قولة فلسفية حول العدالة بين المساواة والإنصاف مفهوم الحق والعدالة

ProfSalmi مايو 06, 2024 مايو 06, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: " تختلف العدالة عن الإنصاف في كون العدالة تحكم حسب منطوق نص القانون وفي حين أن الإنصاف يحكم حسب روح القانون". قولة العدالة بين المساواة والإنصاف
-A A +A


منهجية تحليل قولة فلسفية العدالة بين المساواة والإنصاف

قولة فلسفية العدالة بين المساواة والإنصاف


" تختلف العدالة عن الإنصاف في كون العدالة تحكم حسب منطوق نص القانون وفي حين أن الإنصاف يحكم حسب روح القانون".

إشرح مضمون هذه القولة مبرزا إلى أي حد يمكن الفصل بين نص القانون وروحه.

امتحان العلوم الإنسانية - يونيو 2010


نموذج تطبيقي حول العدالة بين المساواة والإنصاف مجزوءة السياسة

مقدمة

عادة ما ينعت الإنصاف بالعدالة الحقيقية، لأنه يحكم بروح القانون وليس بنصه ويتعامل بشكل عادل مع الأفراد ويحاول أن يتفادى النقائص والمفارقات التي تظهر على العدالة عند تطبيق القانون على جميع الناس دون تمييز ودون مراعاة الظروف والوضعيات الخاصة ولذلك فهو يتدخل إما لإكمال القانون أو لإصلاحه أو لأنسنته، وهذا ما تحاول القولة - قيد الدرس والتحليل - إيضاحه، فهي تصب في نفس المجرى حيث تندرج في إطار مجزوءة السياسة، وتعالج إشكالية العدالة في علاقتها بالإنصاف وتثير مجموعة من الإشكاليات يمكن بسطها على الشكل التالي :

- هل ينبغي تطبيق العدالة بين الناس بالتساوي، بحيث يكون الناس أمام العدالة سواسية، أم يجب إنصاف كل واحد منهم بحسب تميزه عن الآخرين ؟ وبتعبير آخر ؛ إذا كانت العدالة تهدف إلى خلق المساواة في المجتمع، فهل بإمكانها إنصاف جميع أفراده ؟

- وإذا كنا كثيرا ما نسمع بأن هذا القاضي تعامل مع روح القانون وليس من نص القانون ولذلك أتى الحكم كذلك ولو تعامل مع نص القانون لاختلف الحكم فإلى أي حد يمكن الفصل بين الطرفين ؟


تقتضي الضرورة الميتودولوجية قبل الكشف عن الأطروحة المتضمنة في القولة الإحاطة أولا بالمفاهيم الموظفة فيها، هكذا يمكن أن نحدد مفاتيح فهم القولة في المفاهيم التالية : (العدالة - الإنصاف - روح القانون - نص القانون).

إن الإنصاف من أنصف الشيء أي أخذ نصفه وأنصف بين الخصمين أي سوى بينهما وعاملهما بالمثل. أما في العلوم القانونية فإن الإنصاف يقابل التقيد بنص القانون لأنه عدل طبيعي وليس عدلا شرعيا وهو أسمى من القانون الوضعي وأكثر مرونة منه ، ونص القانون يحيل على التعامل الحرفي مع النصوص التشريعية وفي مقابله ينتصب مفهوم روح القانون الذي ينسجم مع معنى العدالة التي هي شعور كامن في النفس يوحي به الضمير الإنساني المستنير ويكشف عنه العقل السليم والنظر الصائب ويهدف إلى تحقيق المساواة بين الحالات المتماثلة مع مراعاة ظروفها وملابساتها..

ولتوضيح ذلك نورد مثالا فالقاعدة الشرعية - تقضي بقطع يد السارق ولكن إذا سرق شخص بدافع الجوع والحرمان فلا تطبق عليه عقوبة السرقة وروح القانون لا يعني إباحة ما هو ممنوع ولكن يعني إعمال الشعور الإنساني والضمير والعقل السليم للأخذ بظروف كل حالة وملابساتها.

وإذا كنا قد أمطنا اللثام عن المفاهيم المكونة للقولة وبينا العلاقات القائمة بينها، يحق لنا الآن أن نتساءل : ماهي الأطروحة التي تحاول الدفاع عنها ؟ وما ركيزتها الحجاجية ؟

من الواضح أن القولة تنتصر لأطروحة مفادها أن الفرق الجوهري بين مفهومي العدالة والإنصاف هوا أن الأولى تطبيق للنص التشريعي تطبيقا حرفيا بحذافيره على وجه المساواة بين جميع الناس، بينما الإنصاف يحكم بروح القانون وليس بنصه فهو يهدف إلى تحقيق المساواة بين الحالات المتماثلة مع مراعاة ظروفها وملابساتها.


هكذا وتماشيا مع الأطروحة التي ينافح عنها صاحب القولة فقد عمد إلى توظيف أسلوب حجاجي قائم على فك الارتباط بين مفهومين عدهما بعض الفلاسفة متطابقين وهما : العدالة والإنصاف، ومن أجل هذا المسعى وظف مفهومين يبدوان متناقضين من جهة، ومن جهة أخرى يكمل بعضهما الآخر. (روح القانون - نص القانون). 

ومن جانب آخر يمكن دعم البنية الحجاجية الموظفة في القولة بحجج من الواقع المعيش فمثلا قد يطلب مهاجر بطريقة غير شرعية اللجوء السياسي ويستجيب له القاضي نظرا لحالته الإنسانية الحرجة وتعرضه إلى الاضطهاد في بلده الأصلي احتراما لمبدأ الإنصاف.

يمكننا الآن أن نتخذ مسافة من القولة ونتساءل : أين تكمن القيمة الفلسفية لها ؟


تتمظهر القيمة الفلسفية للأطروحة المركزية في القولة من خلال كونها تؤسس لموقف جديد في تاريخ الفلسفة ينتظم ضمن الصيحات السياسية التي عرفها عصر الأنوار. تلك الصيحات المطالبة بالعدالة وفصل السلط والحرية السياسية... وما واكب ذلك في مجال التنظير لفقه القانون.

يتبين وفق منطق القولة أن تحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب عدم المساواة بين الناس أمام القانون.


وهذا يؤكد أن الموقف المعبر عنه في القولة يتساوى مع رأي بعض الفلاسفة من أنصار التفاوت الذين يرون أن العدل يكمن في احترام التفاوت القائم بين الناس، وأيضا في إقامته بينهم، لأن الناس يختلفون بالولادة في قدراتهم العقلية والجسمية وليس من العدل أن نسوي بينهم بل العدل يكمن في التمييز بينهم وعلى هذا الأساس قام المجتمع اليوناني القديم حيث أن «أفلاطون» لم يكن يؤمن بالمفهوم الديموقراطي للعدالة. حيث أكد أفلاطون، بصريح العبارة، أن العبيد واهمون حينما يعتقدون في المساواة، لأن العدالة لايمكنها أن تكون كذلك أبدا لأن الناس خلقوا غير متساوين بطبعهم، حسب أسطورة المعادن. ومن ثمن، فإن العدالة تتجسّد عمليا في المجتمع إذا انصرف كل واحد إلى ما هو مؤهل له بطبعه. فيجب أن يكون التقسيم الطبقي للمجتمع، متطابقا مع تقسيم قوى النفس (القوة الشهوانية، القوة الغضبية، القوة العاقلة). والحكمة تقتضي أن تخضع القوتان الشهوانية والغضبية إلى القوة العاقلة، لتصل القوة الشهوانية إلى فضيلتها التي تتجلى في العفة والاعتدال ؛ وتسمو القوة الغضبية إلى فضيلتها التي تتمثل في الشجاعة.

كذلك الشأن بالنسبة لجون رولز فهو لا يرى غضاضة في اللامساواة، إذا كانت في مصلحة الأكثر حرمانا والأقل حظا من الناس، وإذا كانت أيضا حصيلة تكافؤ الفرص التي يتيحها النظام الليبرالي. أي أن تكون في مصلحة الأكثر حرمانا، وتكون نابعة من مبدأ تكافؤ الفرص في الوظائف وفي الوضعيات.

لكن إلى أي حد يصمد الرأي المعلن عنه في القولة أمام معول النقد المسلط عليه من لدن المواقف الأخرى ؟


على النقيض مما سبق ؛ يذهب البعض الآخر من الفلاسفة وهم أنصار المساواة إلى أن العدل يكمن في تحقيق المساواة بين الناس، ومن بينهم إميل تشارتير (ألان) الذي يعتبر أنه لا يمكن الحديث عن الحق إلا في إطار المساواة بين الناس.

فالقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية والحق لا يتجسد إلا داخل المساواة باعتبارها ذلك الفعل العادل الذي يعامل الناس بالتساوي بغض النظر عن التفاوتات القائمة بينهم. وهنا يتحدث ألان عن السعر العادل ويميزه عن سعر الفرصة ؛ بحيث أن الأول هو المعلن داخل السوق والذي يخضع له الجميع بالتساوي، بينما الثاني هو سعر يغيب فيه التكافؤ بين الطرفين ؛ كأن يكون أحدهما مخمورا والآخر واعيا أو يكون أحدهما عالما بقيمة المنتوج والآخر جاهلا بذلك.

هكذا فالمساواة لن تتحقق حسب ألان إلا إذا عرض الباعة لكل الناس نفس السلع وبثمن موحد. ومعنى ذلك أن العدالة لن تتحقق إلا كانت القوانين الجاري بها العمل تعامل الناس بالمساواة التي هي أساس إحقاق الحق. وفي هذا الإطار يقول ألان : «لقد ابتكر الحق ضد اللامساواة والقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية».

خاتمة

كتخريج عام يتضح من خلال تحليل ومناقشة القولة المنطلق أننا أمام أطروحتين متقابلتين فإذا كان الموقف المعلن عنه في القولة مؤازرا برأي أفلاطون وراولز يرى أن العدل يكمن في احترام التفاوت القائم بين الناس، وأيضا في إقامته بينهم، فإن ألان يعارضهم الرأي فحقيقة العدالة بهذا المعنى أقرب إلى المساواة منه إلى التفاوت ولكن لا يمكن اعتبار كل مساواة عدل ولا يمكن أن نسوي بين الناس في كل شيء لأن المساواة المطلقة فيها ظلم لبعض الناس، العدل يكمن في تحقيق المساواة مع احترام التفاوت الطبيعي.


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/