نموذج تطبيقي حول تحليل نص فلسفي مفهوم النظرية والتجربة مجزوءة المعرفة

ProfSalmi فبراير 16, 2024 أغسطس 28, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: «حين يكون في استطاعتنا أن نترجم اللغة الفلسفية تلك الحركة المزدوجة التي تغذي الفكر العلمي المعاصر، فإننا سنتبين أن الانتقال من البعدي إلى القبلي
-A A +A


نص فلسفي مجزوءة المعرفة مفهوم النظرية والتجربة 



«حين يكون في استطاعتنا أن نترجم اللغة الفلسفية تلك الحركة المزدوجة التي تغذي الفكر العلمي المعاصر، فإننا سنتبين أن الانتقال من البعدي إلى القبلي ، ومن القبلي إلى البعدي انتقال ضروري وأن النزعتين التجريبية والعقلانية تربطهما في الفكر العلمي الجديد رابطة عجيبة ، تعادل في قوتها تلك الرابطة التي تشد اللذة إلى الألم. و بالفعل، فإن انتصار إحدى النزعتين هو تأييد للأخرى: فالتجريبية في حاجة لأن تفهم والعقلانية في حاجة لأن تطبق. إن كل نزعة تجريبية إذا لم تشمل قوانين واضحة و مترابطة تنتج عن بعضها البعض بطريقة منطقية، فلا يمكن أن تكون موضع تفكير أو تدريس. و إن كل نزعة عقلانية ، إذا لم تؤيدها حجج ملموسة و إذا لم تتخذ صورة تطبيقية في الواقع المباشر، لا يمكنها أن تقتنع تمام الإقناع . فنحن نثبت قيمة القانون التجريبي عندما نتخذه أساس لبرهان، ونحن نعطي للبرهان مشروعيته عندما نتخذه أساس لتجربة . فالعلم، اذن، بوصفه مجموعة من البراهين و التجارب والقواعد والبداهات والوقائع يحتاج إلى فلسفة ذات قطبين ».

حلل(ی) النص و ناقشه (به).


تحليل نص فلسفي حول علاقة النظرية بالتجربة

مقدمة مطلب الفهم

إذا كانت المعرفة نشاط إنساني، وفاعلية بشرية، ينتجها الإنسان في علاقته بذاته، وبالعالم الخارجي، فإنه ابتداء من العصر الحديث، عصر انتصار العقل والعلم استطاع الإنسان بناء معرفة علمية أساسها تكوين نظرة جديدة للعالم، معرفة حققت نجاحا كبيرا في معرفته لقوانين الطبيعة، بفضل الصياغة الرياضة والتجريب والنظريات العلمية، التي مكنته من بلوغ حقيقة هذا الكون . والنص الماثل أمامنا يسعى إلى الكشف عن دور النظرية والتجربة في بناء المعرفة العلمية من خلال التساؤلات الآتية: 

ما النظرية ؟ وما التجربة ؟ وما دور كل من النظرية ( العقل) والتجربة في بناء (الواقع) في بناء المعرفة العلمية ؟ وعلى أي أساس تقوم النظرية العلمية؟ هل على العقل أم التجربة أم هما معا؟


عرض مطلب التحليل

يحاول صاحب النص الإجابة عن هذه التساؤلات بأطروحة فلسفية مفادها أن للعقل والتجربة دور في تشكل المعرفة العلمية، وبناء الفكر العلمي المعاصر. ولتأكيد الأطروحة بدأ صاحب النص بالقول أن الفكر العلمي المعاصر يقوم على حركة تنبني على ضرورة الانتقال من البعدي إلى القبلي ، ومن القبلي إلى البعدي في بناء كل معرفة علمية أي أن هناك تكامل وترابط بين التجربة و العقل في العلم المعاصر، وأن التيارين التجريبي والعقلاني توجد بينهما علاقة قوية شبيهة بتلك العلاقة بين اللذة والألم.

ويقوم النص على بنية مفاهيمية، تنتظم حولها أفكاره وحجاجه، تتحدد في مفهوم النزعة التجريبية وهي مذهب فلسفي يعتبر أن التجربة هي مصدر كل المعارف العلمية. ثم مفهوم النزعة العقلانية وهي مذهب فلسفي يرى أن العقل هو مصدر كل المعارف والحقائق. وعلى الرغم من علاقة التضاد بين التيارين، إلا أن صاحب النص يرى أن العلم المعاصر يقوم على التكامل بين النزعتين، وحجته على ذلك أن كل نظرية بحاجة إلى تطبيق (الواقع) وكل تجربة في حاجة إلى الفهم (العقل) وكل نزعة عقلانية خارجة عن الواقع لا يمكنها أن تقنع أبدا. كما أن كل نزعة تجريبية فارغة من قوانين عقلية لا يمكنها أن تكون موضع تفكير. أي أن الفكر العلمي المعاصر هو عقلانية تجريبية. وقيمة القانون التجريبي في العلم عندما نثبته بالبرهان والتجربة معا.


هكذا نخلص إلى التوافق بين النظرية ( العقل) والتجربة (الواقع) في بناء المعرفة العلمية. لكن ما مدى صحة هذا التصور مقارنة مع تصورات أخرى ترى عكس ذلك؟


قيمة الاطروحة وحدودها مطلب المناقشة

تتجلى أهمية النص في قوة أساليبه الإقناعية التي تعطى لهذا التصور قيمة علمية إذ من خلال تأكيده على التداخل بين العقل والتجربة في بناء العلم المعاصر، قد تجاوز أصحاب النزعة العقلانية والتجريبية، وهذا التصور يلتقي تمام الالتقاء مع الطرح الذي تبناه الفيلسوف «غاستون باشلار» الذي يرى أن عمل الفيزياء المعاصرة يتم وفق علاقة جدلية بين العقل والتجربة، منتقذا بذلك كل من النزعة العقلانية والتجريبية التي ترى عقلا معزولا الواقع أو واقعا معزولا عن العقل ويؤكد أنه لا توجد عقلانية فارغة كما لا توجد تجريبية عمياء أي أن الواقع العلمي ليس واقعا معطى عن طريق التجارب، بل هو واقع مبنى بناء عقليا رياضيا، هكذا لا يمكن فهم العلم المعاصر إلا في ضوء الحوار الجدلي بين العقل والتجربة ولهذا الحوار دوره في بناء المعرفة العلمية.

 لكن على الرغم من قيمة هذا التصور إلا أن التجربة لا تلعب دورا حاسما في بناء المعرفة العلمية، لأن الذي يعمل على صياغة الفروض العلمية هو العقل وليس التجربة، ولعل ما يؤكد على هذا الأمر نجد الفيلسوف والعالم الرياضي « إنشتاين » الذي اعتبر أن التجربة لا تلعب سوى دور المرشد للعقل في اختيار المفاهيم ، لأن النسق النظري في الفيزياء المعاصرة يتألف من مفاهيم وقوانين هي إبداعات حرة للعقل الرياضي. لذلك ينبغي الاعتراف بإبداعية العقل العلمي الرياضي، القادر على فهم الواقع بطريقة جديدة انطلاقا من الاستنباط المنطقي الذي يشكل أساس النظرية العلمية. يقول إنشتاين «إن المبدأ الخلاق في العلم لا يوجد في التجربة بل في العقل الرياضي».


خلاصة تركيبية

يمكن أن نستنتج بعد تحليلنا ومناقشتنا لأطروحة النص وتصوره أن أساس النظرية العلمية تضاربت بصدده المواقف، فإذا كان صاحب النص ومؤيده يؤكدان على «أن العلم المعاصر لا يستقيم إلا بالتكامل بين العقل والتجربة في بناء المعرفة العلمية، فإن أينشتاين يعطي الأولوية للعقل على التجربة، لتبقى التجربة تابعة للعقل والعقل هو أساس النظرية العلمية.

الموقف الشخصي

انطلاقا مما سبق يمكننا أن ننتصر لما ذهب إليه صاحب النص، لأن تاريخ العلم يفصح لنا عن التطورات التي عرفتها النظريات العلمية. فإذا كان العلم الكلاسيكي لا يقبل إلا بالتجربة كمعيار للعلم والحقيقة، فإن العلم المعاصر ذات طابع تفاعلي بين النظرية والتجربة في المعرفة العلمية فلا مجال للحديث عن انفصال أو أولوية طرف على الآخر، فلا يوجد لتجربة علمية مستقلة عن العقل، ولا وجود لنظرية عقلية منفصلة عن الواقع. لكن إذا كان العلم يقوم على الحوار بين العقل والواقع في بناء المعرفة العلمية، فما معيار علمية النظريات العلمية؟ .

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/