تحليل ومناقشة نص فلسفي مفهوم الشخص محور الشخص والهوية

ProfSalmi أبريل 13, 2024 أبريل 13, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: " ... من الأكيد أننا ننظر لأنفسنا على أننا شخص واحد ، و أننا نفس الشخص في كل فترات عمرنا، لكن هذه الهوية التي ننسبها لأنفسنا، هل تفترض بالضرورة أن فين
-A A +A


موضوع فلسفي حول الشخص والهوية 



إنجاز الأستاذ: عمر الشمة؛ ثانوية عبد الله كنون التأهيلية

موضوع النص:

" ... من الأكيد أننا ننظر لأنفسنا على أننا شخص واحد ، و أننا نفس الشخص في كل فترات عمرنا، لكن هذه الهوية التي ننسبها لأنفسنا، هل تفترض بالضرورة أن فينا عنصرا ثابتا، أنا حقيقيا وثابتا؟ ..

لنسجل أن الوقائع تكذب كليا هذه الفرضية، فالإنسان الذي هو في حالة نوم ليس له إلا أنا متخيل يتبخر عندما يستيقظ؛ كما أن ضربة واحدة على الرأس تكفي لحفر هوة عميقة بين أنا اليوم وأنا البارحة لأنها تشل ذكرياتنا. ونحن نعرف كذلك حالة بعض المرضى الذين لديهم أنا أول وأنا آخر يتناوبان فيما بينهما وأحدهما يعرف الآخر ...

أن نقول بأننا نرجع حالاتنا الداخلية إلى أنانا معناه أن نقول إننا نرجع حالاتنا الداخلية الخاصة إلى أنا ما أو إلى ذات حاملة عامة ... ليس هناك سوى شيئين يمكن أن يجعلاننا نحس بهويتنا أمام أنفسنا وهما: دوام نفس المزاج أو نفس الطبع، وترابط ذكرياتنا. ذلك أن لدينا نفس الطريقة الخاصة في رد فعلنا تجاه ما يؤثر علينا، أي أن نفس العلامة تسم رد فعلنا الأخلاقي وتطبع حالاتنا النفسية الداخلية بطابع شخصي ... إضافة إلى ذلك فإن ذكرياتنا تشكل، على الأقل بالنسبة للقسم القريب من حياتنا، سلسلة مترابطة الأطراف: فنحن نرى أن حالتنا النفسية الحالية تتولد من حالتنا النفسية السابقة ... وهكذا يمتد وعينا التذكري في الماضي ويتملكه ويربطه بالحاضر ...

ليست هويتنا الشخصية، إذن، كما كان متداولا من قبل، معطى أوليا أصليا في شعورنا، بل إنها ليست إلا صدى، مباشرا أو غير مباشر، متواصلا أو متقطعا، لإدراكاتنا الماضية في إدراكاتنا الحاضرة. وهكذا فنحن لسنا، أمام أعيننا، سوى ظواهر يتذكر بعضها بعضا.."

حلل (ي) النص وناقشه (يه).


نموذج مصحح لتحليل نص فلسفي لمفهوم الشخص

مطلب الفهم

لنتخيل أننا استيقظنا ذات صباح فوجدنا أنفسنا قد تحولنا إلى حشرة، كما حدث لـ « GREGOR SAMSA » بطل رواية « المسخ - THE METAMORPHOSIS » لـ « فرانز كافكا - FRANZ KAFKA » سامسا بائع الملابس المتجول، الذي نام بعد يوم عمل شاق كما ينام أي شخص منا؛ وعندما استيقظ من نومه في الصباح - بعد أحلام مزعجة – وجد نفسه قد تحول إلى حشرة مقززة هائلة الحجم.

إن تحولا مرعبا كهذا يضعنا وجها لوجه أمام سؤال الهوية الشخصية؛ إذ كيف سينظر « سامسا » البئيس إلى ذاته الآن: هل باعتباره شخصا أم حشرة؟ تخبرنا أحداث الرواية أن «سامسا » أدرك بعيد لحظات من الشك والتردد أنه الشخص نفسه، رغم كل هذه التحولات؛ ذلك أنه يعي هويته الشخصية؛ أي وحدته وتطابقه مع ذاته؛ واختلافه عن الغير والأشياء، وهذا ما يدفعنا للاستفهام عن الأساس الذي استند إليه في إدراك هويته كشخص؛ استفهام يمكن بسطه في الإشكال التالي: إذا كان كل واحد منا يلازمه شعور خاص بأنه الشخص نفسه رغم كل التغيرات الجسدية والنفسية التي تطرأ عليه 

فما أساس هو يتنا الشخصية؟ هل تتأسس على طباعنا الشخصية أم ذاكرتنا أم فكرنا وشعورنا أم أنها ترتد إلى محددات أخرى؟ وهل الهوية الشخصية ثابتة أم متغيرة؟


مطلب التحليل:


يسعى النص - موضوع التحليل والمناقشة - في جوابه عن الإشكال أعلاه إلى إثبات أن الهوية الشخصية متغيرة، ويؤسسها على عنصرين: أولهما دوام نفس المزاج والطبع ؛ وثانيهما ترابط الذكريات. ولتأثيت هذه الأطروحة نحث صاحبها جملة من المفاهيم المتكاملة فيما بينها: الهوية؛ الشخص؛ الذاكرة؛ المزاج والطبع .. فإذا أردنا الوقوف على دلالة المفهوم الأول (أي الهوية) سنجده يدل على معنيين متكاملين: معنى الوحدة والتطابق مع الذات؛ ومعنى الاختلاف والتباين عن الغير والأشياء؛ وكلا المعنيين يفيدان بقاء واستمرار الشخص هو هو. والشخص – حسب سياق النص - يحيل على الذات الإنسانية التي تتميز بتطابقها مع نفسها من خلال ترابط ذكرياتها، واستمرارها على نفس الطبع والمزاج، فكيف يمكننا تعريف الطبع والمزاج والذاكرة باعتبارهم مقومات وعناصر الهوية الشخصية؟ بالعودة إلى مجال «علم النفس » سنجد أن الطبع والمزاج يحيلان على تلك الجوانب الفطرية الثابتة في الشخص (كالانطواء أو الانفتاح مثلا)؛ والتي لا يمكن اكتسابها أو تعلمها. أما الذاكرة فهي تلك القدرة العقلية التي تمكن الشخص من الاحتفاظ بذكرياته الماضية وربطها بالحاضر، وهي مصدر شعور الشخص أنه هو هو، مادام شعوره بانيته في الماضي متصلا بالحاضر.

  هكذا فهوية الشخص تقتضي ترابط ذكرياته ووحدة طبعه ومزاجه. ولكي يقنعنا صاحب النص بموقفه هذا عمد منذ البداية إلى إشراكنا في قضية النص من خلال استعماله لضمير متصل (نا) دال على الجماعة، حيث أكد أننا جميعا نشعر بهويتنا، أي بوحدتنا الشخصية وتطابقنا مع ذواتنا رغم ما يلحقنا من تغيرات طوال فترات عمرنا؛ ثم قام بعد ذلك بتأزيم هذا التعميم، من خلال استفهامه عن مدى ثبات وصمود هذه الهوية؛ ليمهد بذلك الطريق لتكذيب إمكانية وجود شيء ثابت أو مستقر في الشخص؛ مبينا ذلك من خلال مجموعة من الأمثلة والوقائع: ففي حالة النوم تكاد تكون هويتنا متخيلة، وهذا معناه أن هويتنا أثناء النوم ليست ثابتة، إذ سرعان ما يعجل الاستيقاظ منه باضمحلالها. كما أننا في حالة تعرضنا لضربة على مستوى الرأس ستكون النتيجة هي فقدان الذاكرة؛ وبالتالي ستصير هناك هوة وبون بين هويتنا قبل هذه الضربة؛ وهويتنا بعدها. وهنا تكمن أهمية الذاكرة في حفظ واستمرار هويتنا. ثم واصل صاحب النص دحضه لفكرة ثبات الهوية الشخصية بمثال حالات الفصام أو ما يعرف في علم النفس بـ « السكيزوفرينيا – LA SCHIZOPHRENIE »؟ حيث تصبح الذات الإنسانية مسرح تناوب شخصيتين مختلفتين؛ .. فكيف يمكن تحديد هوية الشخص في خضم كل هذه التغيرات؟ يجيبنا صاحب النص أنه ينبغي الاستناد إلى المحددين السالف ذكرهما (دوام نفس المزاج والطبع؛ وترابط الذكريات). مبينا أن الأول يجعل الشخص في تطابق مع ذاته من حيث رد فعله في مختلف المواقف؛ والثاني يمدد الوعي التذكري للأنا ويوسعه، من خلال ربط أحداث الماضي بالحاضر. لينتهي بنا صاحب النص في الأخير – بناء على ما سبق - إلى استنتاج مؤداه أن هويتنا الشخصية مجرد نتيجة لإدراكاتنا الماضية في الحاضر عبر ترابط الذكريات، ومنه ف « الأنا » ليست معطى أولي وأصلي في الشعور، وإنما هي مجرد انعكاس وصدى لغيرها (أي لوحدة المزاج/ الطبع وترابط الذكريات).


مطلب المناقشة:


نلخص ما سبق بالقول أن النص في مجمله دحض لفكرة ثبات الهوية، ودفاع عن دور الذاكرة في تحديد هوية الشخص، فما أهمية هذا الموقف؟ وأين تكمن قيمته؟ وما هي حدوده؟

صحيح أنه لا مجال لإنكار متانة البناء الحجاجي لأطروحة النص وتسلسله، إذ نلاحظ كيف استهل صاحبها نصه بعرض الأطروحة المضادة، وهي عبارة عن رأي شائع عليه شبه إجماع (وحدة الشخص وثبات هويته) ليقوم بتأزيمها (هل فينا عنصرا ثابثا؟) من خلال تقديم وقائع وأمثلة قوية (حالة النوم؛ التعرض لضربة على الرأس؛ حالات الفصام) لينتهي بنا إلى نتيجتين: الأولى؛ تفنيد الأطروحة المضادة (الهوية صدى وليست معطى أصلي)، والثانية؛ ربط الهوية بالذاكرة (لسنا سوى ظواهر يتذكر بعضها بعضا). لكن هذا البناء المتماسك - في الظاهر - لا يمكن أن نعدم الشواهد على تهلهله من الداخل؛ فعندما يقول «جول لاشوليي » بأن هويتنا أثناء النوم تكون متخيلة، وأنها تتبخر بعد أن نستيقظ، فهذا لا يعني فقط - كما يريدنا أن نفهم هو - بأن هويتنا متغيرة، وأن للذاكرة دور حاسم في إدراك هذه الهوية، بل يعني أيضا - وهذا ما غيبه أو غاب عنه - أن الذاكرة لا قيمة لها في غياب الإدراكات الحسية، وبالتالي تصير هذه الأخيرة أهم من الأولى؛ أليس الإدراك الحسي هو علة تبخر هذه الأنا المتخيلة؟ أليس الاستيقاظ من النوم نتيجة مباشرة لما تنقله إلينا حواسنا: نسمع صوتا صاخبا فنستيقظ؛ يلمسنا جسم ما أو نلمسه فنستيقظ ؟ ... يبدو، وفق هذا التحليل، أن الشعور أو الإحساس (أي ما تنقله لنا الحواس) ليس أساس هويتنا الشخصية فقط، بل هو شرط إدراكها أيضا، وفي هذا الصدد يقول « دافيد هيوم »: « عندما تزول إدراكاتي الحسية لمدة من الزمان، مثلما يكون ذلك في النوم الهادئ، فإن شعوري (بأناي) يزول ».


إذن، فالجسد شرط أساسي في بناء الهوية وإدراكها، ودونه نصير عدما بحثا، بل لن يجانبنا الصواب إن قلنا أن الذاكرة هي الجسد أو الوجه الآخر له، مادام الفص الصدغي من قشرة المخ موضعها، وموضع هذا الأخير هو الدماغ الذي يرتبط بالجسد. وعليه سيكون من السهل أن نفهم كيفية عمل الذاكرة استنادا إلى طبيعتها المادية الحسية؛ وهذا ما لم يتوفق صاحب النص في تفسيره؛ فاكتفى بالقول أن الذاكرة سلسلة مترابطة الأطراف، وظيفتها ربط ماضينا بحاضرنا، دونما تبيان لكيفية حصول هذا الترابط، ولا تفسير لم نتذكر هذا الحدث وننس الآخر؟ فكلنا نعلم أن أي حدث نتذكره يكون على حساب مئات الحوادث التي يبتلعها النسيان، فبم نفسر انتقائية الذاكرة هذه؟ هل للأمر علاقة بطبيعة هذه الأحداث والذكريات أم بطبيعة الذاكرة (الاعتباطية والعشوائية)؟


إننا بهذه الأسئلة، ننفتح على تصور آخر للهوية يؤكد أيضا على دور الذاكرة، لكنه لا يفصلها عن الشعور والفكر، فمع « جون لوك » يمكننا أن نفهم لم لا نتذكر من حياتنا الماضية إلا نزرا قليلا من ا الأحداث موت شخص عزيز، إجراء عملية جراحية، حادث سير كاد يؤدي بحياتنا، إهانة جارحة تلقيناها أمام الملأ، اتهام باطل، نجاح ساحق، ... إلخ.

إن الخيط الناظم لكل هذه الذكريات - حسب « لوك » - هو الشعور القوي الذي رافق حدوثها، فنحن لا نتذكر إلا الحوادث التي صاحب أو يصاحب وقوعها لنا شعورا قويا، سواء أكانت هذه الذكريات مفرحة أو محزنة. أما الحوادث التي لا يصاحبها غير شعور باهت فمصيرها النسيان، ننساها كأنها لا تمت لهويتنا بصلة.


هكذا إذن، لكي يكون ويبقى الشخص هو هو - من وجهة نظر « لوك » - ينبغي أن يلازمه شعور بأفعاله الخاصة، لكن هذا الشعور وحده لا يكفي؛ فهو يحتاج إلى وعاء يحفظه في الماضي ويوصله بالحاضر، وهنا يتفق « جون لوك » مع صاحب النص في اعتبار الذاكرة صلة وصل بين الأحداث التي عاشها الشخص في الماضي، وبين ما يعيشه الآن في الحاضر؛ إذ بزوالها يفقد الشخص ذلك الخيط الناظم لهويته؛ فنحن - كهوية - لسنا أكثر من مجموع ذكرياتنا: ذكرياتنا مع أجسادنا، ذكرياتنا مع أفكارنا؛ ذكرياتنا مع الأماكن التي عشنا أو نعيش فيها ذكرياتنا مع غيرنا .. إن للذاكرة دور حاسم في تحديد من نحن، إذ كيف للشخص أن يعي ذاته في غياب ذكرياته عن أناه وشعوره الملازم لطريقة تفكيره ومزاجه وطبعه ؟ ثم أليس في تخيير شخص ما بين قتله أو مسح ذاكرته هو - في الحقيقة - تخيير بين موتين؟


حتى الآن، رأينا كيف أعلى صاحب النص و جون لوك  من قيمة الذاكرة؛ فهل نفهم من هذا الإعلاء أننا بفقدان ذاكرتنا سنفقد هويتنا؟ يبدو أن الجواب بـ « نعم » بعيد كل البعد عن الواقع؛ فكثيرا ما نصادف في حياتنا اليومية أشخاصا أصيبوا نتيجة حادث ما بفقدان جزي، أو كلي لذاكرتهم. فهل معنى ذلك أنه لا هوية لهم؟ ولا يشعرون بأنهم نفس الشخص؟


يجيبنا - في هذا الصدد - « آرثر شوبنهاور» بالنفي؛ إذ يقول في كتابه « العالم كإرادة وتمثل» : « .. كلما هرمنا توالت الحوادث في حياتنا دون أن تخلف وراءها أثرا. ويستطيع تقدم السن أو المرض، أو إصابة في المخ أو حمق أن يحرمنا كلية من الذاكرة، ومع ذلك فإن هوية الشخص لا يفقدها هذا الاختفاء المستمر للتذكر .. ؛ هكذا فهوية الشخص مع « شوبنهاور » لا تتوقف على الذاكرة، مادامت هذه الأخيرة مهددة بالنسيان والفقدان، ولا على الجسم؛ فمادته تتجدد وصورته تتغير باستمرار، ولا أحد منا يضمن مستقبل شكله؛ فهل تؤسس الهوية على العقل ؟ يرفض « شوبنهاور » رد الهوية إلى العقل أيضا، وحجته في ذلك أن هذا الأخير يتعب، ولأنه كذلك فهو بحاجة إلى الراحة والتغذية (النوم)، كما أنه مهدد بالحمق والجنون في أي لحظة. فما هو هذا الشيء الثابت الذي لا يتغير بفعل الزمن، والذي يمكننا العودة إليه في معرفة هويتنا؟ إنه الإرادة (إرادة الحياة) ؛ وقد حاجج  «شوبنهاور» على ذلك - كما وضحنا - برفضه لكل محددات الهوية الأخرى، بداية بالجسد فالذاكرة وانتهاء بالعقل حيث أقام مقارنة بين هذا الأخير والإرادة انتهى فيها إلى أن الثانية (الإرادة) سابقة عن الأول (العقل)، ولهذا فالإقناع - الذي كنا نعتقده عملية تستهدف العقل – بين لنا « شوبنهاور » أنه لا يحصل على أكمل وجه إلا بمخاطبة إرادة الشخص لا عقله، وبالتالي فأغبى الناس قد يصير ذكيا عندما تكون المسألة المطروحة للنقاش متماشية مع إرادته، وهكذا فلا قيمة للمنطق أمام الرغبة والإرادة، فهي جوهر الشخص؛ والإرادة كما حددها « شوبنهاور » هي الرغبة في تحصيل حد أعلى من الحياة، فإرادة الحياة هي التي تدفع الدم في جسم الإنسان؛ وهي التي تشق للجنين أقنية وعروقا وشرايينا ليحيا. وإرادة الحياة أيضا هي التي تبقي البذور الجافة محتفظة بقوة الحياة الكامنة فيها لسنين طويلة، وعندما تصادف في النهاية الظروف المناسبة تنمو وتترعرع إلى شجرة أو نبات. إن ما يسري على البذور يمكن تعميمه على الأشخاص أيضا، فداخل كل واحد منا هناك إرادة ثابتة ورغبة في الحياة لا تنال منها الأحداث ولا الزمن شيئا؛ بل إن هذه الإرادة تسخر غيرها (العقل الجسد؛ ..) لخدمتها.


مطلب التركيب

يبدو في الأخير أن هوية الشخص متعددة الأبعاد، إذ بدا لنا ضمن رأي أول أنها تقوم على الذاكرة ووحدة الطبع من جهة؛ وعلى الذاكرة والشعور من جهة ثانية؛ في مقابل رأي ثان يجعل من إرادة الحياة المحدد الأساسي لهذه الهوية؛ مادامت الذاكرة والجسم بصورته ومادته متغيران ومتجددان بفعل الحوادث والزمن. هذا التباين في المواقف يدل على صعوبة المجازفة برد الهوية الشخصية إلى محدد أو عنصر واحد والإطمئنان إليه دون غيره؛ فكل عنصر أو محدد مما ذكرنا سلفا يساهم في تغذية هذه الهوية المتشعبة الجذور. فعودًا على بدء؛ نسجل من خلال أحداث الرواية أن «كريكور سامسا » - الذي افتتحنا بمأساته الإنسانية موضوعنا - الشخص نفسه الذي يتذكر الآن ما كان عليه قبل التحول إلى حشرة من خلال استحضار شكل غرفته الصغيرة والثياب المفككة المتناثرة على طاولته، والدين الذي على عاتق والده ... كما أنه الشخص عينه الذي يحس ويدرك التغيرات الجسدية التي طرأت عليه؛ وأخيرا، هو نفس الشخص الذي يقاوم كل الظروف والوضعيات المأساوية التي فرضها عليه وضعه الجديد كحشرة؛ لأن إرادته في الحياة ورغبته في تسديد دين والده والإنفاق على أسرته الصغيرة أكبر من أن يحدها هذا الانمساخ الذي نال جسده.


المستوى : الثانية باكالوريا

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/