تحليل نموذج سؤال فلسفي حول قيمة الشخص مجزوءة الوضع البشري

ProfSalmi أبريل 20, 2024 يونيو 25, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: نموذج تطبيقي مصحح حول محور الشخص بوصفه قيمة، من أين يستمد الشخص قيمته؟ .. من خلال المفاهيم المتضمنة في السؤال (يستمد، الشخص، القيمة)، يتضح أنه يتأطر
-A A +A

 

تحليل سؤال فلسفي من أين يستمد الشخص قيمته

من أين يستمد الشخص قيمته موضوع فلسفي


من أين يستمد الشخص قيمته؟


نموذج تطبيقي مصحح حول محور الشخص بوصفه قيمة

مقدمة: مطلب الفهم

من خلال المفاهيم المتضمنة في السؤال (يستمد، الشخص، القيمة)، يتضح أنه يتأطر داخل مجزوءة الوضع البشري، وتحديدا ضمن مفهوم الشخص، إذ يسلط الضوء على موضوع الشخص بوصفه قيمة، ويقصد بالشخص في السياق الفلسفي مجموع المحددات الماهوية الثابتة والمشتركة بين الجنس البشري، التي لا تعرف تغيرا أو اختلافا من كائن إلى آخر، كما يحيل أيضا على الذات الواعية والمفكرة والمسئولة عن أفعالها، الشيء الذي يضعنا أمام مجموعة من الإشكالات من قبيل: 

من أين يستمد الشخص قيمته؟ وما الذي يؤسس البعد القيمي الأخلاقي للشخص؟ وإلى أي حد يمكن للشخص أن يستمد قيمته من احترام القانون وأداء الواجب؟


لمقاربة الإشكال الذي ينطوي عليه السؤال المطروح، يقتضي الأمر الحسم مع الحروف والمفاهيم المؤثثة لبنيته، فأين، اسم استفهام يُطلب به تعيين أحد الشيئين، وفي هذه الحالة يأتي أحد هذين الشيئين بعد همزة الاستفهام مباشرة، ثم يأتي بعده حرف العطف (أم)، بمعنى أيستمد الشخص قيمته من ذاته، أم من امتثال القانون وأداء الواجب، أم من مشاركته الفعالة في الحياة الاجتماعية. ويقصد بمفهوم الشخص الذات الواقعية الواعية الحرة والمسئول عما يصدر عنها من تصرفات أخلاقية وقانونية، وتمتلك إرادة واستقلالا، وتستحق الاحترام والتقدير، ولا يجوز معاملتها معاملة الأشياء لأنها غاية في ذاتها وليست وسيلة. أما لفظ القيمة فيشير إلى الصفة أو الخاصية التي نقوم بها الشيء أو الفعل أو الحكم، وذلك بهدف إبراز خطئه من صوابه جماله من قبحه أو خيره من شره، وتستعمل القيمة في ميادين: الأخلاق والاقتصاد والجمال، إنها الميزة الخاصة بشيء ما أو بسلوك إنساني مرغوب فيه. يفضي بنا تحليل عبارات السؤال إلى اقتراح أطروحة مفترضة مضمونها أن الشخص يستمد قيمته من احترام القانون وأداء الواجب، فالإنسان حين يحترم التشريعات والقوانين المنظمة لمجتمعه ويؤدي الواجبات المنوط به القيام بها، يكتسب احترام أفراد المجتمع ويحتل مرتبة متميزة بينهم، ويصير مثلا أعلى يقتدى به، كما أن حرص الفرد على أداء واجباته والقيام بمهامه، يجعله يحظى باحترام الآخرين وتقديرهم له. واحترم القانون وأداء الواجب يقتضي، احترام حريات الآخرين والوعي بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية تجاههم. فقيمة الشخص إذن، مرتبطة بمدى احترامه للقانون المنظم لعلاقات الأفراد فيم بينهم من جهة، وأدائه لواجبه تجاه ذاته والآخرين من جهة أخرى. 

وهي الأطروحة التي نجد لها حضورا قويا لدى الفيلسوف المثالي فريديريك هيغل، الذي يرى أن قيمة الشخص يستمدها من امتثاله لقوانين الجماعة التي ينتمي إليها ، ويكتسبها من أدائه للواجب القانوني والأخلاقي الذي تحدده تشريعات المجتمع. لذلك على الشخص أن ينفتح على الجماعة وأن يمتثل للواجب، يقول هيغل: «إن قيمة الشخص الأخلاقية تكمن في سلوكه امتثالا للواجب». أو بعبارة أخرى، تتحدد قيمة الفرد بأدائه لواجبه، بحسب المرتبة التي يشغلها، وبالتالي فهي قيمة نسبية متغيرة. يتضح من خلال ما سبق أن الأطروحة المفترضة في السؤال تؤكد على أن قيمة الشخص يستمدها من امتثال القانون وأداء الواجب، أفلا يمكن الحديث كذلك، على أن الشخص يستمد قيمته من ذاته أو بالأحرى من مشاركته الفعالة في الحياة الاجتماعية؟


المقاربة هذا الإشكال، نستحضر تصور إيمانويل كانط، الذي ميز بين أشياء الطبيعة، التي لا تملك إلا قيمة نسبية مشروطة بالنتائج المحصلة منها، والشخص الذي يتميز بكونه كائنا عاقلا وأخلاقيا، الشيء الذي يجعل منه غاية في ذاته، وليس وسيلة أو موضوعا. فقيمة الشخص، حسب كانط، يستمدها من كونه يملك كرامة تجعل منه غاية في ذاته وليس وسيلة، وتقتضي التعامل معه بكل احترام وتقدير. كما يؤكد أن قيمة الإنسان الحقيقية تكمن في توفره على عقل عملي أخلاقي يجعل منه موضوع احترام وتقدير، سواء من طرف ذاته أو من قبل الآخرين. وبالمقابل يرى غوسدروف، أن قيمة الشخص لا تتحدد في إطار الوجود الفردي الانعزالي، بل في إطار الوجود الاجتماعي التشاركي، فالشخص لا يكتسب قيمته الأخلاقية من ذاته، وكأنه إمبراطور داخل إمبراطورية، بل من الانفتاح على الآخرين وتحقيق كل أشكال التضامن معهم، فلا يكفي أن يكون الشخص شخصا، حتى يتمتع بقيمة أخلاقية باعتباره غاية في ذاته، كما يرى كانط، بقدر ما وجب عليه أن ينفتح على العالم ويتقبل الآخرين، في إطار علاقة تعاون أساسها الأخذ والعطاء.


خاتمة: التركيب

من خلال ما سبق نخلص إلى أن إشكالية الشخص بوصفه قيمة، أفرزت مجموعة من المواقف المتعارضة. حيث رأى هيجل، أن قيمة الشخص يستمدها من أداء الواجب وامتثال القانون. في حين اعتبر كانط، أن الشخص يستمد قيمته من ذاته، باعتباره مالكا لعقل عملي أخلاقي، وبالمقابل أكد الفيلسوف غوسدروف على دور المشاركة في الحياة الاجتماعية، في اكتساب الشخص قيمة وجعله محط احترام وتقدير. أما فيما يتعلق بوجهة نظري الشخصية، أجد نفسي أميل إلى موقف هيجل، لأنه الأقرب إلى الواقع المعيش، فالواقع الاجتماعي يشهد، أن الفرد حين يحترم القوانين ويؤدي واجبه العملي يكتسب قيمة عليا ومرتبة سامية بين أفراد بني جنسه. وفي ظل تضارب هذه المواقف والتصورات، ألا يمكن القول إن قيمة الشخص يستمدها من ذاته، باعتباره إنسانا عاقلا يملك وعيا وإرادة من جهة، وكذا من احترامه للقانون وأدائه للواجب ومشاركته الفعالة في الحياة الاجتماعية، باعتباره كائنا اجتماعيا من جهة أخرى؟ أو بالأحرى أن قيمة الشخص هي نتاج ما هو ذاتي وموضوعي في الآن ذاته؟.


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/