تحليل قولة ان غاية الدولة هي الدولة نفسها
إنجاز الأستاذ: موفيد السائح؛ ثانوية الداخلة التأهيلية
القولة:
« إن غاية الدولة هي الدولة نفسها ».
أوضح(ي) مضمون القولة مبينا(ة) أبعادها.
تحليل ومناقشة قولة فلسفية حول مشروعية الدولة وغاياتها
مطلب الفهم:
عرف الفكر الإنساني منذ بداياته تمثلات للفعل السياسي ونشأة الدولة، من جمهورية أفلاطون" و" السياسة " لأرسطو مرورا " بنظرية الحق الإلهي" في العصور الوسطى؛ وصولا إلى التأسيس الحداثي لدولة ديمقراطية تعتمد خاصة مفاهيم حقوق الإنسان، ويظل موضوع السياسة الأول بامتياز هو الدولة وكيفية نشأتها والحفاظ عليها، فهي تعتبر منبعا لجميع السلطات؛ إذ أن كل إنسان يعيش تحت رحمتها؛ نعاني من قسوتها وشططها، كما نتمنى ممارستها. فالتصور الذي نمتلكه عن الدولة هو تصور مفارق: فهي منبع المعاناة والقسوة والعنف من جهة، وهي من جهة أخرى الملاذ لكل فرد كلما احتاج إلى وثيقة إدارية؛ إنها مجموعة من المؤسسات السياسية والقانونية والعسكرية والإدارية والاقتصادية التي تنظم حياة الفرد والمجتمع؛ داخل مجال ترابي محدد. إن هذا التجمع الذي ندعوه"الدولة" يتأيد بالقوانين، وبقدرته على الاحتفاظ بذاته؛ يقوم على الخضوع والالتزام والطاعة، باعتبارها ممثلا شرعيا للعدالة وضامنا للحق ومشرعا للقوانين وموزعا للحريات ؛ واضعا للنظام وفارضا سلطته على الكل.. وإذا كان كل مشروع سياسيى يقوم أساسا على صياغة نظرية في الدولة والسيادة والحق، وكيفية تحقيق الأمن والعدل والسلام والعدالة والحرية... فإن ذلك يدفعنا إلى التساؤل عن الغايات من الدولة، وعن آليات تصريف الدولة لهذه الوقائع والتفكير في السبل والوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك، وبناء على هذه الرهانات الأساسية من قيام الدولة، يمكننا أن نبسط الإشكالات التالية:
ماهي آليات تأسيس الدولة ؟ ما علاقة الدولة بالسيادة ؟ من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ هل ترجع الدولة في أصلها إلى فكرة دينية؟ أم إلى عقد اجتماعي؟ أم أنها تستمدها من العقل؟ هل الدولة لها غاية داخلية (غاية في ذاتها) أم أنها ذات غاية خارجية (وسيلة)؟ هل الدولة تتبع غايات معقولة وطيبة في ذاتها؟ أم أن غايتها هي المحافظة على ذاتها؟
مطلب التحليل:
إن الغاية من الدولة حسب منطوق القولة، هو المحافظة على ذاتها واستمراريتها من خلال امتلاكها لمفهوم السيادة؛ عن طريق احتكارها للعنف؛ إنها تحيل إلى فكرة السلطة والنظام، تكفل الأمن لنفسها والرعاية لبنيتها ضد الأخطار الداخلية والخارجية، إن هذا التجمع والذي ندعوه " الدولة " يمتلك القدرة على الاحتفاظ بذاته، إذ يقوم على الخضوع والإلزام والطاعة للدولة، عبر فرض سلطتها على الكل؛ إنها وسيلة للهيمنة تداهم كل قطاعات الحياة وتسخرها لصالحها وتعقلنها على صورتها؛ والدولة بهذا المعنى لا تعتمد قيم العدالة والحرية والحق... بل تعتبر ذلك مصدر تشويش وتهديد لوجودها، مما يدفعها إلى اللجوء إلى العنف والمناورات الموجهة لامتلاك السلطة والمحافظة عليها، ويمكن تفكيك القولة إلى بنية مفاهيمية، تمثلت أساسا في مفهوم الدولة وتعني جهاز إداري ونظام قانوني وأخلاقي مستقل عن الأفراد، تقترن بمجموعة من الاجهزة المكلفة بتدبير الشأن العام وهي المالكة للسلطة في المجتمع في مختلف الميادين؛ تقع تحت سيطرتها بمجموعة من الأجهزة تسخرها في استخدام العنف؛ داخليا أو خارجيا: الشرطة، الجيش، الدرك، السجون.... مما يدفعنا إلى التساؤل عن مدى أحقية الدولة في امتلاك السلطة ومدى مشروعية العنف الذي تتخذه وسيلة للمحافظة على استمراريتها، وهذا ما ذهبت إليه القولة، بمعنى أن الغاية من الدولة هي أن تحافظ على وجودها وهيبتها عبر استعمالها كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ولتحقيق ذلك، فإن العنف أو المراوغة أو النصب والتدليس.. هي التي تضمن للدولة السيادة والهيمنة، إنها تلجأ إلى التخويف و الترهيب والحيل... قصد بسط نفودها وسيطرتها؛ ثم مفهوم الغاية وتحيل إلى الهدف أوما يتم النزوع إليه؛ وعليه فإن مصلحة الدولة واستقرار النظام تبرر اللجوء إلى أية وسيلة عملية متاحة تحقق هذا الغرض؛ بصرف النظر عن الاعتبارات الأخلاقية بما في ذلك العنف والاعتداء على حرية الأفراد والجماعات؛ عندما يكون ذلك ضروريا لمصلحة الدولة، فأصول الحكم تقتضي تحقيق مصلحة الدولة أولا وبجميع الوسائل المتاحة، وهكذا يتضح من خلال القولة أن الدولة وجدت من أجل الإنسان لتنظيم حيات الاجتماعية بشكل عقلاني، ومنه تستمد مشروعيتها والغاية من وجودها، ومن يريد الغاية يريد الوسيلة والتي لا تنفصل عن بعض المخاطر والتضحيات، والفرق بين سلوك الأفراد والدول واضح، سلوك الأفراد يقتضي أخلاقا حميدة؛ أما الدولة فمن حقها، بل من واجبها أن تصادر أملاكا شخصية من أجل المصلحة العامة: من حقها أن تهدم بيوتا من أجل تمرير شارع عام، وأن تجند المواطنين إجباريا لكسب الحرب، وتتآمر لحماية المصلحة العليا ومنه فإن: " الأخلاق تلزم الفرد ولا تلزم الدولة"، وهكذا فالدولة حسب سياق القولة تستمد مشروعيتها من السيادة وقهر الأفراد وترهيبهم وغايتها المحافظة على ذاتها واستمراريتها وبسط نفوذها وسيطرتها على الكل؛ والحفاظ على النظام العام، إن غاية وجود الدولة هو تأنيس الإنسان وتهذيب قدراته وإمكاناتها الطبيعية وتنظيم حياته الاجتماعية، مما يجعل من غايتها غاية داخلية، تستند على وسائل التهديد المباشر لفرض تسلطها وجبروتها في كل مناحي الحياة، وعليه فإن المجال السياسي هو مجال للصراع والعنف وليس مجالا للنبل والاعتدال، إن ما يمنح الدولة مشروعيتها والغاية من وجودها هو عدم قدرة المجتمع على تنظيم نفسه بنفسه، وعدم قدرته على استمرار الرابطة الاجتماعية بين الأفراد، وذلك ما يمنح الدولة هيبتها ويجعلها تحيل إلى فكرة السلطة والنظام؛ إن الدولة لها مشروعية ترتبط بممارسة العنف واحتكاره؛ إن وحدها السلطة تريد أن تمارس العنف، وعندما تبرره باسم المصلحة العامة أو المنفعة العامة أو المصلحة العليا للبلاد أو سلامة التراب أو الحق في المواطنة، فإن ما تقترفه لا يصبح إجراما وإنما من دواعي الانتظام السياسي، من هنا نتحدث عن منطق الدولة أو حجة الدولة؛ لا ترى في العنف أي ضرر، إنه عنف الدفاع عن النفس أو عنف مغلف بعباءة الشرعية أو القانون. فكيف يمكن للعنف أن يعبر عن مشروعية ما؟ هل تتم مواجهته باعتماد عنف مضاد أو عنف مؤقت؟
مطلب المناقشة:
لقد تشكل خطاب يناقض العنف بدء من أفلاطون وأرسطو وابن خلدون، والمسألة السياسية للعنف لم تستطع الانقطاع عن اللجوء إلى الأخلاق (قيم الخير) لتخطي حالة العنف، لكن الأمر تغير مع هيغل؛ حيث أصبح العنف محركا للتاريخ؛ ترى فيه الفلسفة بعدا من أبعاد الحياة بل سوف يكون له معنى، لقد أقر هيغل بأن للدولة غاية داخلية، مؤيدا القولة من خلال توكيده بأن الدولة هي إرادة واعية لجماعة تاريخية لذا فهي "ترى في الحرب وسيلة أساسية قصد المحافظة على روح الشعب"؛ يقول هيغل:" الحرب تمكن من كوننة المبادىء الجديدة "، إن غاية الدولة حسب هيغل هي تحقيق الإرادة الحرة والكونية، تقوم على مشروعية العقل كقوة مطلقة تجري في التاريخ، إن مفهوم الدولة يتجاوز التجزيء والحريات والإرادات الفردية؛ إنها حرية كونية وعقلية والناس هم جزء من مسيرة هذه الفكرة والتي هي الدولة، لقد رفض هيغل التصورات المثالية والواقعية للدولة ويعتبرها دولة عقلية، لكن السؤال الإشكالي هو: كيف برر مشروعية العنف؟
لقد حاول إريك فايل تأويل فلسفة هيغل مقدما إياه كفيلسوف لا يعترف بالممنوعات، فيلسوف لايرى في العنف أي ضرر؛ إن عالم البشر يظهر لهيغل باعتباره وحدة الصراعات في مجموعها، إنها صراعات حقيقية وغير قابلة للحل، يقول فايل: "يتحقق الكوني ... عبر فعله العنيف ضد العنف الخصوصي" إن الممر إلى الكونية هو الصراعات وهذا العنف المنتشر وهذا التناقض بين الأطراف هو سبيل تحقيق الكوني وتعيينه (الدولة كحرية كونية وعقلية)، إن هيغل يظهر ضمن قراءة فايل، مفكر يحفظ للعنف مكانة إيجابية والعنف هنا هو أداة؛ أداة الشعوب وأداة التاريخ، أداة من أجل التقدم ومن أجل الحرية؛ يقول فايل: " إن العنف المشار إليه هو عنف ضد البنى الفقيرة، ضد القوى البالية تقوم به القوى الجديدة وتحكمه علل الكونية وقوانينها ". إذا كان العنف يمثل ردة فعل على الاعتداء على إنسانية الإنسان (علل الكونية وقوانينها) فإنه يظهر بوصفه عنفا مشروعا لأنه ضروري في ذاته وضروري بالنسبة إلينا نحن من أجل أن تتم قراءة تاريخ البشر باعتباره تاريخ تحررهم، إن العنف يظهر في هذه الحالة؛ بتعبير فايل "عنفا عقلانيا" إن العنف عند فايل يصبح له معنى عندما يكون هدفه هو الرد على الاعتداء على إنسانية الإنسان؛ إنه عنف مشروع ، لذلك وجب التمييز بين العنف العقلاني والعنف العيني أي العنف الفردي الخشن (يريدون البقاء أفرادا)، إذن العنف غير مشروع عندما يتم تبريره استنادا إلى أسباب غير عامة؛ أو غير قابلة لأن تكون عامة وكل شكل من أشكاله له مقومات كونية مثل الدفاع عن حقوق الإنسان، هو عنف مبرر؛ إنه تبرير يجد معناه في التاريخ الكوني للإنسانية؛ إنه يجب الإقرار بمشروعية الاعتداء على أملاك الآخرين الخاصة في حالة وجود خطر، أي من أجل الحرية الكونية أو من أجل ضمان حق البقاء (بقاء الدولة واستمراريتها) أو حفظ الحياة. يتضح من خلال ما تقدم أن هيغل اعترض على التقليد الفلسفي التعاقدي (هوبز – لوك – روسو - اسبينوزا ...) في إقرارهم بأن الغاية من الدولة تظل خارجية، مثل هوبز الذي يرى بأن غاية الدولة هي تحقيق السلم والأمن في المجتمع، أو لوك الذي أكد بأن الغاية من الدولة هي المحافظة على الخيرات المدنية، أو روسو الذي اعتبر بأن غايتها ضمان الحقوق الطبيعية للأفراد، أو اسبينوزا الذي ربط غاية الدولة بخدمة حرية الأفراد خصوصا حرية الرأي والتعبير، وأن الدولة تستمد مشروعيتها من الامتثال للقانون عوض سلطة القوة، كما أن هيغل نفى أن تقوم الدولة على مشروعية دينية وأن غايتها هو حفظ الدين وتطبيق الشريعة (نظرية الحق الإلهي + نظرية التفويض الإلهي)، بل إن الدولة حسبه تقوم على مشروعية العقل.
مطلب التركيب :
إن إشكالية الغاية من الدولة ومشروعيتها أفرزت أطروحات متباينة تراوحت بين من أكد بان الغاية منها هي نفسها (فايل- هيغل) مبررة مشروعية استنادها على العنف لضمان الحرية الكونية والعقلية وأنها ذات غاية داخلية، في مقابل فلاسفة العقد الاجتماعي، الذين قالوا بأن الدولة تقوم على مشروعية التعاقد وأن غايتها تظل خارجية، في مقابل تصور آخر يعتقد بأن الغاية من الدولة هي حفظ الدين وتطبيق الشريعة واعتبارها دولة دينية، والوقع أن الدولة وجدت من أجل الإنسان لتنظيم حياته الاجتماعية بشكل عقلاني ومنه تستمد مشروعيتها والغاية من وجودها، وأصول الحكم تقتضي تحقيق مصلحة الدولة أولا وبجميع الوسائل المتاحة، يقول هيغل:" الدولة هي الروح التي وهبت نفسها التحقق الفعلي في مسار تاريخ العالم "؛ إن الدولة تحل محلك، إنها تساعدك على حقك، ويمكنها أن تأتي إلى نجدتك عندما يهددك شخص ما في هذا الحق. ونختم بما قاله مكيافيللي: " إن الأمير الحكيم هو الذي لا يحفظ عهدا يكون الوفاء به ضياع لمصلحته".
إرسال تعليق