نموذج نص فلسفي يعالج محورين اثنتين مفهوم النظرية والتجربة مجزوءة المعرفة

ProfSalmi أبريل 24, 2024 أبريل 24, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: من خلال المفاهيم المتضمنة في النص ( الخيال، النظرية، التجربة)، يتضح أنه يتأطر داخل مجزوءة المعرفة وتحديدا ضمن مفهوم النظرية والتجربة، إذ يسلط الضوء
-A A +A


تحليل نص فلسفي مفهوم النظرية والتجربة مجزوءة المعرفة

" إن النظرية غالبا ما تظهر في البداية كنوع من الخيال، ذلك الخيال الذي يأتي للعالم على شكل إلهام قبل أن يتمكن من اكتشاف قواعد المطابقة التي تساعده على إثبات نظريته. وعندما قال ديموقريطس (x) إن كل شيء يتكون من ذرات، لم يكن لديه بالتأكيد أدنى دليل تجريبي على صحة نظريته، ومع ذلك كانت لديه عبقرية فذة، وفراسة عظيمة، ذلك لأنه بعد مضي أكثر من ألفي سنة أمكن إثبات ما تخيله. ولهذا السبب لا ينبغي أن نتهور ونعارض أي خيال توقعي لنظرية ما بشرط أن يكون في الإمكان اختباره في زمن مستقبلي ما. والواقع أننا نقف على أرض صلبة، ولكن إذا كنا نتوخى الحذر حقيقة، فلا يمكن أن تدعي الفرضية أنها علمية إلا إذا كانت هناك إمكانية لاختبارها، وليس المطلوب إثباتها حتى تصبح فرضية، وإنما المطلوب أن تكون ثمة قواعد مطابقة تسمح، ولو مبدئيا، بأن تكون لدينا وسائل لإثبات أو عدم إثبات نظرية ما. "

(x) ديموقريطس فيلسوف يوناني (460 - 370 قبل الميلاد).

حلل النص وناقشه.



تحليل مقترح لنص حول حدود النظرية العلمية ومعيار

مقدمة

من خلال المفاهيم المتضمنة في النص ( الخيال، النظرية، التجربة)، يتضح أنه يتأطر داخل مجزوءة المعرفة وتحديدا ضمن مفهوم النظرية والتجربة، إذ يسلط الضوء على موضوع حدود النظرية العلمية ومعيار التأكد من صدقها وصلاحيتها، ويقصد بالنظرية نسق من المبادئ والقوانين التي تنظم ملاحظة الباحث لظاهرة ما، قصد بناء معرفة حولها. أما التجربة فتشير إلى مجموع الخبرات والمعارف التي يكونها الإنسان في علاقته المباشرة بالواقع، أما في المجال العلمي فتحيل على التجريب، ويقصد به إعادة إحداث ظاهرة ما، ضمن شروط وظروف يصطنعها العالم للتأكد من صدق فرضية ما. الشيء الذي يضعنا أمام مجموعة من الإشكالات من قبيل: 

ما هي شروط التجريب العلمي وحدوده؟ وإلى أي حد يمكن القول إن الخيال شرط لبناء النظرية العلمية؟ وما معيار التأكد من صدق النظرية العلمية وصلاحيتها؟


التحليل

جوابا عن الإشكالات أعلاه، يقدم النص أطروحة مركزية يؤكد من خلالها على أن للخيال دور كبير في بناء النظرية العلمية، التي غالبا ما يتم اختبارها لتحديد مدى صدقها وصلاحيتها. حيث يستهل صاحب النص نصه، بالتأكيد على أن النظرية العلمية تكون في بدايتها الأولى، عبارة عن خيال يأتي للعالم على شكل إلهام، فالخيال لعب دورا كبيرا في تأسيس كثير من النظريات العلمية دون حاجة إلى التجربة المخبرية، التي لم يتم الاستعانة بها إلى في زمن ليس بالبعيد، فديمقريطس مثلا، حين قال بنظريته حول الذرة لم يكن له أدنى دليل تجريبي على صحة نظريته، إلا أن العلماء مئات السنين بعد ذلك، أثبتوا مخبريا صحة نظريته، وهي النظرية التي تم تأسيسها في مختبر خيالي قبل أن يتم التأكد منها علميا داخل مختبر واقعي، فلا ينبغي أن نتهور ونعارض أي خيال توقعي لنظرية ما، بشرط أن يكون في الإمكان اختباره في زمن مستقبلي ما. ولا يمكن اعتبار نظرية علمية ما إلا إذا كانت قابلة للاختبار، وإن كانت هذه القابلية لا تؤدي بالضرورة إلى إثبات النظرية أو نفيها. 

لقد استثمر صاحب النص، لبناء أطروحته، جملة من المفاهيم الفلسفية أهمها النظرية، وهي إنشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ، وتشير في المجال العلمي إلى مجموع الأطروحات والقوانين التي تؤسس نسقا متكاملا في مجال معين كالفيزياء مثلا. أما لفظ الخيال، فيعني القدرة على تكوين صور ذهنية لأشياء غابت عن الحس، أي إنشاء صور ذهنية انطلاقا من مدركات حسية سابقة (خيال استرجاعي) أو تمثل علاقات جديدة بين الأشياء والوقائع (خيال إبداعي). ويقصد بالفرضية، استنتاج أولي ومؤقت يضعه الباحث لتفسير ظاهرة ما، والفرضية العلمية غالبا ما تكون قابلة للاختبار والتجريب وتتأسس بناء على ملاحظات حدسية أولية أو نظريات علمية سابقة. 

ولدعم أطروحته وظف صاحب النص مجموعة من الأساليب الحجاجية أهمها: أسلوب حجة السلطة، حيث استشهد بقول ديمقريطس حول الأصل الذري للأشياء، وكذا أسلوب الاستنتاج، حيث خلص صاحب النص، إلى أهمية الخيال في بناء النظرية العلمية، كما اعتمد على بعض الروابط المنطقية أبرزها: التأكيد "إنه، أن" الاستثناء "إلا" الاستدراك "ولكن" النفي "لا، ليس" يتضح من خلال ما سبق أن أطروحة النص تؤكد على دور الخيال في بناء النظرية العلمية، وهي الأطروحة التي نجد لها حضورا قويا لدى الفيلسوف روني طوم الذي يؤكد على أهمية الخيال في بناء المنهج التجريبي، فالتجريب وحده عاجز عن تفسير الظواهر الطبيعية واكتشاف الأسباب المتحكمة فيها. ولا يمكن له أن يكون علميا إن هو استغنى عن التفكير والخيال، فالتجربة العلمية، لا تنحصر في نطاق ما هو واقعي ملموس فقط، بل تتفتح على ما هو خيالي افتراضي، فكثير من النظريات العلمية، الفيزيائية والرياضية، ما كان لها أن تتأسس لولا الاستعانة بالعمليات الذهنية في ظل غياب عتاد مخبري، فمهما بلغت قوة التجربة لا يمكن الاستغناء عن التفكير والخيال. أفلا يمكن الحديث كذلك على أن النظرية العلمية لا يمكن أن تتأسس إلا باعتماد منهج علمي يتخذ من الملاحظة والفرضية والتجربة مرتكزا له؟


المناقشة

لمقاربة هذا الإشكال نستحضر تصور كلود برنار الذي يبرز خطوات المنهج التجريبي القائم على الملاحظة الحدسية للظاهرة الطبيعية المراد دراستها، كمرحلة أولى، والفرضية كمرحلة ثانية يقوم أثناءها العالم بوضع افتراضات وتساؤلات قبلية، ثم تأتي مرحلة التجربة التي يتحقق خلالها العالم من افتراضاته بإخضاع الظاهرة المدروسة للتجريب المخبري، ليصل إلى استنتاج قانون عام يمكن أن يطبق على نطاق واسع، فصياغة نظرية علمية لا بد أن يمر من مرحلة الملاحظة، والافتراض والتجربة، ثم استنتاج قانون عام. 

أما معيار اختبارها فيتوزع بين العقل والتجربة، حيث يرى أنشتاين أن العقل وحده كاف في التحقق من صدق النظريات التي يستعصي عرضها على الاختبار التجريبي، فالتماسك المنطقي والترابط الداخلي لنظرية ما هو المعيار الأساسي لإبراز صدقها وسلامتها ذلك أنه للتأكد من صحة نظرية علمية ما وجب النظر إلى البنية الداخلية لهذه النظرية من أجل إبراز الترابط والانسجام الموجود بين المقدمات والنتائج وبذلك يمكن التسليم بسلامة النظرية وصدقها. 

وخلافا له يرى بيير دوهيم أن تطابق النظرية الفيزيائية مع الواقع عند إخضاعها للتجربة هو المعيار الوحيد للتأكد من صحتها، فالحسم في صحة وصلاحية النظرية العلمية يقتضي إخضاعها للتجربة، فإن هي توافقت مع القوانين التجريبية تكون النظرية قد أصابت هدفها وأثبتت صلاحيتها، وإن لم تتوافق معها وجب تعديلها أو رفضها. فالحسم في صحة وصلاحية النظرية العلمية يقتضي إخضاعها للتجربة وحدها وليس للفروض العقلية أو الاستنتاجات الرياضية.


خاتمة

من خلال ما سبق نخلص إلى أن إشكالية النظرية العلمية بين الحدود والمعيار، أفرزت مجموعة من المواقف المتعارضة، حيث أكد صاحب النص وروني طوم على دور الخيال في بناء النظرية العلمية، في حين اتخذ كلود برنار من الملاحظة والفرضية والتجربة ثم الاستنتاج خطوات منهجية لصياغة النظرية العلمية، وهي النظرية التي يتم التأكد من صلاحيتها بالعقل مع أنشتاين وبالتجربة مع بيير دوهيم .

أما فيما يتعلق بوجهة نظري الشخصية فأجد نفسي أميل إلى موقف كلود برنار، فالواقع العلمي يشهد أنه لصباغة نظرية علمية حول ظاهرة ما غالبا ما يلجأ العلماء إلى ملاحظة هذه الظاهرة ووضع فرضيات حولها وإخضاعها للتجربة.... هذه الأخيرة التي غالبا ما تكون معيارا صالحا للتأكد من صدق نظرية علمية ما. وفي ظل تضارب هذه المواقف التصورات ألا يمكن القول إن لكل من التجربة الذهنية والتجربة المخبرية دور في وضع اللبنات الأولى لبناء النظرية العلمية ابتداء والتأكد من صدقها وصلاحيتها انتهاء؟


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/