تحليل قولة فلسفية مجزوءة المعرفة مفهوم النظرية والتجربة

ProfSalmi فبراير 07, 2024 أبريل 27, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: « يمكن اختبار علمية نظرية ما بواسطة التجربة، غير أن طريق التجربة لا يقودنا إلى إبداع النظرية ».بين (ي) انطلاقا من القولة طبيعة العلاقة بين النظرية
-A A +A

تحليل قولة فلسفية حول طبيعة العلاقة بين النظرية والتجربة



نموذج مصحح لقولة فلسفية مفهوم النظرية والتجربة

« يمكن اختبار علمية نظرية ما بواسطة التجربة، غير أن طريق التجربة لا يقودنا إلى إبداع النظرية ».

بين (ي) انطلاقا من القولة طبيعة العلاقة بين النظرية والتجربة.


مطلب الفهم

يتميز الوجود الإنساني، بأنه وجود معرفي، ينتج أفكارا ومعارف ونظريات، وتجسد المعرفة سعي الإنسان الحثيث نحو فهم علل ومبادئ وأصول الكون. في هذا الصدد، انقسمت المعرفة إلى شق عقلي نظري، وشق اختياري تجريبي، مما جعل مفهومي النظرية والتجربة يطرحان أوجه التداخل والتعقيد من جهة، والتوتر والصراع من جهة أخرى داخل حقل المعرفة وهو الإشكال الذي تتطرق إليه هذه القولة. من ثم، يمكن صياغة التساؤلات التالية: ما علاقة النظرية بالتجربة؟ ما النظرية؟ ما التجربة؟ هل العلم بناء نظري أم معطى تجريبي؟


مطلب التحليل

في إطار الجواب عن الحقل الإشكالي، تروم القولة الفلسفية الرهان على أن العلم إبداع نظري، أما التجربة فدورها اختبار إبداعات العقل. وبذلك تكون العقلانية العلمية عقلانية مبدعة تؤسس الأنساق النظرية العلمية من خلال إنشاء عقل حر، حيث إن التطورات المتلاحقة شكلت لحظة فاصلة للتحرر من سلطة الواقع الملموس نحو واقع افتراضي يسلم بالأوليات الأكسيومية والعلاقات بدل المسلمات والبديهيات (من الزمن المطلق إلى الزمن النسبي مثلا). تبعا لذلك، نسجت القولة تصورها من خلال مفاهيم تمتح من معين علمي ابستمولوجي أساسه النظرية والتجربة من ناحية، والاختبار والإبداع من ناحية أخرى.

 فالنظرية إنشاء تأملي مستقل عن الواقع، يقابل التجربة المعقلنة بأسلوب رياضي، حيث تفقد التجربة صبغتها الحسية وتصير لها صبغة علائقية رياضية تجريدية. ومن ثم يحيل الإبداع على إنشاء ذهني حر، أما الاختبار فيفيد التحقق النظري من صدق الأنساق النظرية لاحقا. بناء على ذلك تبرز علاقة تقابل بين المفهومين، غرضه الوصل من أجل إرساء عقلانية منفتحة محورها العقل، ثم تكتسب التجربة قيمتها من السياق النظري الذي تقترن به. وبذلك تأسس العلم على مفاهيم الاحتمال واللاحتمية والتعقيد محل اليقين والحتمية والبساطة. في هذا السياق، وإذا تأملنا البنية المنطقية للقولة الفلسفية، فالفيلسوف يقابل بين قضيتين؛ قضية أولى تشير إلى التجربة كاختبار للنظرية، وقضية ثانية تثبت أن التجربة لا تبدع النظرية. وبالتالي فوظيفة التجربة تنحصر في التحقق من مدى صلاحية النظرية، أما موضوع النظرية العلمية فيتم بناؤه بالاستدلال القبلي وإنتاج المفاهيم نظريا. لذلك فكل حكم تجريبي أساسه هو المفترضات النظرية القبلية، إذ تصاغ منطوقات الملاحظة داخل لغة نظرية. فمثلا يتمدد الزمن بالنسبة لجسم يتحرك بسرعة نسبية، وهي نفسها مفارقة التوأمين.

 في هذا السياق، قابل التصور بين النظرية والتجربة وهي مقابلة غرضها الوصل وليس الفصل، كما يفيد رابط "غير أن" عاملا حجاجيا لتقييد الإمكانات الحجاجية، ومثل تحولا من الثبات والمطلق نحو التغير والنسبية: انصهار الزمان والمكان، السرعة وبطء الزمن، سرعة الضوء أكبر سرعة... هكذا كانت وظيفة الرابط هي الحد من قيمة وصدقية وصلاحية ما سبق، مقابل التأكيد على اللاحق الذي يكون أقوى في السلم الحجاجي. نتيجة لذلك تسلم القولة بحكم أول على سبيل الإمكان، لتثبت حكما ثانيا مضمرا من خلال إستراتيجية الدحض.

إذن، أحدث هذا التصور قطيعة ابستمولوجية في التفكير العلمي، فما قيمة وحدود هذا الموقف؟ ماهي منطلقاته ونتائجه؟


مطلب المناقشة

إن العلاقة بين النظرية والتجربة علاقة معقدة ومركبة، فمع التطورات المتلاحقة في الفيزياء النظرية والرياضيات... ابتعد العلماء عن الواقع العادي الحسي نحو واقع اكسيومي لا تناقض بين منطلقاته والنتائج المستنبطة. الشيء الذي أحدث ثورة علمية ووضع مجموعة من المسلمات والتعريفات موضع سؤال، حيث لم يعد ممكنا القول بحتمية العلاقات الطبيعية الفيزيائية التي أصبحت علاقات احتمالية: فمن الجاذبية إلى نسيج الزمكان، ومن ضوء المصابيح إلى طبيعة الضوء الفعلية... في هذا الصدد، يتسم التصور بالآنية والراهنية، مما يبرز خصوبته داخل حقل العلم المعاصر. لكن، لا يمكن حصر النقاش في جانب واحد، لذا قمين بنا أن نشير إلى أن التكميم الرياضي لا يلغي الدور الهام للتجربة كمصدر لتسويغ صحة المعرفة، وبعد التحقق من القضية الفردية يقوم بترميزها بلغة رياضية كتجربة نصفي الكرة التي تبرز تأثير الضغط الجوي على الأجسام، وبالتالي لا يمكن فصل نصفي الكرة... فما التصورات التي حاورت هذه الأطروحة؟ 

لفهم صيرورة العلاقة بين النظرية والتجربة تنفتح على تصور" اينشتاين" الذي أحدث ثورة، حيث لم يعد العقل وعاء وأفكارا فطرية كما قال ديكارت وليبنز، بل أضحى فاعلية وطاقة تتصف بالمرونة والانفتاح. فمثلا افترض أرسطو وابن الهيثم ونيوتن الضوء كجسيمات، وافترض ديموقريطس وهويجنز الطبيعة الموجية، ليوحد اينشتاين بين الجسيمات والأمواج... الشيء الذي أحدث ثورة في الفيزياء. أما أنصار الوضعية المنطقية، فراهنوا على أن اكتساب المعرفة يتم عن طريق معطيات الخبرة الحسية، حيث اتفق " كارناب ورايشنباخ وشليك" على ضرورة الانطلاق من الملاحظة، إلا أن تطابق القضية مع الواقع يعطي نتائج احتمالية لا قطعية.. لذلك يعتبر "طوماس كون" أن القانون يكون صادقا قياسا لمرحلة العلم السائد في فترة ما من خلال مبدأ اللامقايسة..


مطلب التركيب

كشف التحليل والمناقشة عن تصورات فلسفية تدافع من جهة عن البناء العقلي، والمعطى التجريبي من جهة أخرى. ومن ثم، فحركية العلم وصيرورته تبرز السعي الدؤوب للنظريين والتجريبيين من أجل رفع نسبة الدقة وتحصين حدود الاشتغال. لذا اتسمت الأطروحات بالانفتاح والنسبية نظرا لأن كل فجر يبزغ باكتشافات جديدة. لذلك يمكن أن نستنتج ؛ بأن الصدق احتمالي، مما يبرز أهمية الحوار الجدلي بين النظرية والتجربة، ف" لا وجود لعقلانية فارغة، ولا وجود لاختبارية عمياء" حسب غاستون باشلار.


 إنجاز الأستاذ: عز الدين حليمي؛ ثانوية المغرب الكبير التأهيلية

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/