نموذج تطبيقي لتحليل سؤال فلسفي حول مفهوم الدولة مجزوءة السياسة

ProfSalmi مارس 28, 2024 مارس 28, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: منهجية تحليل ومناقشة سؤال فلسفي حول مشروعية الدولة والغاية من تأسيسها.. السؤال الذي بين أيدينا ينفتح بدوره على مجزوءة السياسة، ويعالج مفهوم الدولة..
-A A +A


منهجية تحليل ومناقشة سؤال فلسفي حول مشروعية الدولة والغاية من تأسيسها

لم الدولة ؟

امتحان الفلسفة الشعب العلمية. يونيو 2012.


نموذج تحليل سؤال فلسفي حول مشروعية الدولة وغاياتها

إجابة مقترحة

إذا كانت غاية الدولة هي تنظيم أمور المجتمع وضمان أمنه واستقراره والذود عن حقوق أفراده، فإن هذه الدولة تتحول أحيانا إلى مؤسسة قمعية تمارس على أفراد المجتمع نوعا من الهيمنة والعنف، فتتجاوز الغايات التي أسست من أجلها، وهذه الأدوار المتناقضة للدولة تطرح إمكانية التخلي عنها وتجعل مشروعيتها محط شك. والسؤال الذي بين أيدينا ينفتح بدوره على مجزوءة السياسة، ويعالج مفهوم الدولة، خاصة ما يتعلق بإشكالية مشروعية الدولة والغاية من تأسيسها، ويمكن صياغته صياغة إشكالية من خلال الأسئلة التالية :

- لماذا الدولة ضرورية ؟ ومن أين تستمد مشروعيتها وهل بالإمكان التخلي عن دور الدولة في تنظيم شؤون المجتمع ؟

- هل تستمد الدولة من الفرد مبدأ وجودها أم أن الفرد هو الذي يستمد من الدولة مبدأ وكمال وجوده ؟ بمعنى آخر هل الدولة في خدمة الفرد أم أن الفرد في خدمة الدولة ؟


لو تأملنا السؤال الذي بين أيدينا لوجدنا أنه قد صيغ عن طريق استخدام أداة الاستفهام : «لم» وهي أداة يراد بها طلب العلة والتصور والسبب والمبرر ، وهذا معناه أن السؤال - قيد الدرس والتحليل - يطالبنا بالمبررات والمسوغات التي تبرر وتشرعن وجود الدولة. لكن قبل أن نخوض في تحليل كل مبرر على حدة لا بد أن نقدم تعريفا واضحا لمفهوم الدولة، عسى أن ينفعنا في استجلاء خبايا السؤال فالدولة هي الشكل المؤسساتي للسياسة، تأخذ أشكالا مختلفة حسب الإختيارات الإيديولوجية والإقتصادية... وهي نتاج لصيرورة تاريخية ووريثة مسار إنساني طويل ونتاج لتحولات اجتماعية كبرى، إنها استجابة لضرورة تفرض على الأفراد - رغم أنانيتهم - إطارا من الحياة يفترض فيه ضمان السلم وحماية حقوق الأفراد الأساسية.

إن الدولة هي أولا شيء عمومي، وبما أنها كذلك فهي أسمى تعبير عن المجال العمومي الذي يوجد بذاته، وبالتالي فلن يكون عالم الدولة عالما للسيطرة بل عالما للحرية، ومع ذلك فما الذي يبرر وجودها ؟

بغية الإجابة عن هذا السؤال يمكننا استحضار مختلف الأطروحات المتحاورة عبر تاريخ الفلسفة بشأن مشروعية الدولة من الغاية من إنشائها، والتي تتوزع ما بين نسقين فكريين كبيرين : يمنح النسق الأول الأولوية للفرد وهو ما تمثله مختلف التصورات التعاقدية الليبرالية، بينما يحرص النسق الثاني على الجماعة ممثلة في الدولة بدءا بأفلاطون ووصولا إلى ماركس ومرورا بهيجل.

فبالنسبة لموقف التصور التعاقدي والمذهب الفرداني الفرد هو غاية الدولة وللبحث في مشروعية الدولة وتعيين غاياتها يلجأ دعاة هذا التصور إلى البحث أولا في منشئها انطلاقا من فرضية حالة الطبيعة. يقول جون لوك : « لكي نفهم السلطة السياسية فهما صحيحا ونستنتجها من أصلها ينبغي أن نتحرى الحالة الطبيعية التي وجد عليها جميع الأفراد » هنا تظهر الدولة كمجرد اتحاد بين أفراد يتمتعون بحقوق طبيعية سابقة زمنيا على ظهور الدولة رغبوا لهذا السبب أو ذاك في تيسير العيش المشترك، وأولى حقوقهم هي إرادتهم التي جسدوها في هذا العقد. ينتج عن ذلك أن لا حقيقة ولا وجود للدولة قبل الفرد، الفرد مقدم وسابق عليها منه تستمد مبرر وجودها ومن ضمان مصالحه تشتق غاياتها. ولذلك يقترن التصور التعاقدي أحيانا بالمذهب الفردي وأحيانا أخرى بالليبرالية.

ماذا ينتظر من الدولة ؟ وما غاياتها ؟


يميز جون لوك بين الخيرات المدنية والخيرات الدينية أو نجاة الأرواح. وتتمثل الأولى في خيرات ذاتية كالحياة والحرية وسلامة البدن وخيرات خارجية كالأرض والنقود وما سواها من الممتلكات، أما الخيرات الدينية فهي تقوى النفس ونجاتها من الضلال والشقاء الأبدي في الآخرة واختصاص الدولة بوصفها سلطة مدنية يقتصر على حماية الخيرات المدنية أما ترامي سلطانها إلى الخيرات الدينية فلن ينجم عنه سوى الحرب وتقويض السلم المدني.

بيد أن تقديم الفرد على الدولة - كما رأينا مع التصور التعاقدي والليبرالي - لا يعني عند بعض الفلاسفة سوى خراب هذه الأخيرة! إذ كيف يعقل أن يستمد مبدأ الكل من الجزء والدائم من العرضي ؟


تتمثل غاية الدولة عند أفلاطون في تحقيق السعادة، لا بوصفها سعادة الفرد، بل بوصفها نظام وانسجام الكل : وعليه لا يعدو الأفراد عن كونهم مجرد لوالب في جوف هذه الآلة الضخمة المسماة دولة، يقومون بمهام تتناسب وطبائعهم التي ولدووا بها، ينتجون وينجبون ويحاربون من أجل الدولة. فلا قيمة لرغباتهم أو مسراتهم أو أحزانهم أو عواطفهم إلا بما يحقق لهذه الأخيرة النظام والانسجام.

وفي العصر الحديث، يرفض «هيجل» بدوره التصور التعاقدي السابق لكونه يجعل غاية الدولة « خارجية » عندما يحصرها في تحقيق السلم والحرية وحماية ممتلكات الأفراد. فالدولة بهذا المعنى ستكون مجرد وسيلة لتحقيق أهداف خارجة عنها، أهداف يعتبرها «هيجل » خاصة بالمجتمع المدني، كمجال لإشباع حاجيات الأفراد اليومية والانتاج الاقتصادي وللتنافس بينهم في ظل تعارض مصالحهم الخاصة، في حين أن الدولة تمثل غاية في ذاتها بوصفها تجسيدا للمطلق. وككيان ينتزع الفرد من الخصوصية والأنانية ليسمو به إلى مستوى الكونية ويحقق اكتماله الأخلاقي، وذلك لأنها هي الجوهر الأخلاقي وقد وصل إلى الوعي بذاته.

نخلص إلى أن هيغل يقدم الدولة على الفرد ويجعلها سابقة على الأسرة والمجتمع المدني نفسيهما لأن فكرتها محتوية لهذين العنصرين معا : ففي حضن الدولة فقط تستطيع الأسرة أن تتحول إلى مجتمع مدني.

ويبدو أن الماركسية لم ترث عن الهيغيلية منهجها الدياليكتيكي فحسب، بل تصورها الكلياني للدولة بإسم أولوية الجماعة على الفرد، وانتهت إلى صهر هذا الأخير وإلغائه لصالح الدولة وأجهزتها البيروقراطية والبوليسية : لقد غدت الدولة فعلا غاية في ذاتها وهذا ما تجلى واضحا في بعض الأشكال الواقعية للدولة في الكثير من البلدان الاشتراكية ودول العالم الثالث.


هكذا نستشف في الأخير أن الدولة وسيلة فعالة وأداة ضرورية لاستقرار المجتمع واستمراره، وهذا ما أكدت عليه نظرية العقد الاجتماعي، وفي مقابل هذا التصور البراغماتي يرى آخرون أن الدولة غاية في ذاتها ولا تقتصر وظيفتها على حفظ الأمن وضمان الإستقرار، بل إنها تمثل عقل الأمة، وتعبر عن قيم المجتمع ومصالحه، ولعل من المنصف القول أن الدولة تبقى أهم وسيلة للاستقرار الإجتماعي وهذا لا يتناقض مع كونها غاية في ذاتها، تسمو على كل الغايات الفردية والمصالح الشخصية.


المصدر: كرونو باك الثانية باكالوريا مادة الفلسفة

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/