المحور الثاني : العدالة كأساس للحق مجزوءة السياسة مفهوم الحق والعدالة

ProfSalmi مايو 17, 2024 مايو 17, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: العدالة تتجسد في إعطاء كل ذي حق حقه، فهي وحدها الضامنة لحق الناس في الحفاظ على حياتهم وحماية مصالحهم والتمتع بحرياتهم طبقا للقوانين المتعاقد عليها
-A A +A

 

ملخص العدالة كأساس للحق مفهوم الحق والعدالة مجزوءة السياسة

العدالة كأساس للحق الثانية باك


مقدمة

شكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان رابطاً حقوقياً مشتركاً بين الأمم والشعوب بتعدد وتنوع ثقافاتها ودياناتها وأعراقها قائماً على الإيمان بقيمة الإنسان. لتنتقل بذلك القضايا الحقوقية من طور المبادئ الأخلاقية والنظريات الفلسفية والإيديولوجيات السياسية والتعاليم الدينية إلى طور القيم المصونة بالتشريع القانوني والأخلاقي في ما بين الأمم.

لكن ألا يمكن أن نعتبر أن الحق يسمو على قوانين العدالة وتشريعاتها القضائية، وأن هذه الأخيرة قد تكون جائرة وهاضمة للحقوق المشروعة للأفراد ؟ بمعنى هل يمكن أن تكون العدالة أساسا للحق ؟ وهل هناك وجود للحق خارج إطار القوانين التشريعية والقضائية الممثلة للعدالة ؟


مواقف الفلاسفة لمحور العدالة كأساس للحق

موقف فون هايك (1899 - 1992)

العدالة هي أساس الحق.

إن الحق لايستمد قوته إلا من القوانين التي تجسده وتعبر عنه، في هذا السياق سيتم النظر إلى العدالة باعتبارها تجسيدا للحق وتحقيقا له، فلا وجود للحق خارج عدالة القوانين التي تؤسس الدولة، إن العدالة من المنظور الليبيرالي الحديث ترتبط بالقانون والشرعية، فالسلوك العادل هو سلوك يكفل الحق في منظومة قانونية شرعية في إطار مجتمع تسوده الحرية، إن العدالة لا معنى لها حين تغيب إرادة الإختيار، ومن تم فإن السلوكات العفوية مع فون هايك لا يمكن وصفها بالعادلة ولا بالجائرة، « فالوضعيات العادلة او الجائرة هي تلك التي تترتب عن إرادة الفرد واختياره ».


موقف شيشرون

أساس الحق هو الطبيعة الخيرة.

يرى شيشرون أن الحق لا يتأسس على القوانين المكتوبة التي تشرعها المؤسسات، والتي قد تكون قوانين ظالمة تخدم مصالح واضعيها فقط، بل الحق الوحيد فعلا هو ذلك الذي يتأسس على ما يمليه العقل وتقتضيه الطبيعة الخيرة للإنسان سواء كان مكتوبا أم لا، فكل الفضائل كالكرم وحب الوطن والرغبة في خدمة الغير وليدة ميلنا لحب الناس، الذي هو أساس الحق. فالحق المؤسس على العقل والطبيعة الخيرة وحده من يحقق العدالة الاجتماعية.


موقف باروخ اسبينوزا (1632 - 1677)

العدالة هي أساس الحق.

يرى اسبينوزا أن العدالة تتجسد في إعطاء كل ذي حق حقه، فهي وحدها الضامنة لحق الناس في الحفاظ على حياتهم وحماية مصالحهم والتمتع بحرياتهم طبقا للقوانين المتعاقد عليها، فلا وجود لحق خارج عدالة قوانين الدولة وتشريعاتها. والأفراد ملزمون بقوة القانون على عدم إلحاق الضرر ببعضهم البعض، ومن واجب القضاة الضرب على يد كل من ينتهك القانون ويرفض أوامر الحاكم مع الحرص على الحكم بالعدل بين الأفراد دون اعتبار وضعهم الاجتماعي.


موقف أرسطو (384 ق.م - 322 ق.م)

يعرف العدالة من خلال نقيضها، ونقيض العدل هو الظلم، فالظلم هو من يتصرف متعديا حدود القانون، ويأخذ أكثر من حقه ولو على حساب الغير، والمنافي للمساواة. والظلم قد يكون إما في الإفراط أو التفريط.


أمثلة من الواقع لمواقف الفلاسفة

أمثلة لموقف فون هايك 

1. في قضية "براون ضد مجلس التعليم" عام 1954، اعتبرت المحكمة العليا الأمريكية أن الفصل العنصري في المدارس العامة ينتهك بند المساواة في حماية القانون من التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي.و وفقًا لفون هايك، فإن العدالة في هذه الحالة تتطلب قوانين تُجسد المساواة وتمنع التمييز. اعتبرت المحكمة أن قوانين الفصل العنصري ظالمة لأنها تنتهك حقوق الأفراد في المساواة أمام القانون.

2. يمكننا النظر إلى النظام القضائي الأمريكي كنموذج يعبر عن موقف فون هايك. في الولايات المتحدة، تُعتبر العدالة تجسيدًا للحقوق من خلال نظام قانوني يعتمد على مبادئ الحرية الفردية وحكم القانون. فالقرارات القضائية تستند إلى القوانين المكتوبة والمبنية على الدستور، مما يضمن أن الحقوق الفردية محمية من التدخل التعسفي. مثال آخر هو القوانين التي تحمي حقوق الملكية الخاصة، حيث تعبر العدالة عن الحق من خلال حماية ممتلكات الأفراد في إطار نظام قانوني شرعي.


مثال لموقف شيشرون

أحد الأمثلة الحديثة على هذا الموقف يمكن أن يكون حركة حقوق الإنسان العالمية. الحركات التي تدعو لاحترام الكرامة الإنسانية بغض النظر عن التشريعات المحلية تعبر عن موقف شيشرون. فعلى سبيل المثال، المنظمات مثل منظمة العفو الدولية تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان بناءً على المبادئ الأخلاقية والعقلانية التي تتجاوز القوانين الوطنية، مثل مناهضة التعذيب أو ضمان حقوق اللاجئين.


أمثلة لموقف باروخ اسبينوزا

1. يمكن رؤية هذا الموقف في الأنظمة القانونية للدول الديمقراطية الحديثة، حيث يتم صياغة القوانين من خلال برلمانات منتخبة تعبر عن إرادة الشعب. مثال جيد هو النظام القانوني في الاتحاد الأوروبي، حيث تتبع الدول الأعضاء قوانين الاتحاد التي تهدف إلى حماية حقوق الأفراد وضمان العدالة بين الدول الأعضاء، مثل قوانين حماية المستهلك وقوانين العمل التي تضمن حقوق العاملين.

2. نظام الضمان الاجتماعي الذي توفره العديد من الدول، والذي يهدف إلى توفير شبكة أمان للمواطنين في حال فقدانهم لوظائفهم أو تعرضهم لمرض أو إعاقة. يؤكد اسبينوزا على دور العدالة في ضمان حقوق الأفراد في الحفاظ على حياتهم وحماية مصالحهم. يُعد نظام الضمان الاجتماعي مثالاً على تجسيد هذا المبدأ من خلال ضمان حصول الأفراد على احتياجاتهم الأساسية حتى في أوقات الشدة.


أمثلة لموقف أرسطو

1. لنفكر في أمثلة من مكافحة الفساد. مكافحة الفساد تعد تجسيدًا لموقف أرسطو، حيث يتم العمل على محاربة الظلم المتمثل في تجاوز الحدود القانونية لتحقيق مكاسب شخصية. مثال واقعي هو جهود الحكومات والمنظمات غير الحكومية لمكافحة الفساد في الأنظمة الحكومية، مثل الحملات التي تقودها منظمة الشفافية الدولية لمراقبة الفساد وكشف حالات الاستغلال للسلطة، مما يحقق العدالة من خلال القضاء على الظلم وعدم المساواة.

2. محاكمات نورمبرغ التي عقدت بعد الحرب العالمية الثانية لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين. ووفقًا لأرسطو، فإن العدالة تتطلب المساواة ومعاقبة الظالمين. تُمثل محاكمات نورمبرغ تطبيقا لهذا المبدأ من خلال مساءلة المسؤولين عن جرائم الحرب ومحاكمتهم.



خلاصة تركيبية

نخلص مما سبق أن العدالة تجسيد لفكرة الحق والالتزام به كقيمة أخلاقية، لكن لا يمكن أن نعتبر أن الحق يسمو على قوانين العدالة وتشريعاتها القضائية لأن هذه القوانين قد تكون جائرة وهاضمة للحقوق المشروعة للأفراد. لذلك، يجب البحث عن أساس آخر للحق غير العدالة وقوانينها.


مصطلحات ومفاهيم المحور

حق (droit) : مجموع القوانين التي يتم من خلالها تحديد ما للفرد، وما عليه أي حقوقه وواجباته.

عدالة (justice) : تلك الغاية التي يسعى إليها كل فرد من خلال تطبيقه للقانون أو بعبارة أخرى هي إعطاء كل فرد ما يستحقه من خلال الإنصاف والمساواة.


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/