منهجية تحليل قولة فلسفية مجزوءة السياسة طبيعة السلطة السياسية

ProfSalmi مارس 26, 2024 مارس 28, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: « لا حرية إذا لم تفصل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ». إن الحديث عن دولة المؤسسات وعن مبدأ سيادة القانون وعن المشروعية في دولة
-A A +A
قولة في طبيعة السلطة السياسية الثانية باكالوريا


موضوع فلسفي حول طبيعة السلطة السياسية الثانية باك

« لا حرية إذا لم تفصل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ».

اشرح مضمون القولة، ثم بين أبعادها.


نموذج تحليل قولة فلسفية حول طبيعة السلطة السياسية

إجابة مقترحة

إن الحديث عن دولة المؤسسات وعن مبدأ سيادة القانون وعن المشروعية في دولة لا يوجد فيها قضاء مستقل يصبح ضربا من العبث. والحقيقة أن هذه الأمور جميعا مرتبطة ارتباطا وثيقا لا ينفصم.. فحيث يوجد إيمان بمبدأ المشروعية وسيادة القانون وحيث يوجد الدستور.. فإن السلطة القضائية المستقلة تأتي كنتيجة طبيعية. أما عندما يختفي مبدأ المشروعية وعندما لا يكون هناك إيمان بمبدأ سيادة القانون.. فانه لا يمكن تصور وجود سلطة قضائية مستقلة في مواجهة الحكام التنفيذيين.

كذلك فإن الدولة الحديثة تقوم علي نوع من التوازن بين السلطات المختلفة داخل الدولة.. هذا التوازن يقتضي أن تستقل كل سلطة عن الأخرى وأن تحد كل سلطة من جموح السلطات الأخرى عندما يحدث ذلك. ومن هنا قيل أن استقلال السلطة القضائية هو فرع من مبدأ الفصل بين السلطات. في نفس السياق يندرج مضمون القولة التي بين أيدينا، إذ تتأطر عموما ضمن مجزوءة السياسة، وتعالج الإشكالات المتعلقة بطبيعة السلطة السياسية.

وتثير القولة التي نحن بصدد تحليلها ومناقشتها الإشكالات التالية :

- ألا يهدد تمركز السلط في يد واحدة أمن وحرية المواطنين ؟

- وهل لضمان السلم والأمن ينبغي توحيد السلط في يد واحدة تحكم بقبضة من نار وحديد ؟ أم يجب الفصل بينها ؟


بغية الإجابة عن هاته الإشكالات تقدم القولة أطروحة عامة لا يمكن فهمها دون وقوف عند أهم المفاهيم التي تؤسسها وهي في جملتها مفاهيم تنتمي إلى الحقل السياسي كمفهوم الحرية السياسية، ومفهوم السلطة ومفهوم فصل السلط، ومفهوم السلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.


إن الحرية في معناها السياسي تتحدد في أن يتصرف المواطن وفق ما تسمح به القوانين والأنظمة السائدة، إذ كل تصرف يحصل خلافا لذلك يعرض الحريات للضرر والتلف، أما السلطة فتعرف في الأبجديات السياسية بالتمكن والإستئثار بالقوة، وبالقدرة على التوجيه نحو اتجاه معين من السلوك الإجتماعي، فالسلطة هي ثمرة القوة والقدرة على الإجبار بهدف توجيه سلوك الآخر. ولمنع إساءة السلطة ضمانا للحرية فانه يجب أن توقف السلطة سلطة أخرى، ووجود التقسيم لوظائف الدولة بين سلطات متعددة، ومن ثمة لابد من أن تتمايز السلط إلى 3 : السلطة التشريعية وهي سلطة لتشريع القوانين ويمثلها مجلس النواب أو ما يشابهه / السلطة القضائية تبث في إصدار الأحكام وتمثلها المحكمة بجميع أنواعها / السلطة التنفيذية هي التي تنفذ ما ينتج عن السطلة التشريعية والقضائية وتمثلها الحكومة. وهذا الفصل هو ما أطلق عليه الفكر السياسي مبدأ فصل السلط بما هو آلية من أهم آليات النظام الديمقراطي حيث يوفر التوازن المطلوب في ممارسة الحكم. يهدف هذا المبدأ إلى عدم تركيز السلطات الثلاث، عند شخص واحد أو فئة أو هيئة.


إن المفاهيم السالفة الذكر تنتظم في حلقة مترابطة لتشكل أطروحة مركزية.. تؤكد على انتفاء شرط الحرية السياسية في غياب تطبيق مبدأ فصل السلط، وفي انعدام جهاز قضائي مستقل ونزيه.

وقد توسل صاحب القولة ببنية حجاجية اعتمدت على توظيف أسلوب القصر، حيث قدم جواب الشرط (لاحرية) على الشرط (إذا لم تفصل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية)، كم أن القولة استهلت ب (لا) النافية للجنس، لكي تنفي إمكانية تحقق الحرية في غياب تطبيق فصل السلط.

ولتعزيز أطروحة صاحب القولة يمكن أن نشير إلى الخطاب الملكي بتاريخ 9 مارس 2011 الذي شدد بدوره على جملة إصلاحات دستورية من بينها تفعيل مبدأ فصل السلط والحق في قضاء نزيه ومستقل. وهذا ضمانا للحرية السياسية وتوطيدا لدولة المؤسسات، وهو ما تمت بلورته في الدستور الجديد.


إذا تبين لنا هذا يمكننا الآن ان نتساءل : أين تكمن القيمة الفلسفية للقولة المدروسة ؟

تكتسب هذه القولة قيمتها من كونها تنتظم ضمن الصيحات التي دوت في سماء أوربا إبان عصر الأنوار منادية بجملة مبادئ كالعدالة والحرية والمساواة، كما أنها تؤسس لمبدأ له قيمته في مجال فقه القانون : مبدأ يقرن الحرية السياسية بفصل السلط والقضاء المستقل.

وتجد القولة دعامتها بشكل واضح في موقف الفيلسوف الفرنسي صاحب كتاب (روح القوانين) شارل مونتسكيو الذي حذر بدوره من مغبة تمركز السلط كلها بين يدي شخص واحد أو في هيئة عظماء أو نبلاء واحدة، أو في يد الشعب وحده في يد الشعب وحده، لأن كل شيء سيتعرض للضياع.

ولهذا اقترح مبدأ فصل السلط وميز «مونتسكيو» بين ثلاث أنماط من السلط : 

السلطة التشريعية : تختص بوضع القوانين كما تصحح القوانين الموضوعة سابقا أو تلغيها.

السلطة التنفيذية المتعلقة بحقوق الناس : تقوم بإقرار الحرب أو السلم وترسل أو تستقبل السفراء، تعمل على استتباب الأمن وحماية البلد من الاعتداءات. إنها السلطة التنفيذية للدولة بمعنى ثان.

السلطة التنفيذية المتعلقة بالحق المدني والتي تصدر الأحكام : تعاقب مرتكبي الجرائم أو بمعنى آخر، تكون حكما في النزاعات التي تنشأ بين الأفراد.

إن الحرية السياسية بالنسبة للمواطن هي طمأنينة النفس، حيث لا يخاف أي مواطن من أي مواطن آخر.

لذلك يحذر «مونتسكيو» من خطر تجمع السلطة التشريعية والتنفيذية في يد شخص واحد الذي لا يعود معه مكان للحرية، لأنه قد يقوم الملك أو مجلس النواب بصياغة قوانين استبدادية.

لكن إلى أي حد يصمد الرأي المعلن عنه أمام معول النقد المسلط عليه من طرف الآراء المعارضة ؟


إن هذا الموقف يتعارض مع عدة مواقف فلسفية من بينها موقف كل من طوماس هوبز وميكيافيلي، حيث دعا كل واحد منهما إلى تمركز السلط في يد حاكم قوي مستبد عادل ( هوبز)، أو حاكم يجمع ما بين القوة والمكر (ميكيافيلي)، لكن موقف الفلسفة المعاصرة ممثلا في موقف ميشيل فوكو ذهب إلى حد بعيد الذي رفض اختزال السلطة في الدولة وأجهزتها وتصور فوكو للسلطة يتموضع على أنقاض نظريات التعاقد والسيادة والحق، وكذلك التصور الماركسي للسلطة. إذ لا ينبغي النظر إليها كملكية في يد جهاز، أو طبقة، أو فئة أو فرد. لأن السلطة هي نتاج لاستراتيجيات الصراع الدائر بين القوى المشكلة للمجتمع، وهي ليست متمركزة، ولا تصدر من مكان محدد وخاص بها، إذ هي تمثل مختلف علاقات القوة. لذلك فهي بقدر ماهي متكوثرة ومتعددة، فهي أيضا متشظية ومنبثة في كل العلاقات الاجتماعية والرّمزية. كما أنها لا تفرض من القمة على القاعدة، وإنما مصدرها العمق والتحت، وهي منتشرة بمختلف نقط النسيج الاجتماعي. يقول فوكو في هذا الصدد:

«إن السلطة بما هي علاقات قوة فهي تنبع من الأسفل وليس مصدرها الفوق، وهي لا تنطلق من القمة إلى القاعدة، كما أنها لا تختزل إلى ثنائية العلاقة : مهيمن (بكسر الميم) ومهيمن (بفتح الميم عليه)».

إن السلطة هي نتاج لصراع لا يتوقف ولا ينتهي، كما أنها متحرّكة وليست مستقرة، إذ الصراع مستمر ودائم من أجل السلطة وبواسطتها. وامتلاك السلطة تتحكّم فيه شروط كثيرة متغيّرة، واستراتيجيات متقلبة. لهذا فهي تتحدّد كعلاقات متغيرة بين قوى.

إن السلطة بهذا المعنى لا تنضبط بما هو سياسي، بل تتجاوز باستمرار مجال السياسي وتخومه. وهذا يعني أنّ السلطة غير قابلة للاختزال إلى الدولة - كما ترى الماركسية - لأنّ الدولة ليست وحدها التي تحتكر السلطة، لأنّ هذه الأخيرة كما سبقت الإشارة إلى ذلك، لا مركز لها، كما أنها متشظية ومبعثرة في كل أنحاء الجسد الاجتماعي. فهي توجد على صعيد الفرد الواحد، والمعرفة، والخطاب، والسلوك، كما توجد على صعيد الأسرة والمدرسة والمستشفى والقيم.. إلخ.


إن هذا الطابع الميكروفيزيائي للسلطة يثبت تهافت التصورات السياسية التي تختزلها في أجهزة الدولة. إذ السلطة شبكة لا مركز لها، ولا تتجسّد في أي جهاز محدّد حتى ولو كان ذلك الجهاز هو الدولة نفسها.

هكذا ننتهي في الأخير إلى تبني أطروحتين :

- أطروحة أولى عبرت عنها القولة مؤازرة بموقف مونتسكيو تصادر على ضرورة الفصل بين السلط داخل الدولة، حيث ينبغي في نظره استقلال السلطة التشريعية عن التنفيذية عن القضائية والفصل بينهما. والهدف من هذا الفصل والتقسيم هو ضمان الحرية في كنف الدولة.

وفي المقابل تصورات أخرى تدعو إلى تمركز السلطة في يد حاكم أو هيئة واحد تحكم بقبضة من نار وحديد.


لكن الفلسفة المعاصرة رفضت التصور الذي يحصر السلطة في مجموعة من المؤسسات والأجهزة، حيث سيبلور ميشيل فوكو تصورا أصيلا للسلطة. إذ يرى أنها ليست متعالية عن المجال الذي تمارس فيه، بل هي محايثة له. إنها الاسم الذي يطلق على وضعية استراتيجية معقدة في مجتمع معين تجعل مفعول السلطة يمتد كعلاقات قوة في منحى من مناحي الجسم الاجتماعي.


المصدر : كرونو باك مادة الفلسفة الثانية باك

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/