المحور الثالث : العدالة بين المساواة والإنصاف مجزوءة السياسة مفهوم الحق والعدالة

ProfSalmi مايو 18, 2024 مايو 18, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: العدالة تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات واللامساواة في السلطة والثروة. فالعدالة إعطاء لكل فرد في المجتمع حق الاستفادة بالتساوي من حقوقه الأساسية
-A A +A


ملخص العدالة بين الانصاف والمساواة مفهوم الحق والعدالة مجزوءة السياسة



مقدمة

إن الإنصاف هو الشعور التلقائي الصادق بما هو عدل أو جور أي رد الحق للحق وإقامة العدل للعدالة وذلك بأن يكون لكل واحد ما له، ويطلق على ما يعتاده الإنسان من التوفيق بين سلوكه وشعوره بالعدل فكل من جعل سلوكه مطابقا للمثل الأعلى للعدل كان منصفا ولذلك أنصف الشيء أي أخذ نصفه وأنصف بين الخصمين أي سوى بينهما وعاملهما بالمثل.

أما في العلوم القانونية فان الإنصاف يقابل التقيد بنص القانون لأنه عدل طبيعي وليس عدلا شرعيا وهو أسمى من القانون الوضعي وأكثر مرونة منه وفي ذلك قال كوندياك : الفرق بين الإنصاف والعدل أن الإنصاف يوجب الحكم على الأشياء بحسب روح القانون في حين أن العدل يوجب الحكم عليها بحسب نص القانون.

فهل ينبغي تطبيق العدالة بين الناس بالتساوي، بحيث يكون الناس أمام العدالة سواسية، أم يجب إنصاف كل واحد منهم بحسب تميزه عن الآخرين ؟ وبتعبير آخر؛ إذا كانت العدالة تهدف إلى خلق المساواة في المجتمع، فهل بإمكانها إنصاف جميع أفراده ؟


مواقف الفلاسفة لمحور العدالة بين المساواة والإنصاف

موقف جون روك (1825 - 1866)

يؤكد أن العدالة تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات واللامساواة في السلطة والثروة. فالعدالة إعطاء لكل فرد في المجتمع حق الاستفادة بالتساوي من حقوقه الأساسية وواجباته. لكن مع فتح المجال للمتفوقين للإعلاء من شأنهم. أي أن اللامساواة مقبولة عقليا على أرضية تكافؤ الفرص التي تسمح للأفراد بلوغ مراتب عليا على أن تسمح للذين أقل منهم من بلوغ نفس المراتب. هكذا فالعدالة تقوم على تكريس المساواة ( تكافؤ الفرص) وتأكيد التمايزات (إتاحة الفرصة للأفضل) أي الإنصاف.


موقف إميل تشارتير (ألان) (1868 - 1951)

العدالة تسعى لتحقيق المساواة.

بخلاف التصور السابق يرى ألان أنه لا يمكن الحديث عن الحق إلا في إطار المساواة بين الناس، فالقوانين العادلة هي التي يكون الناس أمامها سواسية. إن الحق لا يتجسد إلا داخل المساواة باعتبارها ذلك الفعل العادل الذي يعامل الناس بالتساوي بغض النظر عن التفاوتات القائمة بينهم، ويضرب لذلك مثالا بالسعر العادل وسعر الفرصة، فالسعر العادل هو المعلن داخل السوق ويتساوى أمامه الجميع بينما الثاني هو سعر يغيب فيه التكافؤ بين الطرفين، ولذلك فالعدالة الحقيقية هي التي تضمن المساواة أمام الجميع « أما أولئك الذين يقولون إن اللامساواة من طبيعة الأشياء فهم يقولون قولا بئيسا ».


موقف ماکس شیلر (1874 - 1928)

العدالة تسعى لتحقيق الانصاف.

لم تعد العدالة صفة من صفات النفس كما حددها أفلاطون بل أضحت قضية مدني تعبر عن استعداد الفرد للقيام بأفعال من أجل مواطني المدينة، والعدالة عند تطبيقها قد تلحقها أخطاء ناتجة عن عموميتها، ولذلك فإن الإنصاف وحده يصلح قوانين العدالة ويجعلها تستقيم إن المساواة بمعناها المطلق قد تكون سلوكا جائرا حسب شيلر، ولذلك يتحدث عن التمايز الإيجابي. إذ العدالة المنصفة هي التي تراعي اختلاف الناس وتمايز طبائعهم وقدراتهم واستعداداتهم ومؤهلاتهم. إن الناس يتمايزون ويختلفون فيما بينهم ومن تم سيكون من الجور الإقرار بتساويهم وعدم اعتبار تلك الفروق الفردية، فالعدالة إذن تقتضي الإنصاف مع ما يعنيه ذلك من إقرار بالتفاوت.


موقف جون راولز (1921 - 2002)

العدالة مساواة منصفة.

يؤكد جون راولز على فكرة العدالة كإنصاف، حيث يتمتع أفراد المجتمع بالمساواة في الحقوق والواجبات الأساسية واللامساواة الاجتماعية والاقتصادية مثل اللامساواة في الثروة والسلطة، فمن يملكون مؤهلات وقدرات تؤهلهم لبلوغ مراتب عليا لا يمكن أن يتم مساواتهم بأولئك الذين هم أقل حضا منهم، إلا أن راولز يرى ضرورة توزيع الامتيازات واقتسامها بنوع من التعاون الإرادي بين كل أفراد المجتمع، بمن فيهم أولئك الذين هم أقل حضا، فبدون هذا التعاون لن يستفيد أحد من الرخاء.


أمثلة من الواقع لمواقف الفلاسفة 

مثال لموقف جون روك 

في العديد من الدول، يحصل جميع الطلاب على فرصة متساوية للوصول إلى التعليم العالي من خلال نظام القبول الجامعي الذي يعتمد على الأداء الأكاديمي والامتحانات الوطنية. بينما هذا النظام يوفر تكافؤ الفرص للجميع، إلا أن بعض الطلاب يتميزون ويتفوقون ويحصلون على منح دراسية وجوائز تقديرية ووظائف مرموقة. هنا نجد تطبيقاً لمفهوم جون روك، حيث تُمنح المساواة في الحقوق (الحق في التعليم)، وتُقبل اللامساواة في المكافآت والامتيازات بناءً على الأداء والتميز.


مثال لموقف إميل تشارتير (ألان) 

النظام القانوني في كثير من الدول الديمقراطية يسعى لتحقيق المساواة بين جميع الأفراد أمام القانون. على سبيل المثال، القوانين المدنية والجنائية تطبق بالتساوي على جميع المواطنين بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية. هنا نجد أن العدالة تُحقق من خلال ضمان أن جميع الأفراد يتساوون أمام القانون، وهو ما يدعمه إميل تشارتير (ألان).


مثال لموقف ماکس شیلر

في سياسات العمل الحديثة، هناك توجه نحو تحقيق الإنصاف من خلال الاعتراف بالفروقات الفردية بين الموظفين. على سبيل المثال، بعض الشركات تعتمد سياسات تنوع وشمولية تراعي اختلافات القدرات والخلفيات الثقافية، وتقدم برامج تدريبية خاصة لدعم الموظفين الجدد أو الأقل خبرة ليصلوا إلى مستويات أداء أعلى. هذه السياسات تعكس فكرة ماكس شيلر بأن العدالة تتطلب مراعاة التمايزات بين الأفراد لتحقيق الإنصاف.


مثال لموقف جون راولز 

نظام الضمان الاجتماعي في العديد من الدول يسعى لتوزيع الثروة بشكل أكثر إنصافًا بين أفراد المجتمع. على سبيل المثال، الضرائب التصاعدية تفرض نسبة أعلى من الضرائب على ذوي الدخل المرتفع بينما يتم استخدام هذه الإيرادات لتقديم خدمات اجتماعية ورعاية صحية ودعم مادي للطبقات الأقل حظًا. هذا النظام يهدف إلى تحقيق العدالة كإنصاف من خلال توزيع الامتيازات بشكل يعزز التعاون والتكافل بين جميع أفراد المجتمع، وهو ما يتفق مع فلسفة جون راولز.



ترکیب

يتبين لنا مما سبق أن المساواة ليست دائما تجسيدا للعدالة، إن المساواة قد تتحول إلى ظلم في حق بعض الفئات كالمرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة . لذا ينبغي تبني مفهوم التمييز الإيجابي بين الأفراد لتحقيق العدالة الاجتماعية على أرض الواقع.


مصطلحات ومفاهيم المحور

مساواة (égalité) : هو أن تجعل جميع الناس متساوون في الحقوق الأساسية دون تمييز أو تفريق بينهم أمام القانون.

إنصاف (équité): هو أن تحكم بين الناس بالعدل من خلال مراعاة مؤهلاتهم وقدراتهم واحترام روح القوانين وليس التطبيق الحرفي لنصوصها.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/