تحليل ومناقشة سؤال فلسفي حول الظاهرة الاجتماعية الثانية باك

ProfSalmi مارس 20, 2024 مارس 20, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: " الظاهرة الاجتماعية روحية، ولذلك وجب تأويلها لا تفسيرها " . حدد (ي) أبعاد القولة وحدودها مبرزا (ة) كيف نفهم الظاهرة الاجتماعية؟
-A A +A

 


منهجية تحليل السؤال الفلسفي حول الظاهرة الاجتماعية الثانية باكالوريا

إنجاز الأستاذ الشرقي المعانيد؛ ثانوية الداخلة التأهيلية

" الظاهرة الاجتماعية روحية، ولذلك وجب تأويلها لا تفسيرها " .

حدد (ي) أبعاد القولة وحدودها مبرزا (ة) كيف نفهم الظاهرة الاجتماعية؟


نموذج تطبيقي

مطلب الفهم

تشكل المعرفة العلمية ذلك البناء الجدلي بين ذات دارسة وموضوع مدروس ومنهج للدراسة، وتختلف المعرفة العلمية باختلاف مجالاتها ومستويات البحث التي تخوضه، وقد عمل الإنسان منذ نشوءه وعبر مراحل تطوره وبفضل العقل أن يشيد صرحا من العلوم، يأتي على رأسها العلوم التجريبية التي بلغت مستوى هائل من الموضوعية، ولما أغرته نتائجها، تحول إلى البحث في ذاته مغيرا بذلك طبيعة الموضوع المدروس، فبعدما كان خارج الذات، أضحى هو الذات نفسها. وهذا ما يعرف بالعلوم الإنسانية التي تدرس الظواهر الاجتماعية على مختلف صنوفها وأنواعها. ولما كانت الظاهرة الاجتماعية روحية وتختلف جذريا عن الظاهرة الطبيعية، فهذا الاختلاف يطرح أسئلة مقلقة وحرجة على مستوى المنهج. فقد يقول قائل بأن الظاهرة الاجتماعية نفسرها ويرد عليه آخر بأننا نفهمها ونعمل على تأويلها. وهذا الأمر يطرح مسألة التفسير والفهم في العلوم الإنسانية كمشكل حقيقي تثيره القولة. أمام هذه المفارقات ينبع الإشكال الذي نصيغه على النحو التالي: 

ما المقصود بالظاهرة الاجتماعية؟ وكيف تعتبر الظاهرة الاجتماعية روحية؟ ما المقصود بكل من التفسير والتأويل؟ وهل تخضع الظاهرة الاجتماعية للتأويل أم للتفسير؟


مطلب التحليل

لمعالجة الإشكال الذي تثيره هذه القولة، يقتضي الأمر من الناحية المنهجية أن نقف عند أبرز مكوناتها محددين دلالة ومعاني هذه المكونات من خلال الشرح والتوضيح، فالظاهرة الاجتماعية تعني كل طريقة في الفعل، ثابتة وقادرة على ممارسة إكراه خارجي على الفرد، وتكون عامة في المجتمع ومستقلة عن كل مظاهرها الفردية. ويدل لفظ روحية على كل ما هو داخلي في الإنسان غير مرئي طبعا، كالوعي والمشاعر والأحاسيس بحيث لا يمكننا ملاحظتها بشكل مادي، فالروح هنا توضع في مقابل الجسد على سبيل التوضيح، أما التأويل فعيني أعلى درجات استعمال العقل لقراءة ما يخفيه الخطاب بين ثناياه، ويعني التأويل في درجة متقدمة، الفهم الصحيح للفعل الإنساني لإعطائه دلالة ومعنى.

أما التفسير فيعني ذلك الربط السببي لحدوث الظاهرة، أكانت طبيعية أم اجتماعية. كما يعني التفسير ذلك المنهج الذي اعتمدته العلوم التجريبية والذي ينطلق من الملاحظة وتليها الفرضية مرورا بالتجربة وأخيرا القانون الذي يصير نظرية علمية، والتفسير يرتبط أساسا بالتنبؤ.


تتبنى القولة أطروحة مفادها أن الظاهرة الاجتماعية موضوع فهم وتأويل لأنها خفية وروحية ومطبوعة بعناصر خفية كالوعي، وبالتالي يصعب على منهج التفسير مقاربتها لصعوبة عزلها، فالفعل الإنساني يفهم ويخضع لتأويلات عدة، ويستعصي تفسيره وقياسه بشكل دقيق. إن العلاقة بين التفسير والفهم على المستوى المفاهيمي هي علاقة تضاد وتنافر، لأن لكل من المنهجين طريقته الخاصة في معالجة مواضيعه. إن ما يجعل الظاهرة الإنسانية صعبة على مستوى الدراسة هو ارتباطها بعنصر الوعي، ذلك المحدد الإنساني الخفي الذي قال عنه الأنتروبولوجي الفرنسي كلود ليفي ستراوس: "إن العدو الخفي للإنسان هو الوعي ". في إشارة قوية على أن دراسة الإنسان للإنسان مسألة غاية في التعقيد والصعوبة، نظرا لتداخل الذات مع الموضوع. ورغم ما يطرحه موضوع العلوم الإنسانية من صعوبات على مستوى المنهج تحديدا، فإن رواد علم الاجتماع في القرن العشرين تحديدا رفعوا تحديا قويا كان أبرزه ذلك الاتجاه الذي دافع عن منهج ا التأويل والفهم في معالجة الظاهرة الإنسانية بما يقتضيه الفعل الإنساني من تأويل وفهم بدل التفسير. ويأتي على رأس هذا الاتجاه، عالم الاجتماع الألماني فلهلم دلتاي الذي أرسى المعالم الأساسية لما سيعرف بالمنهج التفهمي التأويلي، ووصف الظاهرة الإنسانية على أنها مفعمة بالحياة والحركية وأننا نفسر الطبيعة لكننا نفهم ظواهر الروح.

يقول دلتاي في هذا الصدد: " المناهج التي ندرس بها الحياة الروحية والتاريخ والمجتمع تختلف عن المناهج التي تقود إلى معرفة الطبيعة". إن القولة التي نحن بصدد تحليلها تسير وفق ما ذهب إليه دلتاي وبشكل دقيق جدا، فالإنسان يفهم عبر ما ينتجه من أفعال التي بدورها تخضع لتأويل تفهمي. فإلى أي حد استطاع منهج التأويل بلوغ الموضوعية في مقاربة الظاهرة الإنسانية؟


مطلب المناقشة

قد يصدق الأمر في تأويل الفعل الإنساني في كثير من الأحيان خصوصا في علم النفس التحليلي والوصفي، إلا أنه في دراسة بعض الظواهر الاجتماعية يصعب تطبيق منهج التأويل ويضحى التفسير سيد الموقف، وهذا ما أكد عليه عالم الاجتماع إميل دوركهايم في كتابه الانتحار في جزئيه الأول والثاني. إن الظاهرة الاجتماعية حسب دوركهايم يجب معالجتها باعتبارها أشياء حتى يتم عزلها وملاحظتها، وبالتالي توفر لنا كل شروط نجاح التجريب العلمي. "فالواقعة الاجتماعية وفق نفس التصور، هي كل طريقة في الفعل ثابتة أولا، وقادرة على ممارسة إكراه خارجي على الأفراد، ثانيا تكون عامة في المجتمع ومستقلة عن كل تجلياتها الفردية ".


ومن جهة أخرى يرى الابستيمولوجي وعالم النفس السويسري "جون بياجي" أن هناك صعوبة تعترضنا في دراسة الظاهرة الإنسانية تتمثل في امتزاج الذات بالموضوع، وأن الباحث لا يستطيع أن يتخلى عن قيمه و أفكاره في سبيل إمداد غيره بحقائق قد لا تكون في مصلحته. يقول بياجي: " تكمن الوضعية الابستيمولوجية في علوم الإنسان في كون الإنسان ذاتا وموضوعا، بل وذاتا واعية ومكتملة وقادرة على أنواع كثيرة من الترميز، مما يجعل الموضوعية و شروطها الأولية المتمثلة أساسا في إزاحة تمركز الذات حول ذاتها تعترضها صعوبات .. فالعالم لا يكون أبدا عالما معزولا، بل هو ملتزم بشكل ما بموقف فلسفي أو إيديولوجي".

تتميز الظواهر الإنسانية بتعدد واختلاف مظاهرها كلما تحولنا من مكان إلى آخر، حيث تصطبغ بمميزات وخصائص السياق المنتج لها، في هذا الإطار تطرح مشكلة عمل العلوم الإنسانية، فالهدف الرئيس من وراء دراسة الظواهر هو معرفة العلاقة بين أسبابها ونتائجها، والبحث عن النتائج الموضوعية كلما أمكن الأمر ذلك. يؤكد "جيل غاستون غرانجي" أن دراسة الظواهر الإنسانية، يتطلب بدل الرغبة في تفسيرها التوجه نحو فهمها، وذلك بمحاولة تأويلها تبعا للدلالات والمعاني التي تفصح عنها، إلا أن هذا المسعى نفسه لا يجد طريقه إلى النجاح، بسبب تعامله مع الظاهرة بأبنية ثابتة وراسخة، مغيبا المعطيات الطارئة التي يمكن أن تظهر فيها. وفي نفس النقاش أكد" كلود ليفي ستراوس" من خلال تصور تركيبي على أنه بالرغم من الأهمية الكبيرة للتفسير و التنبؤ في العلوم الطبيعية، فإنه لا يمكن الجزم بإمكانية تطبيقهما في العلوم الإنسانية، ويرجع ذلك إلى أن كل محاولات التفسير أو التنبؤ المطبقة فيها، لم تسهم بالقدر الكافي في إيصال الباحثين إلى نتائج جيدة، ويكون بذلك قدرها هو الوقوف بين المنهجين معا، إذ لا ينبغي أن تغرض في التفسير أو تفرط في التنبؤ كذلك، وإنما يلزمها مراوحة الخطو بينهما. يقول ستراوس في هذا الصدد: " لا تفسر العلوم الإنسانية الظواهر تفسيرا نهائيا، و تتنبأ بيقين تام، غير أنه بتفسيرها المحدود للظواهر وبتنبئها غير الأكيد، يمكنها أن تقدم للذين يمارسون، انطلاقا من نتائجها، شيئا وسيطا بين المعرفة الخالصة و المعرفة النافعة، أي نوعا من الحكمة التي تسمح بتحسين الأداء، لكن من غير الفصل النهائي بين الفهم والتفسير". من هذا القول، نستنتج وفق ما ذهب إليه ستراوس، بأن البحث العلمي في العلوم الإنسانية يجب أن يمزج بين المنهجين معا التفسير والفهم، وذلك حسب طبيعة الظواهر الإنسانية المدروسة.


مطلب التركيب

تأسيسا على ما سبق، ومن معطيات التحليل والمناقشة، نستنتج بأن الظاهرة الاجتماعية بطبيعتها المتغيرة تطرح صعوبات كثيرة ومعقدة، لأنها زئبقية التركيب بتحديد ميشال فوكو، لذا فهي صعبة جدا على مستوى الدراسة والتحليل، في أفق بلوغ الموضوعية التي حققتها العلوم الطبيعية، لكن هذه الأخيرة هي نفسها تعرف تغيرا مستمرا، ولذلك فالمناهج التي تسعى العلوم الإنسانية إلى محاكاتها، هي نسبية أيضا وتتغير باستمرار. ولما كانت الظاهرة الاجتماعية روحية وواعية وجب التعامل معها بمنهج التأويل والفهم لما حققت هذه الطرق من نتائج باهرة على مستوى الإنتاج العلمي المتخصص. 

فكيف يمكن للعلوم الإنسانية أن تجاري تطور العلوم الأخرى بالرغم من حداثة سنها وبالرغم من أن العلوم بشكل عام تتغير عبر تطورها وفق مسار تصاعدي للمسك بخيوط الموضوعية؟

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/