تحليل السؤال الفلسفي هل الشخص حر - الشخص بين الضرورة والحرية

ProfSalmi مارس 16, 2024 مارس 27, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: يحيل الوضع البشري إلى الوجود الإنساني الذي يتحدد من زاويتين موضوعية وذاتية، فالإنسان موجود في العالم كما يقول مارتن هايدجر... هل الشخص حر؟
-A A +A



منهجية السؤال الفلسفي الشخص بين الضرورة والحرية

" هل الشخص حر؟ "

انجاز الاستاذ : عبد الحق ورغوص؛ ثانوية الحسن الثاني التأهلية.


نموذج تحليل سؤال فلسفي الشخص بين الضرورة والحرية

مطلب الفهم

يحيل الوضع البشري إلى الوجود الإنساني الذي يتحدد من زاويتين موضوعية وذاتية، فالإنسان موجود في العالم كما يقول مارتن هايدجر ويعيش مع الآخرين ضمن علاقات عمل وانتماء ويخضع لقيود يضعها المجتمع، كما أنه معرض للاستلاب والاستغلال والموت، ومن جهة ثانية فإن هذا الإنسان يمتلك العقل والوعي والإرادة ويستطيع أن يقيم مسافة بينه وبين الحدود القبلية والبنيات التي تحاول استلابه وتسعى دوما إلى تحويله إلى شيء آخر. أمام هذا الوضع البشري المعقد وامتدادا للمفارقة السابقة يطرح السؤال موضوع التحليل مشكلة الحرية كموضوع فلسفي حظي باهتمام الفلسفة والعلوم الإنسانية وهو ما يمكن تناوله من خلال التساؤلات التالية: 

أين يتموقع الشخص بين مقولتي الضرورة والحرية؟ هل الشخص حر في بناء شخصيته واختيار ميولاته وسلوكاته، أم أنه خاضع في ذاك لمجموعة من الإكراهات؟ هل الحرية الإنسانية مطلقة أم نسبية؟


مطلب التحليل

ليس الشخص فلسفيا، هو ذلك السواد الذي تراه من بعيد وله ارتفاع وظهور، كما أنه ليس مجرد قناع يضعه الممثل على وجهه لكي يتقمص الدور المسند إليه في المسرحية، فالتعريف الأول الذي تقدمه اللغة العربية يشير إلى البروز والظهور (عيناه شاخصتان أي ظاهرتان و بارزتان) أما التعريف الثاني المشتق من اللغة اللاتينية persona فيشير إلى التخفي. وبالتالي فالشخص هو ما يظهر أو يتشخص، وفي نفس الآن ما يتنكر ويتوارى ويبتعد عن الواقع. أمام هذا الاختلاف في الدلالة والمعنى المعجميين والتباس الفهم نلتجئ إلى التفكير الفلسفي كتفكير يحلل ويناقش ويقلب المعطيات على وجوهها المختلفة نحو فهم أعمق. حيث نجد أن الأمر يتعلق بمفهوم، وليس كلمة أو لفظا أو مصطلحا، يحيل على كائن يتميز بالوعي والعقل والإرادة ومسؤولية الاختيار، ويختلف عن مفهوم الشخصية الذي يحمل معنى سيكولوجيا يحيل على البنيان النفسي الذي يميز الأفراد عن بعضهم البعض. كما يختلف المفهوم عن مفهوم الفرد الذي يحمل معاني الاستقلال والتفرد والواحدية في حين أن الشخص يحيل إلى الوحدة والهوية والكلية. ومما لا شك فيه أن الحرية خاصية جوهرية ملازمة للإنسان، فهي حق إنساني وقيمة إنسانية عليا، وتعني استقلال الذات قولا وفعلا وعدم تبعيتها أو خضوعها لأية إكراهات خارجية. والحرية حريات حرية اللباس حرية المعتقد، حرية الانتماء، حرية التملك، حرية التنقل، حرية التعبير ... فهل الشخص حر في اختيار عقيدته أو لباسه أو انتمائه أو التعبير عن رأيه.... أم أنه مجرد وسيلة في يد الضرورة؟


يضعنا السؤال الإشكالي إذن "هل الشخص حر؟ " أمام أطروحة مفترضة ترى أن الشخص حر في تصرفاته وأفعاله وما يقوم به من اختيارات، فهو حر في أن يختار أصدقاءه ومهنته وآفاقه وعقيدته ويمتلك ما يريد ويترك ما لا يريد، إنه ليس بتابع أو خاضع أو عبد. إنه ذات واعية وبواسطة العقل والإرادة تستطيع ترك بصماتها وأثرها على العالم وبقوة. إن هذا الرهان على حرية الشخص وقدرته على الفعل والاختيار له ما يبرره، فبرجوعنا إلى التاريخ الإنساني نجد الإنسان يتحدد باعتباره فاعلا تاريخيا استطاع عبر مسار تطوره التاريخي، أن يحدد هويته بصفته فاعلا تاريخيا عبر وعي تاريخي يربط الحاضر بالماضي من أجل المستقبل، ويربط الغاية بالوسائل حسب مبدأ عقلاني جعل الإنسان يسيطر على الطبيعة ويصبح سيدها وهنا نستحضر دفاع الفيلسوف الفرنسي ديكارت عن حرية الإنسان وهو ما صرح به بشكل واضح في مؤلفه "تأملات فلسفية" حيث قال: " إن الحرية هي أعظم كمال للإنسان، وأنها هي التي تجعله خليقا بالمدح أو الذم... وبما أن الإرادة متسعة المدى بطبيعتها فإنها لمزية عظمى أن تكون لنا القدرة على العمل بواسطتها، أي العمل بحرية، وأن نصبح بذلك سادة أفعالنا، ومن ثم جديرين بالمدح عندما نحسن قيادتها ". في نفس المنحى أكد رائد الوجودية الفيلسوف الفرنسي "جان بول سارتر" أن وجود الإنسان يسبق ماهيته، ذلك أن الإنسان يوجد أولا: ينبثق في العالم ويلاقي ذاته ثم يتوجه بعد ذلك نحو تحقيق ماهيته، إنه مشروع حر يعاش بكيفية ذاتية، فهو ليس شيئا آخر غير ما يصنعه بنفسه. إن الشخص حر في اختياراته حسب "سارتر" مادام متسلحا بالعقل والإرادة ومسؤول عن وجوده الخاص والعام. يقول سارتر في كتابه "الوجودية مذهب إنساني": "فاختياري لنفسي هو اختيار للإنسان".


مطلب المناقشة

تكمن قيمة الأطروحة المفترضة في السؤال والأطروحات التي شكلت خلفيتها الفلسفية في رهانها على حرية الشخص وقدرته على التصرف والاختيار وهو ما يجعل كل إنسان يحس بأنه شخص وليس مجرد آلة ميكانيكية أو حيوانا يتحرك بفعل الغريزة، لكن هذا الشعور بالحرية لا ينبغي أن ينسينا أننا كائنات محكومة بإكراهات خارج إرادتنا، ذات طابع بيولوجي اجتماعي ثقافي، وهو الأمر الذي نبهت إليه جل العلوم الطبيعية منها والإنسانية، في هذا السياق يرى رائد التحليل النفسي الطبيب النمساوي "سيغموند فرويد" أن الأنا مضطر لأن يخدم ثلاثة من السادة الأشداء وهؤلاء السادة المستبدون هم: القوى الغريزية والمثل الأخلاقية وضغوط العالم الخارجي. إن الإنسان في نظر فرويد كتلة من الغرائز هدفها الوحيد هو تحقيق الإشباع إلا أن المجتمع يرفض كل فعل لا يتماشى مع قيمه وضوابطه، وبالتالي يفرض كبت الغرائز وقمعها والتسامي بها على مستوى اللاشعور وانتظار الوقت المناسب لتحقيقها. وإلا فإن اختلال التوازن والتوفيق بين متطلبات السادة الأشداء ينجم عنه الإصابة بالأمراض النفسية.


 وإذا عدنا إلى المقاربة الفلسفية للموضوع نجد الفيلسوف الهولندي" اسبينوزا " يرى أن أفعال الإنسان محكومة بضرورات طبيعية، فالناس يعتقدون أنهم أحرارا في أفعالهم وأنهم يتصرفون وفق إرادتهم واختيارهم، لاسيما أنهم يكونون على وعي بما يقومون به، إلا أن الحقيقة بخلاف ذلك؛ فالناس يجهلون الأسباب الحقيقية لأفعالهم ورغباتهم والتي تحددها بشكل طبيعي وحتمي. إن التجربة تبين حسب اسبينوزا أن الناس لا يستطيعون التحكم في شهواتهم بما فيه الكفاية؛ ذلك أنهم غالبا ما يدركون الأفضل ومع ذلك يفعلون الأسوأ وينتابهم الندم من جراء ذلك. وفي هذا السياق يقدم اسبينوزا أمثلة تتعلق برغبة الرضيع في حليب الأم، وبحالة الغضب التي تنتاب الشاب وهو يريد الانتقام، وبرغبة الجبان في الفرار، لكي يبين لنا من خلالها أن هؤلاء وغيرهم من الناس يظنون أنهم أحرار أثناء قيامهم بتلك الأفعال وغيرها، إلا أن واقع الأمر عكس ذلك، فهناك أسباب خفية تقف وراء أفعالهم وتوجهها. هكذا فمن الوهم الاعتقاد حسب اسبينوزا بأن الإنسان حر نظرا لجهله بالأسباب التي تحرك أفعاله وأقواله وهي أسباب لا تخرج عن إطار الحتمية الطبيعية التي تخضع لها جميع الأشياء، لكن إذا كان اسبينوزا يلغي الشعور بحرية إرادة الإنسان، فهو يدعونا إلى ممارسة حرية أخلاقية تتم بقبول ضرورة الكون وضرورة الطبيعة الإنسانية، وذلك بمعرفة أن كل ما يحدث لنا كان ضروريا، فنريد الحياة ونتأملها بدلا أن نخاف من الموت، ونحرر أنفسنا من الأهواء والرغبات بواسطة عقولنا، وإن كان هذا القول لا ينفي وجود الضرورة وتحكمها في أفعال الشخص، يقول اسبينوزا: " أسمي عبودية عدم قدرة المرء أن يتحكم في نزواته، فالمرء الذي لا يتحكم في نزواته ويخضع لسطوتها هو المرء الذي لا ينتمي إلى ذاته، بل إلى ما قد يطرأ ".


مطلب التركيب

من نتائج التحليل والمناقشة يبدو أن إشكالية الشخص بين الضرورة والحرية إشكالية شغلت بال الفلاسفة وعلماء الإنسان، ذلك أن الشخص ليس بالكائن البسيط، فهو كائن مركب يتداخل في تحديده البعد البيولوجي والبعد النفسي والبعد الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي، إنه حفنة من المواد الكيميائية ركبت بطريقة بارعة كما يقول الكيميائيون، وكائن بيو - ثقافي كما يقول إدغار موران، ووحدة متكثرة وكثرة واحدة كما يقول هنري برغسون، وكتلة من الغرائز كما يقول فرويد. فهناك حقا طبيعة بشرية برغباتها وميولها وعواطفها التي لا يمكن إنكار وجودها ونفي حتمياتها، هناك المجتمع بأنواع قسره وضغطه، والغير القريب أو البعيد الذي يمارس ضغطه، والشخص باعتباره ذات مفكرة قادرة على الوعي بهذه الحتميات، والتعامل معها لا كمجرد منفعل وإنما كفاعلية وإرادة ومسؤولية تتجاوز هذه الحتميات، لكن التجاوز النسبي. فبإمكان الشخص التحرر من طبيعته البشرية بإعلائها وهو ما تجسد مع الموقف الشخصاني لموني حيث اعتبر أن الحرية ليست ماهية مجردة ومطلقة، وإنما هي خاصية وقيمة تكشف عن قدرة الإنسان على مواجهة وضعه الوجودي المعقد والمركب والتحرر تدريجيا من الإكراهات داخل ما يواجهه من وضعيات ومواقف وهذا ما يصطلح عليه "بالتشخصن" وهو فعل مميز للإنسان وحده شريطة امتلاك الوعي الكافي لفهم وإدراك هذه الإكراهات.


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/