مقالة حول أزمة العالم الرأسمالي الكبرى لسنة 1929م
شهدت سنة 1929م أزمة كبرى انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية وانتقل أثرها إلى باقي دول العالم الرأسمالي، مما خلف عدة انعكاسات أدت بدورها إلى توتر العلاقات الدولية في تلك الفترة. فما هي مظاهر هذه الأزمة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وما عوامل انطلاقها؟ وكيف انتشرت خارج بلدها الأصلي؟ ثم ما طبيعة التدابير التي اتخذت لمواجهتها؟
بدأت أزمة 1929م يوم الخميس 24 من شهر أكتوبر ببورصة وول ستريت (نيويورك)، ثم انتقلت إلى باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى، وتجلت مظاهرها داخل الولايات المتحدة الأمريكية في انهيار سوق البورصة بعد تدني قيمة الأسهم ، وإفلاس الأبناك بسبب عجز المقترضين عن أداء القروض، بالإضافة إلى تراجع أسعار المنتجات الفلاحية والصناعية وضعف القدرة الشرائية بفعل انخفاض الأجور وانتشار البطالة.
وقد انطلقت هذه الأزمة بسبب تأزم سوق الأسهم على اثر كثرة العرض وقلة الطلب، إلا أن هذا الحدث ارتبطت جذوره بتابعات الحرب العالمية الأولى، بحيث أن اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية قد استفاد من تضرر البنيات الإنتاجية الأوربية وحقق نسبة نمو بلغت 30% مابين 1921 و1929م، فرافق هذا الازدهار انتشار المضاربات المالية من أجل الربح السريع والسهل، إذ التجأ الأمريكيون إلى بورصة نيويورك لاستغلال الصعود الذي تسجله أسعار الأسهم لتحقيق أرباح سريعة من المضاربة، غير أنهم كانوا يشترون الأسهم عن طريق الفروض، وهذا ما جعل ارتفاع الأسهم في بورصة "وول ستريت" يصبح مصطنعا ولا يساير ارتفاع الإنتاج الاقتصادي على أرض الواقع، ومع الوقت كثرت الأسهم المعروضة للبيع و بلغت خلال يوم وقوع الأزمة "19 مليون سهم" فتراجع ثمنها بنسبة 10% ، وبذلك بدأت الأزمة خصوصا حينما طرح المضاربون في قيمة الأسهم بواسطة القروض أسهمهم للبيع من أجل تسديد ديونهم للأبناك.
وبعد تضرر القطاعات الاقتصادية والبنيات الإنتاجية والفئات الاجتماعية من تداعيات الأزمة؛ اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى سحب ودائعها المالية من أبناك الدول الأوربية وعلى رأسها ألمانيا لمواجهة الوضع، مما تسبب في انتشار الأزمة إلى باقي دول العالم الرأسمالي، فبحكم العلاقات التي كانت تجمع بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الرأسمالية في أغلب القارات وكذا العلاقات التي تربط بين الدول الاستعمارية ومستعمراتها؛ انتقل أثر الأزمة بشكل سريع مابين 1929 و1932 م. ولم يسلم من هذه العدوى إلا الإتحاد السوفياتي الذي كان اقتصاده مستقلا نوعا ما ويعتمد النظام الاشتراكي.
وأمام قوة الأزمة بقيت جميع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية دون جدوى إلى حين انتخاب "فرانكلين روزفلت" رئيسا للبلاد سنة 1932م، فأطلق ما سمي "بالخطة الإقتصادية الجديدة" (نيوديل) من أجل التخلص من تداعيات أزمة 1929م، وقد تضمنت هذه الخطة مجموعة من التدابير تم تطبيقها مابين 1933 و1937م وعلى مرحلتين؛ حيث تميزت المرحلة الأولى بإصدار عدة قوانين مالية واقتصادية واجتماعية هدفت إلى إعادة تحريك نشاط الأبناك ودعم الفلاحين والتحكم في الأسواق المحلية، بالإضافة إلى التخفيف من مشاكل الفئات الاجتماعية العاطلة والمسنة، أما المرحلة الثانية فشهدت إنشاء المكتب الوطني للشغل بغرض الرفع من نسبة التشغيل، وإطلاق مشاريع عمومية ضخمة مثل مشروع بناء "قنطرة غولدن غايت" بسان فرانسيسكو... وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت لهذه الخطة بسبب اعتمادها على التدخل المباشر للدولة وإقصائها لمبادئ الليبرالية والمبادرة الفردية؛ إلا أنها قد حققت إنجازات مهمة تجسدت في تحسن مستوى عيش السكان، ونمو الاستهلاك، وارتفاع الإنتاج ... كما أعادت التوازن لميزانية الدولة.
تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تدارك آثر الأزمة الكبرى لسنة 1929م غير نهج خطة "النبوديل "، وفي المقابل كتفت باقي دول العالم الرأسمالي من وتيرة استغلالها لثروات وشعوب المستعمرات بهدف حل مشاكلها الإقتصادية والاجتماعية، بل أن منها من بدأت في التوسع خارج حدودها الأصلية مما تسبب في توتر العلاقات السياسية بين الدول.
المصدر: الداعم في التاريخ والجغرافيا للاستاذ عبد الخالق الخلطي.
إرسال تعليق