبر عنه أرسطو بقوله "الإنسان حيوان عاقل". بالإضافة إلى أن لكل شخص هوية يتفرد بها، وهذا لا يعني أنه صنم أو هيكل جامد، بل إنه كائن يظهر بمظاهر متعددة يخفي كينونته بأقنعة متنوعة ومختلفة تفرضها طبيعة العلاقات التي ينسجها مع محيطه الاجتماعي والثقافي، بوصفه فضاء يعيش فيه الشخص بأفراده وعاداته والقوانين التي تنظم العلاقات القائمة بين الأفراد. لأن الشخص كائن لابد له من أن يعيش في مجتمع يتفاعل معه، يأخذ منه ويعطيه، يستفيد من نشاطه ويفيده من مجهوده الخاص، وهذا ما يسمى بالشعور الاجتماعي المشترك بين الأفراد والجماعة الذي يحقق الشخص من خلاله تكيفه الذاتي والاجتماعي.

إن الشخص ذات تعي ذاتها بذاتها وتدرك غايات أفعالها ومسؤوليتها الأخلاقية، لأنها ذات تمتاز بالحرية والكرامة. وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن الشخص هو ذلك الكائن العاقل المفكر الذي يملك الإرادة والحرية والقدرة على الفعل، لكنه في الوقت نفسه يتفاعل مع محيطه البيولوجي والنفسي والاجتماعي.

إن الشخص ليس موضوعًا معطى مثل باقي أشياء العالم بحيث يمكن وصفه من الخارج كما توصف موضوعات العالم الخارجي، بل هو بنية وكيان كلي. إذ إن كل سؤال نطرحه من قبيل: ما الإنسان؟ أو ما الشخص؟ يتضمن طرح تساؤلات أخرى يمكن صياغتها على التصور الآتي:

  • ما المقصود بالشخص؟
  • بأي معنى يمكن القول إن للشخص هوية؟
  • هل للشخص قيمة ومن أين يستمد هذه القيمة؟
  • هل الشخص ذات إنسانية حرة أم أنها خاضعة للإكراهات والحتميات؟
مفهوم الشخص في الفلسفة 2 باك


المحور الأول: الشخص والهوية

الإشكالية: أسس هوية الشخص ومحدداتها.

سؤال المحور: ما أساس هوية الشخص؟


موقف رونيه ديكارت: الفكر أساسا لهوية الشخص

لقد استخدم "ديكارت" الشك المنهجي من أجل الوصول إلى الحقيقة. وما دام الشك نوعًا من التفكير، فقد انتهى إلى أنه يفكر. من هنا فقد تساءل قائلًا: أي شيء أنا؟ وأجاب: أنا شيء مفكر، وهذا ما يجعل هوية الشخص عند أبي الفلسفة الحديثة تتحدد على مستوى الفكر، فالشخص هو ذات مفكرة وواعية. ويتجلى هذا الوعي في القدرة على الشك والفهم والتصور والنفي والإثبات والتخيل والإحساس... الخ، وتعتبر هذه الأفعال خصائص مكونة لهوية الشخص بحيث لا يمكن تصوره بدونها، فهي إذن ثابتة لدى الكائن البشري وتميزه به عن باقي الكائنات، وهذا ما عبر عنه انطلاقًا من قولة الكوجيتو: "أنا أشك، أنا أفكر، إذن أنا موجود".


موقف جون لوك: تحديد هوية الشخص انطلاقا من الشعور والذاكرة

الشخص عند "جون لوك" كائن واع ومفكر، يتأمل ذاته ويدرك أنها مطابقة لنفسها في كل لحظة تمارس فيها التفكير والتعقل. من هنا، فهويّة الشخص عنده لا تخرج عن إطار الفكر كما هو الحال عند "ديكارت"، إلا أنه يختلف عن هذا الأخير في أنه لا يمكن تصور أفكار فطرية بمعزل عن الحواس. "إن العقل صفحة بيضاء، والحواس هي التي تمده بالمعارف والأفكار". هكذا يربط "لوك" بين الفكر والإحساس، وهذا الربط هو الذي جعله يستنتج أن الإحساس هو ما يكون الهوية الشخصية للإنسان. كما يربط من جهة أخرى بين الذاكرة وهوية الشخص، إذا كلما امتد الوعي في الذاكرة، إلا واتسعت معه هوية الشخص وتقوت.


موقف جول لاشولي: الطبع والذاكرة كأساسين لهوية الشخص.

يشير الفيلسوف الفرنسي جول لاشولي في كتابه "السيكولوجيا والميتافيزيقا" أنه عادة ما ينظر إلى الهوية باعتبارها وحدة متكاملة، إلا أن هذه الفرضية تظل غير صحيحة، ومن هنا سيتساءل لاشولي حول ما إذا كان عنصر الهوية يتميز بالثبات أم التغير. ويقدم لاشولي مجموعة من الأمثلة منتقدًا الفرضية السابقة، فالشخص عندما يفقد ذاكرته، يفقد معها ترابط أناه، بحيث تحدث هوة بين أناه الماضية وأناه الحاضرة. من هنا، فما يحدد هوية الشخص هما العنصران السيكولوجيان: دوام نفس الطبع وترابط الذكريات.


موقف آرثر شوبنهاور: إرادة الحياة كأساس لهوية الشخص.

خلافًا لما سبق، يرى "شوبنهاور" أن هوية الشخص تتحدد انطلاقًا من إرادة الحياة التي تظل ثابتة فينا حتى عندما ننسى ونتغير كليًا. هكذا، وبالرغم من التحولات التي يحملها الزمن إلى الإنسان، فإنه يبقى فيه شيء لا يتغير، وهو الذي يمثل نواة وجوده التي لا تتأثر بالزمن، وهذا الشيء لا يتمثل في الشعور المرتبط بالذاكرة، لأن أحداث الماضي يصيبها النسيان، والعقل معرض للتلف بسبب الشيخوخة أو المرض، بل يتمثل في الإرادة التي هي أساس هوية الشخص ونواة وجوده، بحيث تظل ثابتة في هويته مع نفسها. "إن إرادة الحياة هي التي تمثل ذاتنا الحقيقية والمحركة لوعينا وذاتنا العارفة".


المحور الثاني: الشخص بوصفه قيمة

الإشكالية: ما هي أسس قيمة الشخص ومحدداتها؟

سؤال المحور: من أين يستمد الشخص قيمته؟

موقف إيمانويل كانط: يستمد الشخص قيمته من كونه ذاتًا عاقلة وأخلاقية.

يرى كانط أن الشخص كائن واعٍ، مما يجعله يكتسب قيمة مطلقة، في حين لا تتمتع الموجودات غير العاقلة إلا بقيمة نسبية. كما يعتبر كانط أن الشخص غاية في ذاته، بحيث لا يمكن التعامل معه كمجرد وسيلة، وهذا يعني أنه يمتلك قيمة وكرامة لا تُقدّر بثمن. ولكي يحافظ الشخص على احترامه بوصفه ذاتًا حرة وأخلاقية، يجب عليه أن يتصرف وفقًا للواجب الأخلاقي المطلق، بحيث يعامل الإنسانية في سلوكه كغاية وليس كوسيلة، فحرية الشخص عند "كانط" مقترنة بالتزامه بالواجب الأخلاقي الذي هو قانون عملي كلي ومطلق.

موقف جورج غوسدورف: الأخلاق الملموسة أساس قيمة الشخص.

يرى الفيلسوف الفرنسي غوسدورف، صاحب كتاب "مدخل إلى العلوم الإنسانية"، أن الشخص يستمد قيمته من الأخلاق الملموسة عن طريق المشاركة مع الآخرين، وعدم التفرد والتقوقع حول الذات، يجب على كل فرد فك عزلته حتى يستفيد من الآخرين ويفيدهم من مجهوده الخاص، في إطار تعايش سلمي اجتماعي وهذا ما عبر عنه بقوله: إن ما يحدد فعلاً قيمة الشخص ليس الأخلاق المتعالية عن الواقع أو الميتافيزيقية، وإنما العمل بكل أشكال التضامن الأولي بين الناس.


موقف فردريك هيجل: يستمد الشخص قيمته من الامتثال لروح الشعب.

في نظر هيجل، لا يكتسب الأشخاص قيمتهم الأخلاقية إلا حينما يمتثلون لروح شعوبهم، ويقومون بتنفيذ الواجبات والالتزامات التي تفرضها عليهم الحياة الاجتماعية طواعية واقتناعًا. فلا يمكن الحديث عن الشخص دون أن يعيش داخل مجتمع وأن يقوم بوظيفة ايجابية داخل مجتمعه تساهم في تطويره والرقي به. ويجب ألا يغيب عن بالنا أن هيجل يقلص من دور الشخص الفرد، بل ومن دور الإنسانية جمعاء في التاريخ، حين يعتبر الذات الحرة والصانعة للتاريخ ليست هي الذات الفردية ولا حتى مجموع الذات الإنسانية، بل هي الذات الدونية التي يسميها "هيجل" بالروح المطلقة.

موقف طوم ريغان: ما يمنح للشخص قيمة هو كونه ذاتًا حية تستشعر حياتها.

يرى طوم ريغان أن كانط يحدد قيمة الشخص في كونه ذاتًا عاقلة وأخلاقية، وهذا يؤدي إلى نفي قيمة الشخص عن كثير من البشر مثل البويضة المخصبة حديثًا (الجنين)، والمرضى الذين دخلوا في حالة غيبوبة دائمة، والأطفال الصغار، وكل الكائنات التي تفتقد القدرات العقلية التي تمكنها من أن تكون كائنات أخلاقية. فالقيمة الأصلية للشخص، إذن، لا تتوقف على نظرة الغير إليه أو حكمه عليه انطلاقًا من معايير أخلاقية أو غيرها، بل هي تتحدد، حسب "طوم ريغان" انطلاقًا من كونه "ذاتا تستشعر حياتها" (مبدأ الحياة) يحيا حياة يمكن أن تتحول للأفضل أو للأسوأ بالنسبة اليه. وهذا المعيار الأخير يجعل كل الكائنات البشرية متساوية ويفرض علينا الاعتراف لها بحقوقها ومعاملتها باحترام.


المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية

الإشكالية: حرية الشخص وحدودها.

سؤال المحور: هل الشخص حر أم أنه خاضع لإكراهات وحتميات؟


موقف جون بول سارتر: الشخص مشروع حرية

يرى "سارتر" أن الشخص مشروع حرية مستقبلية، يعمل على تجاوز ذاته ووضعيته وواقعه باستمرار من خلال اختياره لأفعاله بكل إرادة وحرية ومسؤولية، ومن خلال انفتاحه على الآخرين، ولتأكيد ذلك ينطلق سارتر من فكرة أساسية في فلسفته وهي كون "الوجود سابقًا على الماهية"، أي أن الإنسان يوجد أولًا ثم يصنع ماهيته فيما بعد. إنه الكائن الحر بامتياز، فهو الذي يمنح لأوضاعه معنى خاصًا انطلاقًا من ذاته، فليس هناك سوى الذات بوصفها مصدرًا مطلقًا لإعطاء معنى للعالم.

موقف إيمانويل مونييه: الشخص حر في تقرير مصيره

يرى مونييه أن الشخص ليس موضوعًا، وبالتالي لا يمكن التعرف عليه من الخارج والتعامل معه بوصفه مادة جامدة، ويعتبر أن الشخص وحدة كلية تتكون من عدة أجزاء، كما أن فهمه والتعرف عليه لا يمكن أن يكون إلا من الداخل ومما هو روحي وما يتميز به عن باقي الأشياء فالشخص قيمة مطلقة ولا يمكن تسخيره من قبل الجماعة بوصفه وسيلة لأنه غاية في ذاته، ولذلك فهو يدعو المجتمع إلى ضرورة توفير الظروف والوسائل الملائمة لكي يحقق الأشخاص ميولهم ويقرروا مصيرهم بمحض حرياتهم. "إن الشخص حر في تقرير مصيره ولا يحق لأي كان فردًا أو جماعة أن يقوم مقامه في ذلك" (مثال: الدراسة/الزواج...).


موقف سيغموند فرويد: الشخص خاضع لضرورات نفسية

لقد اعتبر علم النفس الفرويدي أن نفسية الإنسان تتحدد بشكل حاسم في مرحلة الطفولة وأن جهازه النفسي ينقسم إلى الشعور واللاشعور: فالشعور هو المنطقة الواعية لدى الشخص بينما اللاشعور فهو المنطقة الدفينة أو ما يطلق عليه "فرويد" (المقبرة المنسية). والجهاز النفسي يتكون انطلاقًا من صراع بين ثلاثة محددات وهي: الأنا (الذات) والأنا الأعلى (الضوابط...) والهو (الملذات أو الليبيدو). فالأنا قد ترغب في تحقيق رغبات أو ملذات معينة يتطلبها الهو إلا أن الأنا الأعلى قد يرفض هذه الرغبات ويحول دون تحقيقها للأنا. (مثلًا قد يرغب تلميذ معين في التدخين وهذه العملية مرتبطة بتحقيق نشوة معينة إلا أنه قد يستحضر غضب والديه أو تحريم الدين لذلك فيمتنع عن هذه الرغبة). ومن هنا نفهم أن الأنا يعيش صراعًا نفسيًا بين تحقيق رغبات الهو أو الاستجابة لأوامر الأنا الأعلى.

موقف باروخ سبينوزا: أفعال الإنسان محكومة بضرورات طبيعية

يرى سبينوزا أن الناس يعتقدون أنهم أحرار في أفعالهم واختيارهم، لاسيما أنهم يكونون على وعي بما يقومون به، إلا أن الحقيقة خلاف ذلك، فالناس يجهلون الأسباب الحقيقية لأفعالهم ورغباتهم والتي تتحدد بشكل طبيعي وحتمي. إن الناس حسب سبينوزا لا يستطيعون التحكم في شهواتهم بما فيه الكفاية، ذلك أنهم غالبًا ما يدركون الأفضل ومع ذلك يفعلون الأسوأ وينتابهم الندم من جراء ذلك. ويقدم "سبينوزا" أمثلة تتعلق برغبة الرضيع في حليب الأم، وبحالة الغضب التي تنتاب الشاب وهو يريد الانتقام، وبرغبة الجبان في الفرار، لكي يبين لنا من خلالها أن هؤلاء وغيرهم من الناس يظنون أنهم أحرار أثناء قيامهم بتلك الأفعال وغيرها، إلا أن واقع الأمر عكس ذلك فهناك أسباب خفية تقف وراء أفعالهم تلك وتوجهها.


خلاصة عامة

يتبين لنا من خلال ما سبق أن مفهوم الشخص بوصفه مفهومًا فلسفيًا وإشكالًا بنيويًا يضعنا أمام العديد من المقاربات، وهذا لا يعني أن الشخص ظاهرة متعالية عن كل بحث موضوعي، لأن ذلك تشكيك في علمية العلوم الإنسانية وكذا الدراسات الفلسفية. وبالتالي، كل بحث أو دراسة حول مفهوم الشخص ستظل دراسة نسبية تفتح آفاقًا أخرى للتفكير في الإنسان. وما دام سؤال "ما الإنسان؟" أو "ما الشخص؟" سؤالًا ذا نطاق واسع، فإننا كلما أردنا اللحاق بهذا السؤال "الهارب" إلا واستعصت علينا الإحاطة به إحاطة تامة، لأننا لسنا أمام شيء جاهز أو قابل للوصف. لكننا سنتحمل مغامرة هذا السؤال حتى وإن كنا نعتقد أنه لا محالة سنعود إلى طرح السؤال نفسه من جديد "ما الإنسان؟" أو بالأحرى "ما الغير؟".


هذا الملخص من انجاز الاستاذ أحمد الطاهري.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/