تحليل قولة محور العدالة بين الإنصاف والمساواة مفهوم الحق والعدالة

ProfSalmi يونيو 04, 2024 يونيو 04, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: غاية العدالة تحقيق المساواة، فالقوانين العادلة هي التي يكون الناس سواسية أمامها بغض النظر عن التفاوتات القائمة بينهم من حيث جنسهم وسنهم ولغتهم وقوة
-A A +A

 

تحليل قولة فلسفية حول العدالة والمساواة مجزوءة السياسة

" العدالة هي المساواة. "



مقدمة : مطلب الفهم

من خلال المفاهيم المتضمنة في القولة (العدالة، المساواة)، يتضح أنها تناطر داخل مجزوءة السياسة، وتحديدا ضمن مفهوم الحق والعدالة، إذ تسلط الضوء على موضوع العدالة بين المساواة والإنصاف، ويقصد بالحق ما يجب أن يكون إما لصدقه أو لاستقامته، إنه القيام بفعل أو الاستمتاع بشيء أو إلزام الغير به تبعا لمعيار أو قاعدة قانونية أخلاقية، تأطر علاقات الأفراد فيما بينهم داخل مجتمع سياسي منظم. أما العدالة فتشير إلى مجموع القواعد القانونية والمعايير الأخلاقية التي يعتمدها مجتمع ما في تنظيم العلاقات بين أفراده، سواء في مظهرها الخارجي الموضوعي المتمثل في المؤسسات التشريعية والقانونية، أو في مظهرها المعياري الأخلاقي الذي يتطلع الجميع لاستلهامه، الشيء الذي يضعنا أمام مجموعة من الإشكالات من قبيل: 

ما غاية العدالة؟ هل تحقيق الإنصاف أم تحقيق المساواة أم هما معا؟ وإلى أي حد يمكن اعتبار العدالة مساواة؟


العرض: مطلب التحليل والمناقشة

جوابا عن الإشكالات أعلاه، تقدم القولة أطروحة مركزية، تؤكد من خلالها على أن العدالة تسعى لتحقيق المساواة، فالعدالة تسعى لتحقيق المساواة بين جميع الأفراد ما دام أنهم يتمتعون بنفس الحقوق الطبيعية والمدنية، فبغض النظر عن اختلاف القائم بينهم فيزيولوجيا وعقليا لابد أن يتم مساواتهم في الحقوق والواجبات، فالمساواة وحدها هي الضامنة للتعايش بين الناس الذين غالبا ما لا يقبلون بالإنصاف باعتباره آلية يقرها أولئك الذين يحرصون على تحقيق مصالحهم الشخصية فقط، فالمساواة وحدها من يضمن الحق للجميع في الحياة الكريمة. لقد استثمر صاحب القولة، جملة من المفاهيم الفلسفية أهمها: العدالة وتعني ضمان تكافؤ الفرص وتوفير ما يساعد الفرد على تحقيق الثراء ومزيد الرفاه، دون إلغاء التفاوت. أما لفظ ،المساواة فتعني المبدأ الذي تكون بموجبه كل التعاليم، من ممنوعات وعقوبات قانونية، واحدة بالنسبة إلى كل المواطنين بلا تمييز في العرق أو الثروة أو الدين. 


يتضح من خلال ما سبق أن أطروحة القولة تؤكد على أن العدالة مساواة، وهي الأطروحة التي نجد لها حضورا قويا لدى الفيلسوف ألان (إميل شارتيي) الذي يرى أن غاية العدالة تحقيق المساواة، فالقوانين العادلة هي التي يكون الناس سواسية أمامها بغض النظر عن التفاوتات القائمة بينهم من حيث جنسهم وسنهم ولغتهم وقوة أبدانهم ومرتبتهم الاجتماعية... يقول الان " إن القوانين العادلة هي تلك التي يكون الجميع أمامها سواسية، سواء كانوا رجالا أو نساء أو أطفالا، أو مرضى أو جهالا، أما أولئك الذين يقولون إن اللامساواة هي من طبيعة الأشياء، فهم يقولون قولا بئيسا ". أفلا يمكن الحديث كذلك، على أن العدالة تسعى لتحقيق الإنصاف لا المساواة أو بالأحرى العدالة مساواة منصفة؟

لمقاربة هذا الإشكال نستحضر تصور الفيلسوف ماكس شيلر الذي ينتقد فكرة المساواة المطلقة ويعتبرها مساواة جائرة لأنها لا تراعي اختلاف الناس وتمايز قدراتهم ومؤهلاتهم، إن المساواة المطلقة عبارة عن ظلم، بل أكثر من ذلك إنها تعبير عن حقد دفين وكراهية يكنها الأشخاص الذين هم في أسفل درجات السلم الاجتماعي لأولئك المتفوقين عليهم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، فالذي يخشى على نفسه الخسارة هو وحده من ينشد المساواة لأنه عاجز عن تحقيق ما يصبو إليه، ولكن وراء هذه الدعوة للمساواة يتستر الحقد على المبادئ السامية. وفي نفس السياق يؤكد جون راولز على فكرة العدالة كانصاف، حيث يتمتع أفراد المجتمع بالمساواة في الحقوق والواجبات الأساسية واللامساواة الاجتماعية والاقتصادية مثل اللامساواة في الثروة والسلطة، فمن يملكون مؤهلات وقدرات تؤهلهم لبلوغ مراتب عليا لا يمكن أن يتم مساواتهم بأولئك الذين هم أقل حضا منهم، إلا أن راولز يرى ضوروة توزيع الامتيازات واقتسامها بنوع من التعاون الإرادي بين كل أفراد المجتمع، بمن فيهم أولئك الذين هم أقل حضا، فبدون هذا التعاون لن يستفيد احد من الرخاء.


خاتمة: مطلب التركيب

من خلال ما سبق، نخلص إلى أن إشكالية العدالة بين المساواة والإنصاف، أفرزت مجموعة من المواقف المتعارضة، حيث رأى ألان أن العدالة تسعى لتحقيق المساواة، في حين اعتبر ماكس شيلر أن العدالة تسعى لتحقيق الإنصاف، وبالمقابل أكد جون راولز أن العدالة مساواة منصفة. أما فيما يتعلق بوجهة نظري الشخصية، أجد نفسي أميل إلى موقف جون راولز، لأنه الأقرب إلى الواقع المعيش، فالواقع السياسي يشهد أن الأفراد داخل المجتمع يتمتعوا بالمساواة في الحقوق وأن يتم إنصافهم في الواجبات مراعاة لاختلاف قدراتهم وكفاءاتهم، وفي ظل تضارب هذه المواقف والتصورات ألا يمكن القول إن العدالة سعي دائم لترسيخ المساواة والإنصاف في الآن ذاته؟


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/