المحور الأول : مشروعية الدولة و غايتها الثانية باك
مقدمة
إن الحديث عن أصل نشأة الدولة هو حديث بالأساس عن طبيعة الإنسان الحقيقية بين الخير والشر، ومن ثمة ستتعدد الأطروحات التي حاولت إيجاد نظرية متكاملة تصيب واقعه، هكذا ستظهر نظريات ثيوقراطية كنظرية الحق الإلهي ونظرية التفويض الإلهي ونظريات تعاقدية أهمها على الإطلاق نظرية العقد الاجتماعي، التي عدت بذرة لانبثاق مختلف الديموقراطيات عبر العالم.
إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : من أين تستمد الدولة مشروعيتها ؟ هل من الحق أم من القوة ؟ وما الغاية من تأسيسها ؟
مشروعية الدولة وغاياتها مواقف الفلاسفة
الإشكال : كيف نشأت الدولة ؟ ما هي غاياتها ؟ من اين تستمد الدولة مشروعيتها ؟ وكيف يكون وجود الدولة مشروعا ؟
موقف ماكس فيبر (1864 - 1920)
تعدد مصادر مشروعية الدولة وتداخلها.
يحدد ماكس فيبر مشروعية الدولة في ثلاثة أشكال تتداخل في الغالب فيما بينها، وهي: المشروعية التاريخية المرتبطة بالماضي، وبالعادات والتقاليد. ثم المشروعية الكاريزمية القائمة على المزايا الشخصية الفائقة لشخص ما، وأخيرا المشروعية المؤسساتية المستندة إلى الكفاءة والتمثيلية الانتخابية.
موقف سبينوزا (1623 - 1677)
غاية الدولة هي الحرية.
يجسد سپينوزا نموذجا يبرز خصائص الموقف التعاقدي في تصوره لبناء ولغايات الدولة، ولأساس مشروعيتها، فالغاية الحقيقية للدولة هي الحرية، لذلك يتمتع الأفراد داخل الدولة بحرية التفكير والتعبير عن آرائهم مادامت لا تستهدف السلطة العليا، وبشرط أن تستند إلى العقل، وبالمقابل فإن الدولة لا تمس بحرية الفرد في التفكير والتعبير وتضمن الأمن و السلم.
موقف هيغل (1770 - 1837)
الدولة تحقق فعلي للفكرة الموضوعية الأخلاقية.
ينطلق الفيلسوف الألماني هيجل من التصور التعاقدي للدولة وذلك بغاية نقده وتجاوزه ولذلك نراه يسائل هذا التصور ويعيد طرح السؤال حول الغاية من الدولة ؟ وألا يمكن اعتبار الدولة غاية في ذاتها ؟ وهي أسئلة ستتيح لهيجل إمكانية نقد التقليد الفلسفي السياسي التعاقدي في مقابل ذلك يرى هيجل أن علاقة الدولة بالفرد شيء مختلف عن ذلك أتم الإختلاف، إن الدولة غاية في ذاتها لأنها تمثل روح الأمة وإرادتها، كما أنها تحقق الإرادة الحرة والكونية بوصفها فكرة أخلاقية وتجسيدا للعقل. إن الدولة هي المجال الذي يلتحم فيه الحق والأخلاق عبر مسيرة العقل الجدلية.
موقف توماس هوبز (1588 - 1679)
لقد بين هذا المفكر السياسي والفيلسوف أن الحياة الاجتماعية في ظل الحرية الطبيعية تصبح مستحيلة وذلك لأنها حرية كاملة وغير محدودة مع ما ينتج عنه من تعارض في هذه الحريات الفردية، وبالتالي تنشب حالة من الفوضى والحرب والتوحش التي لا يبقى فيها للفرد أمان على حياته ولا على ممتلكاته، ولذلك يلزم أن يتنازل الناس عن هذه الحرية المطلقة في نوع من التعاقد الجماعي الذي يؤسسون بموجبه سلطة مشتركة يخضعون فيها لحاكم واحد يضطلع بشؤونهم، وهكذا يمنح هوبز للدولة سلطة مطلقة.
إن منشأ السلطة السياسية المشروعة إذن هو ذلك الميثاق الأصلي الذي يتخلى الناس بمقتضاه عن جزء من حرياتهم الطبيعية والتنازل عن تسيير شؤونهم الخاصة مقابل سلم وحرية مدنية مضمونة من طرف الحاكم.
موقف جون لوك ( 1632 - 1704)
تستمد مشروعيتها من التعاقد.
يرى جون لوك أن الدولة تستمد مشروعيتها من الاتفاق الإرادي والتعاقد السياسي المبرم بين الأفراد من جهة والحاكم من جهة أخرى، فالأفراد ينتخبون الحاكم ويتنازلون له عن بعض حقوقهم الطبيعية مقابل أن يحفظ خيراتهم المدنية، أما باقي الحقوق فيحتفظ بها الأفراد لأنفسهم ولا يجوز للحاكم المساس بها، بل إنه مطالب بحمايتها مقابل طاعة الأفراد له، فغاية الدولة هي توفير الأمن للناس وحماية ممتلكاتهم وضمان حريتهم. وكل اعتداء على هذه الحقوق يعرض المعتدي للزجر والعقاب.
موقف مارکس (1818 - 1883)
تستمد مشروعيتها من الطبقة البورجوازية.
يعتبر كارل ماركس أن الدولة لا تستمد مشروعيتها من الاتفاق والتعاقد بقدر ما تستمدها من التنافس والصراع بين طبقة بورجوازية مالكة لوسائل الإنتاج وطبقة عاملة تشغل وسائل الإنتاج، فالدولة عبارة عن وسيلة تستعملها الطبقة البرجوازية من أجل الحفاظ على مصالحها وحماية امتيازاتها وضمان تواجدها كطبقة مهيمنة، فالدولة في نظر مارکس تستمد مشروعيتها من الطبقة البرجوازية، أما غايتها فهي إضفاء الشرعية القانونية على المجتمع الطبقي وتسيير وتنظيم مصالح الطبقة البورجوازية المستغلة.
أمثلة من الواقع لمواقف الفلاسفة مشروعية الدولة وغاياتها
أمثلة لموقف ماكس فيبر
الملكية في بريطانيا: تستمد العائلة المالكة البريطانية مشروعيتها من التاريخ العريق للملكية في البلاد، حيث تعود جذورها إلى ما يقرب من ألف عام. ففي عام 1066، هزم ويليام الفاتح الملك هارولد الثاني في معركة هاستينغز، ليؤسس سلالة نورمان التي لا تزال تحكم بريطانيا حتى اليوم.
نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا: نال نيلسون مانديلا احتراما كبيرا كزعيم مناهض للفصل العنصري، مما جعله شخصية كاريزمية قادرة على توحيد البلاد وتحقيق التغيير. فبعد 27 عاما من السجن، تم إطلاق سراح مانديلا في عام 1990، ليقود المفاوضات مع حكومة الفصل العنصري وينهي نظام الأبارتهايد في عام 1994.
الولايات المتحدة الأمريكية: تعتمد الولايات المتحدة على نظام ديمقراطي مؤسساتي يضمن مشاركة المواطنين في صنع القرار، مما يُضفي الشرعية على الدولة. فمنذ تأسيسها عام 1776، تُطبق الولايات المتحدة نظاما ديمقراطيا يُتيح للمواطنين انتخاب ممثليهم في الحكومة.
أمثلة لموقف سبينوزا
الدول الديمقراطية الغربية: تضمن هذه الدول حرية التعبير والرأي والدين، مما يسمح للمواطنين بممارسة حرياتهم بشكل كامل. ففي الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا، يُسمح للمواطنين بالتعبير عن آرائهم بحرية، وممارسة شعائرهم الدينية دون قيود.
منظمات حقوق الإنسان: تلعب هذه المنظمات دورا هاما في حماية حقوق الإنسان وتعزيز الحرية في جميع أنحاء العالم. فمنظمات مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش تُراقب انتهاكات حقوق الإنسان وتُقدم الدعم للضحايا.
أمثلة لموقف هيغل
الدول التي تُطبق العدالة الاجتماعية: تسعى هذه الدول إلى تحقيق المساواة بين جميع المواطنين وضمان حصولهم على فرص متساوية. ففي الدول مثل السويد وفنلندا والنرويج، تُطبق أنظمة ضريبية تصاعدية تُساعد على إعادة توزيع الثروة بشكل أكثر عدلا.
الدول التي تُحافظ على البيئة: تُدرك هذه الدول أهمية حماية البيئة للأجيال القادمة، وتضع قوانين وتُنفذ إجراءات لحماية البيئة. ففي الدول مثل ألمانيا وفرنسا، تُطبق قوانين صارمة للحد من التلوث وحماية الموارد الطبيعية.
أمثلة من الواقع لموقف توماس هوبز
الأنظمة الاستبدادية: تُطبق بعض الدول أنظمة استبدادية تُحكم من قبل سلطة مطلقة تسيطر على جميع جوانب الحياة. ففي الدول مثل كوريا الشمالية والسعودية، تُمارس الدولة سلطة مطلقة على المواطنين، وتُقيد حرياتهم بشكل كبير.
حالة الطوارئ: في بعض الأحيان، قد تضطر الدول إلى فرض حالة الطوارئ للتعامل مع أزمة أو تهديد محدد. ففي حالة الحرب أو الكوارث الطبيعية، قد تُعلق بعض الدول بعض الحقوق والحريات مؤقتا لضمان الأمن والاستقرار.
أمثلة من الواقع لموقف جون لوك
الديمقراطيات الليبرالية: تُطبق بعض الدول أنظمة ديمقراطية تُتيح للمواطنين المشاركة في صنع القرار من خلال الانتخابات. ففي الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا، يُمكن للمواطنين انتخاب ممثليهم في الحكومة، وتغييرها إذا لم تُلبي احتياجاتهم.
منظمات المجتمع المدني: تلعب منظمات المجتمع المدني دورا هاما في مراقبة أداء الحكومة وحماية حقوق المواطنين. ففي الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا، تُوجد العديد من المنظمات غير الحكومية التي تُراقب أداء الحكومة وتُقدم الدعم للمواطنين.
أمثلة من الواقع لموقف ماركس
الرأسمالية: تُطبق بعض الدول أنظمة رأسمالية تُعطي الأولوية للقطاع الخاص في الاقتصاد. ففي الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا، تُسيطر الشركات الخاصة على القطاعات الاقتصادية الرئيسية.
الصراع الطبقي: لا تزال بعض الدول تُعاني من صراعات طبقية بين الطبقة الحاكمة والطبقة العاملة. ففي الدول مثل الصين والهند، تُوجد فجوة كبيرة بين الطبقات الاجتماعية، مما يؤدي إلى احتجاجات واضطرابات اجتماعية.
مفاهيم وتعاريف المحور
غاية : ما لأجله يقدم الفاعل على القيام بالفعل عن قصد واختيار.
مشروعية : التبريرات التي ترتكز عليها الدولة من أجل ممارسة سلطتها على الأفراد، من خلال ما تقوم عليه الدساتير والقوانين.
شرعي : هي الحالة التي تخضع فيها العلاقات الاجتماعية والسياسية لقوانين الدولة (القانون الوضعي).
عقد اجتماعي : يرتبط المفهوم بنظرية اجتماعية سياسية تقول أن النظام الاجتماعي يقوم على إتفاق إرادي بين الأفراد المكونين له للخروج من حالة الطبيعة.
موضوع فلسفي للدرس : نموذج تحليل قولة فلسفية حول محور مشروعية الدولة وغاياتها
تركيب لمحور مشروعية الدولة وغاياتها
لقد أوجد المجتمع جهاز الدولة استجابة لمجموعة من الحاجيات وتحقيقا لكثير الغايات وعلى رأسها : الحفاظ على الأمن، وضمان ممارسة الحريات الفردية والجماعية، التصدي للأخطار الخارجية ومعاقبة التجاوزات، وكذلك السهر على تربية وتكوين المواطنين من خلال تعليمهم المبادئ العقلية ونشر القيم الأخلاقية ومن هذه الغايات تستمد الدولة مشروعيتها. غير أن «هيجل» اعتبر أن الدولة هي تجسيد للروح المطلق، وليست وسيلة لتحقيق غايات الأفراد. بل هي غاية في ذاتها.
مقالات ذات صلة
المحور الثاني : طبيعة السلطة السياسية مجزوءة السياسة مفهوم الدولة
منهجية تحليل ومناقشة سؤال فلسفي جاهزة وفقا للاطار المرجعي
منهجية جاهزة لتحليل القولة الفلسفية السنة الثانية بكالوريا
إرسال تعليق