المحور الأول : الحق بين الطبيعي والوضعي مجزوءة السياسة مفهوم الحق والعدالة

ملخص الحق بين الطبيعي والوضعي مفهوم الحق والعدالة الثانية باك

مقدمة

اذا كانت نظرية الحق الطبيعي تؤكد على وجود حقوق أساسية محابة لطبيعة الانسان مثل الحياة والحرية والمساواة، وبالرغم من الاختلاف بين منظري الحق الطبيعي في فهم الطبيعة الانسانية وعن حالة طبيعية، فان هذا الاختلاف سيتلاشى لأن نظريات الحق الطبيعي ستتحول في النهاية الى نظرية العقد الاجتماعي فاذا كانت الطبيعة تعطي للحق مصدريته ومشروعيته فان التعاقد هو الذي يضمن استمراريته.

فما اساس الحق ؟ هل يتأسس على ما هو طبيعي أم ما هو وضعي ؟ ما الفرق بين الحق الطبيعي والحق الوضعي ؟ ألا يمكن اعتبار أن الحق الوضعي نفي للحق الطبيعي ؟

مواقف وتصورات الفلاسفة لمحور الحق بين الطبيعي والوضعي

موقف توماس هوبز (1588 - 1679)

أساس الحق طبيعي.

يرى توماس هوبز أن حالة الطبيعة هي حالة حرب الكل ضد الكل، بسبب طبيعة الإنسان العدوانية والشريرة، حيث يسعى كل الأفراد للحفاظ على حياتهم وقتل الآخرين، لكنهم في الآن ذاته، يخافون على أنفسهم من الموت، مما يضطرهم للدخول في عقد اجتماعي يتنازلون بموجبه عن كل ما يملكون من قوة وحقوق طبيعية لحاكم قوي مستبد يضمن لهم السلم والأمان مقابل طاعتة والخضوع المطلق لإرادته. فأصل الحق، حسب هوبز، طبيعي يستمد أساسه من القوة.

موقف باروخ سبينوزا (1632 - 1677)

أساس الحق طبيعي.

 يرى اسبينوزا أن الإنسان في حالة الطبيعة يعيش تحت وطأة الصراع من أجل البقاء، حيث ينعدم الأمن والسلم فكل فرد يتمتع بحرية مطلقة تخول له استعمال كل قوته البيولوجية لحفظ بقائه وإشباع رغباته وشهواته ولو كان ذلك على حساب الآخر الذي لا يقوى على المواجهة والدفاع عن نفسه، وفي ظل هذا الوضع غير الأمن كان لزاما على الأفراد أن يؤسسوا لمجتمع سياسي يسهر على حفظ بقائهم وحماية مصالحهم بناء على تعاقد عقلي وإرادي. فأساس الحق طبيعي يستمد أساسه من القوة.

موقف هانز کیلسین (1881 - 1973)

إن النزعة الوضعية ترفض تأسيس الحق على أية اعتبارات ميتافيزيقية أو طبيعية. وهكذا يرى كيلسين أنه لا وجود لحق غير الحق الوضعي الفعلي الذي يتحدد انطلاقا من إعتبارات واقعية، وهو تجسيد لموازين القوى المتصارعة على أرض الواقع، ولعل ذلك ما يضفي على مفهوم الحق طابع النسبية والتغيير، ويجعل من غير الممكن الحديث عن حق خارج إطار القوانين المتجسدة في المؤسسات القضائية والتنفيدية التي تفرضه في الواقع. ثم إن اختلاف المرجعيات والخلفيات الثقافية ينعكس على تصور الناس لمفهوم الحق واختلاف تقديراتهم لقيمته.

جان جاك روسو (1712 - 1778)

اساس الحق عقلي وضعي.

ينتقد فكرة الحق الطبيعي الذي يقوم على القوة، ويرى أنه لا وجود لحق غير الحق الوضعي التعاقدي، فالحق هو تلك القوانين التي اتفق عليها الناس وفق عقد اجتماعي ثم بموجبه تنازل الأفراد عن قسط من حقوقهم الطبيعية لفائدة سلطة عليا تسن قوانين لتنظيم العلاقات بين الناس وتوحد بين الحقوق والواجبات ، والحق باعتباره مجموعة من القوانين مصدره المواطنين من خلال التعاقد. باعتبارها قوانين عادلة تجد نوعا من القبول والرضي والاستجابة الفورية من طرف الناس نظرا لطبيعتهم الخيرة.

أمثلة من الواقع الحق بين الطبيعي والوضعي 

أمثلة لموقف توماس هوبز

- يمكن رؤية نظرية هوبز في المجتمعات التي شهدت انهيار الدولة وتحولها إلى حالة فوضى مثل الحروب الأهلية في الصومال في التسعينيات. في هذه الحالة، غابت السلطة المركزية وبرزت حالة من الحرب "الكل ضد الكل"، مما دفع بعض الجماعات إلى التحالف مع قوى محلية قوية (أمراء الحرب) لضمان أمنهم، مشكّلين نوعاً من العقد الاجتماعي على المستوى المحلي.

- الحرب الأهلية الإنجليزية (1642-1651) تعد مثالا واضحا لحالة الطبيعة التي وصفها هوبز، حيث سادت الفوضى والعنف بين الفصائل المتناحرة، مما أدى إلى تدمير هائل وفقدان الأرواح. دفع هذا الوضع في النهاية إلى تأسيس نظام ملكي استبدادي بقيادة أوليفر كرومويل، والذي فرض الأمن والنظام بالقوة، مُجسّدًا فكرة هوبز عن الحاكم المستبد الذي يحافظ على السلم مقابل التنازل عن الحقوق.

أمثلة لموقف باروخ سبينوزا

- يمكن تطبيق نظرية سبينوزا على المجتمعات التي تطورت من حالة من الصراع والفوضى إلى نظام سياسي أكثر استقرارا. مثال على ذلك هو التحول السياسي في جنوب إفريقيا بعد نهاية نظام الفصل العنصري. كان هناك صراع كبير وغياب للأمن، لكن مع إنشاء دستور جديد وبناء دولة ديمقراطية، تم التوصل إلى عقد اجتماعي يهدف لحماية حقوق الجميع وحفظ الأمن.

- الثورة الفرنسية (1789 - 1799) تمثل ثورة شعبية ضد النظام الملكي الاستبدادي، ساعية إلى إرساء مجتمع قائم على الحرية والمساواة. تعكس هذه الثورة أفكار سبينوزا حول ضرورة التخلص من حالة الطبيعة الفوضوية من خلال عقد اجتماعي يضمن حقوق الأفراد وينظم علاقاتهم.

أمثلة لموقف هانز كيلسن

- يمكن رؤية أفكار كيلسن في الطريقة التي تُدار بها الدول الحديثة التي تعتمد على قوانين وضعية بحتة، مثل النظام القضائي في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. تم إنشاء النظام القانوني الجديد بناء على أسس قانونية واقعية بعيدة عن الميتافيزيقا، مما أدى إلى بناء دولة قانونية قوية تعتمد على المؤسسات القضائية والتنفيذية لضمان تطبيق القوانين.

- الاتحاد الأوروبي يعتمد بشكل كبير على قوانين وضعية ومؤسسات منظمة تعمل على تطبيق هذه القوانين. يعتبر هذا تجسيدًا لنظرية كيلسن حيث يتم تأسيس الحقوق والواجبات على اعتبارات واقعية ووضعية بعيدة عن أي ميتافيزيقا.

مؤسسات مثل محكمة العدل الأوروبية تلعب دورًا حاسمًا في تفسير وتطبيق القوانين الأوروبية، مما يعكس أهمية المؤسسات القضائية والتنفيذية في تأمين الحقوق.

أمثلة من الواقع لموقف جان جاك روسو

- يمكن تطبيق نظرية روسو على الديمقراطيات الحديثة حيث تتشكل القوانين بناء على العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة. على سبيل المثال، الدستور الأمريكي يمثل عقدا اجتماعيًا حيث تنازل الأفراد عن بعض حقوقهم الطبيعية من أجل حكومة تضمن حقوقهم الأساسية وتعمل بموجب قوانين يتفق عليها الجميع، مما يعكس طبيعة الناس الخيرة كما يعتقد روسو.

- بعد حصول الهند على استقلالها من الاستعمار البريطاني في عام 1947، كان هناك حاجة ملحة لتأسيس نظام سياسي جديد قائم على توافق المجتمع الهندي متعدد الثقافات والأديان واللغات. تمت صياغة دستور جديد، وهو بمثابة عقد اجتماعي جديد بين المواطنين والدولة، يعكس أفكار روسو حول الحق الوضعي التعاقدي.

مصطلحات وتعاريف

حق طبيعي: مجموع الحقوق ذات أصل طبيعي في الانسان كالحق في الحرية،الحياة ...

حق وضعي: مجموع القوانين التي ثم تشريعها من طرف الانسان لتنظيم حياة الناس داخل المجتمع.

تركیب للمحور

خلاصة القول إن ما يمكن استخلاصه مما سبق أن حالة الطبيعة ليست فرضية علمية، الغاية من ورائها تحديد مراحل تاريخ البشرية إنها فرضية متخيلة ذات طابع سياسي، سعى من خلالها فلاسفة الأنوار إما إلى تكريس الوضع السياسي القائم في أيامهم أو تغييره والدعوة إلى التمرد عليه. فإذا كان هوبز اعتبر أن الحق في حالة الطبيعة يقوم على القوة، فإن روسو وكيلسين قد ربطاه بالقانون الوضعي.