سؤال فلسفي حول مفهوم السعادة مجزوءة الاخلاق

ProfSalmi مايو 08, 2024 مايو 08, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: هل السعادة في الإقبال على اللذات أم في التحرر من سيطرتها ؟ السعادة هي الخير الأقصى الذي يطلبه جميع الناس، إلا أن تمثلاتهم لها متعددة ومختلفة..
-A A +A

 

تحليل ومناقشة موضوع فلسفي حول مفهوم السعادة مجزوءة الاخلاق

الموضوع

هل السعادة في الإقبال على اللذات أم في التحرر من سيطرتها ؟

مفهوم السعادة مجزوءة الاخلاق


نموذج تطبيقي مصحح حول مفهوم السعادة

المقدمة : مستوى الفهم

السعادة هي الخير الأقصى الذي يطلبه جميع الناس، إلا أن تمثلاتهم لها متعددة ومختلفة، إلى درجة القول أن لكل واحد تصوره الخاص لها ، بل إن الفرد الواحد قد تتغير نظرته لها بتغير ظروفه المادية أو المعنوية .... والسؤال المطروح يدعونا إلى التفكير بالخصوص في علاقة السعادة باللذة وإذا كنا نجد لدى الناس ميلا طبيعيا إلى طلب اللذة وتجنب الألم، فهل اللذة هي مبدأ الحياة السعيدة ؟ وإذا كانت اللذات متنوعة : بدنية وعقلية وروحية، فأي نوع منها يؤدي إلى السعادة الحقيقية ؟ وبصورة إجمالية هل تكمن السعادة الحقة في الإقبال الشديد على اللذات أم في التحرر من سيطرتها ؟


العرض : التحليل والمنافسة

إن أداة الاستفهام «هل» في السؤال المطروح، تطلب منا اختيار وتبرير أحد طرفي المناقضة : إما أن تكون السعادة في الإقبال على اللذات أو تكون في التحرر من سيطرتها ... ولتحليل ومناقشة الأطروحتين يمكن استحضار السجال والاختلاف الذي عرفته الفلسفة اليونانية في هذا الموضوع بين فلسفة اللذة عند الأبيقوريين وفلسفة الزهد عند الرواقيين : حيث يدافع أبيقور Epicure على الأطروحة التي ترى السعادة في الإقبال على اللذات لكن بمعنى خاص، فيقول : « اللذة هي بداية الحياة السعيدة وغايتها». وهو بذلك يجعل من اللذة هي القاعدة أو المعيار الذي تنطلق منه لتحديد ما ينبغي اختياره وما ينبغي تجنبه من أجل بلوغ سعادتنا ... ويطلب منا أيضا أن نتعامل مع اللذات بتفكير رصين وروية بحيث نختار من بينها تلك التي تجلب إلينا أفضل نفع ولا يعقبها ألم جسمي أو اضطراب نفسي أو إزعاج لنا ... ويدافع الفيلسوف الرواقي إبكتيت Epictète على الأطروحة الثانية التي يحيل عليها السؤال المطروح، حيث يرى إبكتيت أن السعي نحو السعادة يكون بضبط النفس وتحريرها من سيطرة اللذات والانفعالات، وجعلها تعيش في طمأنينة وانسجام مع القانون الطبيعي الاسمى الذي هو قانون اللوغوس أو العقل الكوني.


وقبل المدرستين: الأبيقورية والرواقية، نجد عند أرسطو Aristote نظرية في السعادة عرضها بالتفصيل في كتابه «الأخلاق النيفوماخية»، يحدثنا فيها عن سعادة نفسية عقلية تأملية مقترنة بالحكمة الفلسفية، ويبين في سياق تحليله لمفهوم "السعادة" أنه لا يوجد تمثل واحد لها عند جميع الناس بل تمثلات مختلفة : فمنهم من يرى سعادته في الانغماس في اللذات الحسية وضروب الاستمتاع المادي ... ومنهم من يرى سعادته في المجد والشهرة السياسية ... ويرفض أرسطو هذه التمثلات الشائعة التي تحدد السعادة في مجال المعطى الحسي، ولا يرى السعادة في التعلق الشديد باللذات الحسية، بل إنه يدعو إلى سلوك الاعتدال من غير إفراط ولا تفريط، ويبين في هذا السياق أنه إذا كانت اللذة الحسية أو البدنية سريعة الزوال، والثروة مهددة بالضياع، والشهرة متوقفة على الآخرين، فإن الحكمة العقلية هي وحدها الفضيلة الباقية والكاملة، والسعادة الحقة تقترن بالحكمة الفلسفية التي ترقى بالإنسان، حسب رأي أرسطو، إلى مستوى الألوهية أي تجعله مشاركا للآلهة في حياة التأمل والنظر العقلي.


الخاتمة : مستوى التركيب

ما يمكن استخلاصه من تحليلنا النقدي السابق للأطروحتين المتضمنتين في السؤال على ضوء مذاهب فلسفية يونانية مختلفة في الموضوع ... هو أن اللذة في حد ذاتها ليست شرا، وإنما الشر هو الإفراط في طلبها وبطرق غير مشروعة قد تجعل من الإنسان حيوانا أنانيا أو عبدا للذة تافهة مثل عبيد الخمر والمخدرات والجنس ... الخ، ولذلك فلابد من الاعتدال في طلب اللذات، وإخضاعها للعقلنة والتنظيم، والتوفيق بين رغبة الذات ورغبة الغير، لأن السعادة واجب نحو الذات والغير ... ويمكن أن نعطي لمفهوم «السعادة» بعدا أكثر إيجابية، حين نربطه بالممارسة والعلاقات الإنسانية. ونعتبر السعادة الحقيقية هي تلك التي نتقاسمها مع الناس الآخرين ونؤسس لها بأخلاق المحبة والتسامح.


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/