موضوع فلسفي حول الدولة بين الحق والعنف
هل يؤدي وجود الدولة إلى زوال العنف ؟
الامتحان الوطني الموحد لسنة 2015 مسلك الآداب
منهجية تحليل سؤال فلسفي الدولة بين الحق والعنف
مقدمة
تعتبر الممارسة السياسية، ممارسة بشرية بامتياز، ويعد أفلاطون مؤسسا للفلسفة السياسية في التاريخ. فبعد إدانة أستاذه سقراط وإجباره على تجرع السم لا لشيء إلا لدوافع سياسية، اعتبر أفلاطون أن المشكلة الفلسفية ،الحقيقية هي مشكلة سياسية تتعلق بكيفية تدبير وتسيير شؤون المواطنين داخل جهاز الدولة كأعلى جهاز قادر على التصدي لصدام الإرادات سواء كانت أفرادا أو جماعات، بواسطة العنف المشروع والقانوني الذي يترجم الحق والعدالة كمثل عليا على أرض الواقع. والسؤال قيد الاشتغال ينصب في هذا الإطار، إذ يحاول أن يكشف عن الغاية من وجود الدولة وعلاقتها بالعنف والحق، من خلال التساؤلات الآتية:
ما الدولة ؟ و ما العنف؟ وهل يؤدي قيام الدولة إلى زوال العنف؟ و أي عنف تعمل الدولة على إزالته؟ وهل الدولة تقوم على القوة والعنف أما الحق والقانون؟
عرض : مطلب التحليل
يتضح لنا من خلال القراءة المتأنية للسؤال أن الدولة وجدت للقضاء على العنف ، لكن قبل تحليل عناصر السؤال والوقوف على شرح أطروحته ينبغي منا بداية الوقوف على دلالات مفاهيمه الأساسية، كمفهوم الدولة باعتبارها تنظيما سياسيا، وقانونيا للمجتمع عبر مجموعة من المؤسسات تؤدي وظائف متعددة. ثم مفهوم العنف باعتبار فعلا قصديا يقوم على القوة وينجم عنه إلحاق الأذى بالغير، بهدف إخضاعه والسيطرة عليه. وبالعودة إلى مضمون السؤال، وبعد إزالة أداة الاستفهام «هل» التي تفيد الإجابة بنعم أم لا، يتضح أنه يتضمن أطروحة مفترضة مفادها أن وجود الدولة يؤدي إلى زوال العنف. لأن غياب جهاز الدولة لا يعني سوى الفوضى، والإستقرار وهذه الأخيرة لتقوم بوظائفها تلجأ إلى ممارسة العنف لضمان استمراريتها لكنها تمنعه على الأفراد، فلا يحق لأي فرد ممارسة العنف، فمثلا أشكال الشغب والاحتجاجات والإضرابات غير المرخص لها ترى فيها الدولة ممارسات غير قانونية تسعى لتهديد الاستقرار الاجتماعي، ومن حقها التدخل بعنف للتصدي لكل أشكال الفوضى أو العنف الممارس من طرف الناس على بعضهم البعض، وتدبير الصراع بين الأفراد والجماعات حفاظا للمصلحة العامة، وضمانا للسلم والأمن ولكي تحقق الدولة هذه الغايات فإنها تعمل على الحد من عنف الأفراد ومنع انتشاره بينهم داخل المجتمع بممارسة العنف الشرعي والمشروع.
نستنتج من خلال تحليلنا أن الدولة هي الجهاز الوحيد القادر على منع الناس من ممارسة العنف. لكن إلى أي حد يمكن الاكتفاء بهذا التصور أم هناك تصورات أخرى ترى عكس ذلك؟
مطلب المناقشة وقيمة الاطروحة
تكمن أهمية الأطروحة المفترضة في السؤال وقيمتها في تأكيدها على أن وظيفة الدولة وغايتها داخل المجتمع هي القضاء على العنف الممارس من طرف الأفراد بواسطة عنف شرعي. ولعل ما برز من تصورات تدعم هذا التصور نجد الفيلسوف "ماكس فيبر" الذي يرى أن الدولة كأعلى نظام سياسي يرتبط بممارسة العنف المادي المشروع ولا يمكنها أن تستغني عنه، فهو الأداة الأساسية التي تحقق بها غايتها، ووحدها لها الحق في ممارسته، وتمنعه على الأفراد، وكل ممارسة للعنف خارج قوانين الدولة وسلطتها سيكون فوضى، وبذلك يكون عنف الدولة وسيلة لتدبير شؤون المواطنين ومنعهم من القيام بأعمال العنف، وليس غاية في ذاته.
لكن على الرغم من سعي الدولة إلى التصدي للعنف وإزالته، إلا أنها تحتكره كي تضمن بقاءها، لذلك مهما كان ضروريا وشرعيا فيبقى غير مبرر ومدان أخلاقيا، فلا يمكن مواجهة العنف والقضاء عليه بالعنف، بل ينبغي مواجهته بالعقل والفكر والسلام وفي هذا الصدد يذهب الفيلسوف والزعيم "غاندي" الذي يرفض العنف مهما كان شكله أو غايته، ما دام لا يعمل سوى على نشر الحقد والكراهية. إنه سلوك لا أخلاقي ولا يمكن أن يساهم في بناء أي شيء، لذلك ينبغي أن نواجه العنف بالسلام والمحبة والأخلاق والعقل، فالعنف لا ينبغي مواجهته بالعنف. بل باللاعنف بكونه الغياب التام للنية السيئة.
وهو سعي لنشر قيم الصداقة والحب، إنه كفاح ضد اللاأخلاقية بذهنية أخلاقية روحية، فمواجهتي لشخص يحمل سيفا لا يجب أن تكون بحمل سيف أكثر منه مضاء، بل بتغيب أمله في المواجهة التي تفرض عليه التخلي عن منطقة العدوانية.
خلاصة تركيبية
نستنتج مما تقدم في هذا التحليل، وما تبعه من نقاش، أن غاية الدولة هي وضع حد للعنف الذي قد يصدر عن الأفراد داخل المجتمع، وذلك بممارسة العنف الشرعي الذي يجعله عنفا مقبولا ومبرراً من طرف المجتمع. لكن بالرغم من ذلك يبقى هذا العنف غير مقبول أخلاقيا واجتماعياً ويتعارض مع حقوق الإنسان، لذلك ينبغي القضاء على العنف باللاعنف.
إذا كان من السهل القول أن غاية الدولة هي القضاء على العنف وفك الصراعات والاضطرابات لحفظ النظام العام والدفاع عن المصلحة العامة. مما يبرر اللجوء إلى العنف، فإن هذا الأخير يمس بحقوق الناس الطبيعية كالحق في الحياة والكرامة، لذلك ينبغي اللجوء إلى الآليات المؤسساتية كعلامة على الرقي والتحضر، التي تنجح في تحييد اللجوء إلى العنف. وإذا اعتبرنا عنف الدولة مشروعا، فكيف نمارس هذا العنف دون المساس بكرامة الإنسان وسلامته الجسدية؟
إرسال تعليق