تحليل قولة فلسفية في مفهوم الدولة موضوع مشروعية الدولة وغايتها

ProfSalmi أبريل 17, 2024 أبريل 17, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: بما أنها تولَدت (الدولة) في قلب هذا الصراع، فإنها في الأغلب الأعم، دولة الطبقة الأقوى، أي الطبقة التي تسود وتسيطر اقتصاديا، ثم بفضله تسود سياسيا وتختا
-A A +A


نموذج القولة مجزوءة السياسة مشروعية الدولة وغايتها 

قولة فلسفية حول مشروعية الدولة وغاياتها الثانية باك


" بما أنها تولَدت (الدولة) في قلب هذا الصراع، فإنها في الأغلب الأعم، دولة الطبقة الأقوى، أي الطبقة التي تسود وتسيطر اقتصاديا، ثم بفضله تسود سياسيا وتختار بذلك وسائل لاستغلال الطبقة المضطهدة. "

أوضح (ي) مضمون القولة وبين (ي) أبعادها.


نموذج تحليل قولة فلسفية حول مشروعية الدولة وغاياتها

المقدمة

من خلال المفاهيم المتضمنة في القولة (الدولة، الصراع، الطبقة .....)، يتضح أنها تتأطر داخل مجزوءة السياسة، وتحديدا ضمن مفهوم الدولة، إذ تسلط الضوء على موضوع مشروعية الدولة وغايتها، ويقصد بالدولة، مجموع المؤسسات التي تمارس السلطة والحكم في بلد ما، فالدولة بهذا المعنى تستعمل في مقابل الشعب ويقصد بها التنظيم السياسي والاجتماعي والقانوني، الذي يملك سلطة تخول له التدخل، أحيانا بعنف أو بوسائل إيديولوجية، إما لحفظ التوازن والنظام والأمن أو لتطوير العلاقات البشرية والرقي بمستواها، الشيء الذي يضعنا أمام مجموعة من الإشكالات من قبيل: 

من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ وما هي غايتها؟ وإلى أي حد يمكن للدولة أن تستمد مشروعيتها من الطبقة البورجوازية وتسعى لخدمتها وتحقيق مصالحها؟


جوابا عن الإشكالات أعلاه، تقدم القولة أطروحة مركزية، تؤكد من خلالها على أن الطبقة البورجوازية هي أساس قيام الدولة والمانحة لمشروعيتها بهدف خدمة مصالحها وتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية. فالطبقة البورجوازية، بحكم نفوذها الاقتصادي، تسعى جاهدة لإنشاء جهاز قوي يحفظ مصالحها ويضمن بقاءها كطبقة مهيمنة، هذا الجهاز هو الدولة.

فعلاقة الدولة بالطبقة البورجوازية علاقة حميمية، بحيث لا يمكن لأحدهما أن يستغني عن الآخر، ما دام أن كل منهما يحقق مصالح الآخر، فالدولة بهذا المعنى، هي واقع إيديولوجي يتخذ من البورجوازية أساسا وغاية، بعيدا عن باقي مكونات المجتمع الأخرى، خاصة المضطهدة والمستغلة منها، التي غالبا ما تُحرَم من كل حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية... فالدولة بهذا المعنى، هي حاجة طبقية وليست إرادة مجتمعية، ما دام، أن نشأتها رهينة بوجود طبقة ترغب في حماية مصالحها ضد كل من يهددونها. 

لقد استثمر صاحب القولة جملة من المفاهيم الفلسفية أهمها الدولة، وهي تنظيم سياسي لجماعة ما، على أرض محددة عبر سلطتها الممثلة في مجموعة من المؤسسات والأجهزة المرافقة لها، وهي سلطة قهر وهيمنة، بما هي مؤسسة أو جهاز يحتكر حق ممارسة العنف وحق التحكم في الأفراد وتسييرهم. ويقصد بالصراع، موقف تنافسي يكون طرفاه مختلفين في المواقف والمصالح، فيسعى كل منهما للدفاع عن مبادئه ومواقفه والحفاظ على مصالحه، وهو هنا يشير إلى الصراع بين طبقة مالكة لوسائل الإنتاج (البورجوازية)، وأخرى مضطهدة ومستغلة (البروليتاريا)، أما مفهوم الطبقة، فيعني تجمع من الأشخاص ينجز عملا واحدا في إطار عملية إنتاجية واحدة، وتختلف باختلافها وضعها الاقتصادي وموقعها من عملية الإنتاج. 


ولدعم أطروحته وظف صاحب القولة أسلوبين حجاجيين هما التفسير، حيث بين ووضح الدور الذي يلعبه الصراع في نشأة الدولة، دولة الطبقة القوية والمهيمنة اقتصاديا وسياسيا وكذا أسلوب الاستنتاج حيث خلص إلى أن السيادة السياسية والاقتصادية للدولة هي نتيجة صراع طبقي بين طبقة قوية وأخرى مضطهدة. كما اعتمد على مجموعة من الروابط المنطقية : التأكيد "أنها، فإنها". يتضح من خلال ما سبق أن أطروحة القولة، تؤكد على أن الدولة تستمد مشروعيتها من الطبقة البورجوازية وغايتها حفظ ورعاية مصالح هذه الطبقة. 

وهي الأطروحة التي نجد له حضورا قويا لدى كارل ماركس، الذي يرى أن الدولة لا تستمد مشروعيتها من الاتفاق والتعاقد بين حاكم وجماعة ما، بقدر ما تستمدها من التنافس والصراع بين طبقة بورجوازية مالكة لوسائل الإنتاج وطبقة عاملة تشغل وسائل الإنتاج، فالدولة عبارة عن وسيلة تستعملها الطبقة البرجوازية من أجل الحفاظ على مصالحها وحماية امتيازاتها وضمان تواجدها كطبقة مهيمنة، فالدولة في نظر ماركس تستمد مشروعيتها من الطبقة البرجوازية، أما غايتها فهي إضفاء الشرعية القانونية على المجتمع الطبقي وتسيير وتنظيم مصالح الطبقة البورجوازية المستغلة، 

أفلا يمكن الحديث كذلك على أن الدولة لا تستمد مشروعيتها من الطبقة البورجوازية، بل تستمد مشروعيتها من التعاقد بين جماعة وحاكم ما، يضمن حقوقهم ويحمي مصالحهم؟ أو بالأحرى تستمد مشروعيتها من ذاتها باعتبارها غاية في ذاتها وضرورة إنسانية ومجتمعية؟


لمقاربة هذا الإشكال، نستحضر تصور جون لوك، الذي يرى أن الدولة تستمد مشروعيتها من الاتفاق الإرادي والتعاقد السياسي المبرم بين الأفراد من جهة والحاكم من جهة أخرى، فالأفراد ينتخبون الحاكم ويتنازلون له عن بعض حقوقهم الطبيعية مقابل أن يحفظ خيراتهم المدنية، أما باقي الحقوق فيحتفظ بها الأفراد لأنفسهم ولا يجوز للحاكم المساس بها، بل إنه مطالب بحمايتها مقابل طاعة الأفراد له، فغاية الدولة هي توفير الأمن للناس وحماية ممتلكاتهم وضمان حريتهم. وكل اعتداء على هذه الحقوق يعرض المعتدي للزجر والعقاب. 

وفي تصور مثالي للدولة يعتبر هيجل أن غاية الدولة ليست غاية خارجية بل غاية باطنية، فالدولة غاية في ذاتها تستمد مشروعيتها من ذاتها، من حيث إنها تمثل روح وإرادة الأمة وقيمة سامية لكل الأفراد، إنها إرادة عامة لا تسعى لخدمة مصالح الأفراد الخاصة والمرتبطة بحياتهم اليومية كحفظ أمنهم وحماية ممتلكاتهم بقدر ما تسعى إلى نشر القيم الروحية والمبادئ العقلية السامية. ويميز هيجل بين الدولة كإرادة عامة وكونية والمجتمع المدني الذي يهتم بخدمة مصالح الأفراد الذاتية والخاصة.


التركيب

من خلال ما سبق نخلص إلى أن إشكالية مشروعية الدولة وغايتها، أفرزت مجموعة من المواقف المتعارضة، حيث رأى ماركس أن الدولة تستمد مشروعيتها من الطبقة البورجوازية وغايتها الحفاظ على مجتمع طبقي، في حين اعتبر جون لوك، أن الدولة تستمد مشروعيتها من التعاقد الاجتماعي، وغايتها حفظ حقوق الرعية، وبالمقابل أكد هيجل، على المشروعية الذاتية للدولة التي غايتها نشر القيم السامية. أما فيما يتعلق بوجهة نظري الخاصة فأجد نفسي أميل إلى موقف جون لوك، لأنه الأقرب إلى الواقع المعيش، فالواقع السياسي يشهد أن الدولة تتأسس نتيجة تعاقد يبرمه الشعب مع حاكم ما مقابل أن يتولى هذا الأخير، حماية حقوقهم وحفظ أمنهم وضمان استقرارهم. وفي ظل تضارب هذه المواقف والتصورات ألا يمكن القول إن الدولة تستمد مشروعيتها من ذاتها باعتبارها ضرورة مجتمعية ومن التعاقد كآلية سياسية توافقية في الآن ذاته؟ وما الصراع الطبقي إلا تجل من تجليات قيامها ونشأتها، يعبر عن رغبة الطبقة القوية في الاستفراد بالحكم وامتلاكه؟

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/