نموذج تحليل نص فلسفي مجزوءة المعرفة العقلانية العلمية

ProfSalmi أبريل 21, 2024 يونيو 25, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: " إن الحادثة والفكرة تتعاونان في البحث التجريبي، فالحادثة التي نلاحظها بوضوح قليل أو كثير، توحي بفكرة لتعليلها. وهذه الفكرة يطلب العالم إلى التجربة أن
-A A +A


منهجية تحليل نص فلسفي العقلانية العلمية

نص فلسفي مجزوءة المعرفة العقلانية العلمية الثانية باك


" إن الحادثة والفكرة تتعاونان في البحث التجريبي، فالحادثة التي نلاحظها بوضوح قليل أو كثير، توحي بفكرة لتعليلها. وهذه الفكرة يطلب العالم إلى التجربة أن تؤيدها، ولكن على العالم، أن يكون مستعدا، طوال التجريب، لأن يدع فرضيته أو لأن يعدلها وفقا لما تقتضيه الوقائع، فالبحث العلمي إنما هو إذن محاورة بين الفكر والطبيعة، الطبيعة توقظ فينا حب المعرفة، فتطرح علينا أسئلة، وأجوبتها تفرض على الحوار سيرا غير متوقع، إذ تحملنا على طرح أسئلة جديدة، نجيب عنها بإيحاء أفكار جديدة، وهكذا دواليك إلى غير نهاية".

حلل النص وناقشه


نموذج تطبيقي مصحح مفهوم النظرية والتجربة محور العقلانية العلمية

مقدمة

من خلال المفاهيم المتضمنة في النص ( الحادثة، الفكرة، البحث التجريبي...) ، يتضح أنه يتأطر داخل مجزوءة المعرفة، وتحديدا ضمن مفهوم النظرية والتجربة، إذ يسلط الضوء على موضوع العقلانية العلمية، ويقصد بالنظرية نسق من المبادئ والقوانين التي تنظم ملاحظة الباحث لظاهرة ما، قصد بناء معرفة حولها. أما التجربة فتشير إلى مجموع الخبرات والمعارف التي يكونها الإنسان في علاقته المباشرة بالواقع، أما في المجال العلمي فتحيل على التجريب ويقصد به إعادة إحداث ظاهرة ما ضمن شروط وظروف يصطنعها العالم للتأكد من صدق فرضية ما، الشيء الذي يضعنا أمام مجموعة من الإشكالات من قبيل: 

على ماذا تتأسس النظرية العلمية؟ هل على العقل أم على التجربة أم عليهما معا؟ وإلى أي حد يمكن اعتبار الحادثة ( التجربة) والفكرة (العقل) هما معا أساس قيام النظرية العلمية؟


جوابا عن الإشكالات أعلاه يقدم النص أطروحة مركزية تؤكد من خلالها على أن التجربة والعقل معا هما أساس قيام البحث التجريبي أو بالأحرى تأسيس النظريات العلمية، حيث يستهل صاحب النص نصه مؤكدا على أن البحث التجريبي هو نتاج تضافر جهود كل من العقل والتجربة معا، فالتجربة المخبرية باعتبارها إحدى خطوات المنهج التجريبي تتخذ من الواقع مادة خاما لها للتأكد من صدق الفرضيات التي يضعها العقل، إلا أن العالم يجب أن يكون مستعدا طوال عملية التجريب أن يتخلى عن نظريته أو يعدلها إن دعت الضرورة لذلك، ما دام أن الاعتقاد بيقينية نظرية ما وإطلاقيتها يطعن في صحتها ويفقدها مصداقيتها، فالبحث العلمي إذن هو محاورة بين الفكر (العقل) من جهة والطبيعة (التجربة) من جهة أخرى، حيث إن الطبيعة تثير فضولنا للإجابة عن أسئلة وفرضيات، إلا أن محاولة الإجابة هاته، تسير نحو تحيق نتائج غير يقينية قابلة للتعديل والتفنيد وهكذا دواليك إلى غير نهاية، فالنظرية العلمية، حسب صاحب النص، هي نتاج للمقولات العقلية من جهة، ولمعطيات الحس والتجربة من جهة أخرى، وأنها نسبية وغير مطلقة وقابلة للتجاوز والإلغاء.


لقد استثمر صاحب النص جملة من المفاهيم الفلسفية أهمها: التجربة وتعني في مجال المعرفة العلمية، الوسيلة الأساسية التي يلجأ إليها العالم المجرب لمعرفة القوانين المتحكمة في الظواهر الطبيعية، أما لفظ الفكرة فيحيل على مجموع الفرضيات التي يصوغها العقل انطلاقا من الملاحظة العفوية للظاهرة موضوع الدراسة. ولدعم أطروحته وظف صاحب النص مجموعة من الأساليب الحجاجية أهمها: أسلوب المقارنة، حيث قارن بين دور كل من الحادثة والفكرة في تأسيس النظريات العلمية، وكذا أسلوب الاستنتاج حيث خلص صاحب النص إلى أهمية كل من العقل والتجربة في البحث التجريبي مركزا على خاصية النسبية التي تتسم بها النظرية العلمية. كما اعتمد على مجموعة من الروابط المنطقية من بينها: التأكيد "إن" يتضح من خلال ما سبق أن أطروحة القولة تؤكد على أن التجربة النظرية العلمية هي نتاج للمعطيات الحسية من جهة وللمقولات العقلية من جهة أخرى، وهي الأطروحة التي نجد لها حضورا قويا لدى الفيلسوف الإبستيمولوجي غاستون باشلار الذي ينتقد كل من النزعتين التجريبية والعقلانية، ويرفض اعتبار الواقع المصدر الوحيد لبناء النظرية العلمية، كما يرفض اعتبار العقل مكتفيا بذاته في بناء هذه النظرية، ويرى أنه لا يمكن تأسيس العلوم الفيزيائية دون الدخول في حوار بين العالم العقلاني والعالم التجريبي. فبشلار ينفي إمكان قيام معرفة على العقل وحده أو التجربة وحدها قائلا: «لا توجد عقلانية فارغة كما لا توجد مادية عمياء»، فالعالم الفيزيائي يجب أن يؤسس نظريته العلمية على التجربة والعقل معا. أفلا يمكن الحديث كذلك على أن النظرية العلمية لا تتأسس على العقل والتجربة معا، بقدر ما تتأسس على العقل وحده؟ أو التجربة وحدها؟


لمقاربة هذا الإشكال نستحضر تصور الفيلسوف والرياضي ألبير أنشتاين الذي يرى أن النظريات العلمية هي إبداعات حرة للعقل البشري، فالعقل هو الذي يمنح للمعرفة العلمية بنيتها وتماسكها المنطقي، أما المعطيات التجريبية فهي مطالبة بأن تكون مطابقة للقضايا الناتجة عن العقل، فالعقل الرياضي وحده كفيل بفهم الظواهر الطبيعية دون حاجة إلى التجربة التي لا تلعب إلا دور المرشد من جهة، والمطبق للفرضيات العقلية من جهة أخرى. يقول أنشتاين «إن المبدأ الخلاق في العلم لا يوجد في التجربة، بل في العقل الرياضي». وفي نفس السياق نستحضر تصور رايشنباخ الذي أكد على أن العقلانية الرياضية، بتعاليها عن الملاحظة والتجريب لا يمكن أن تؤسس لمعرفة علمية، فالمعرفة تكون علمية حين تتأسس على منهج تجريبي، في حين تصبح ضربا من التصوف والمثال، إذا تخلت وأهملت هذا المنهج. فالتجربة، حسب رايشنباخ، هي ما يضفي على المعرفة طابع العلمية لكونها تشكل مصدرا حسيا وواقعيا للحقيقة عكس المعرفة العقلانية التي تبقى معرفة نظرية تجريدية لا تلامس الواقع.


خاتمة

من خلال ما سبق نخلص إلى أن إشكالية تأسيس النظرية العلمية بين الحادثة والفكرة، أفرزت مجموعة من المواقف المتعارضة، حيث رأى صاحب النص وباشلار أن النظرية العلمية تتأسس على العقل والتجربة معا، في حين اعتبر أنشتاين أن العقل هو أساس ومعيار صدق النظرية، وبالمقابل أكد رايشنباخ أن النظرية تتأسس على التجربة. 

أما فيما يتعلق بوجهة نظري الشخصية فأجد نفسي أميل إلى موقف غاستون باشلار، لأنه الأقرب إلى الواقع المعيش، فالواقع العلمي يشهد أن النظريات العلمية غالبا ما تتأسس، بداية كفرضيات عقلية تستقى من ملاحظة العلماء للظواهر الطبيعة، ليتم إخضاعها للتجريب المخبري الذي يجعل منها نظرية قائمة بذاتها وقابلة للتطبيق على نطاق واسع. وفي ظل تضارب هذه المواقف والتصورات ألا يمكن القول إن النظرية تتأسس على العقل أحيانا وعلى التجربة أحيانا أخرى وعلى العقل والتجربة معا في أحيان كثيرة؟


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/