تحليل سؤال فلسفي ما دور التجربة في بناء النظرية العلمية مفهوم النظرية والتجربة

ProfSalmi فبراير 08, 2024 مارس 27, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: ما دور التجربة في بناء النظرية العلمية سؤال فلسفي.. مفهوم التجربة وتدل على مجموع الخطوات المنهجية التي يقوم بها العلم داخل المختبر من اجل التحقق...
-A A +A

 

تحليل سؤال فلسفي حول مفهوم النظرية والتجربة 


ما دور التجربة في بناء النظرية العلمية ؟

الامتحان الوطني مسلك العلوم الانسانية 2016 مادة الفلسفة


ما دور التجربة في بناء النظرية العلمية سؤال فلسفي

مطلب الفهم

لعل من بين الأبعاد المميزة للإنسان، هو نشاطه المعرفي الذي يرمي من ورائه إلى فهم ذاته وعالمه الطبيعي، والكشف عن قوانينه، وفق مناهجه علمية، تدفع الإنسان إلى إنتاج نظريات، وصياغة تجارب علمية، تمكنه من معرفة أسرار الكون وحقيقته، كغاية أساسية يسعى إليها الإنسان من خلال بحثه العلمي والمعرفي. ولربما السؤال المطروح علينا، ينصب في هذا الإطار، خصوصا فيما يتعلق بمفهومي النظرية والتجربة، من خلال تقديم إجابة عن إشكالية التقابل بين النظرية والتجربة في بناء المعرفة العلمية من خلال التساؤلات الآتية: ما النظرية ؟ ما التجربة ؟ وما دور التجربة في بناء النظرية العلمية؟ وهل النظرية العلمية تقوم على العقل أم على التجربة أم هما معا ؟


مطلب التحليل 

يتعين علينا قبل تحليل عناصر السؤال وتفكيك بنيته الفكرية، الوقوف على بنائه المفاهيمي الذي يتحدد بالدرجة الأولى في مفهوم التجربة وتدل على مجموع الخطوات المنهجية التي يقوم بها العلم داخل المختبر من اجل التحقق من الفرضية. ثم مفهوم النظرية وتعني نسق من المفاهيم والأفكار والمبادئ التي ترتبط فيما بينها وهي ذات طابع فرضي استنباطي.

وبالعودة للسؤال وبناء على علاقة التكامل بين هذين المفهومين يتضح انه يؤكد على أطروحة مفادها أن للتجربة دور في بناء النظرية العلمية، ذلك أن التجربة شكلت لفترة طويلة أساس الحكم على علمية النظريات العلمية، ولجوء العلم إلى التجربة آنذاك شكل قطيعة مع التأمل الميتافيزيقي في دراسة للظواهر، مما جعل للتجربة دور مهم في بناء النظريات خاصة مع المنهج التجريبي الكلاسيكي وهذا ما عبر عنه «كلود برنار» بالقول أن المعرفة القائمة على التجريب العلمي، هو السبيل الوحيد لبناء النظرية العلمية، وقد ساق مثال بول الأرانب، لتوضيح أهمية المنهج التجريبي في صياغة القوانين والنظريات العلمية. فقد لاحظ برنار ظاهرة غريبة، وهي الأرانب كحيوانات عاشبة تبولت بولا صافيا شفاف اللون في حين أن بولها يجب أن يكون مكدر اللون عكس الحيوانات اللاحمة.

فافترض أنها لم تدق العشب لمدة زمنية طويلة، فبدأت تقتات من دمها لكي تعيش، قدم لها العشب فلاحظ تغير البول ثم عرضها للتصويم، كرر التجربة مرات عديدة، استبدلها بالخيول فكان يحصل على نفس النتيجة، الشيء الذي أوصله إلى قانون علمي، أن الحيوانات العاشبة إذا تعرضت للإمساك تصبح حيوانات مثلها مثل الحيوانات اللاحمة .

نخلص مما تم تحليله أن أساس النظرية العلمية الدقيقة هو التجربة. لكن إلى أي حد يمكن الاكتفاء بهذا التصور كإجابة نهائية للإشكال المطروح أم أن هناك تصورات أخرى ترى عكس ذلك؟


قيمة الاطروحة والمناقشة

إن هذا التصور المعبر عنه في السؤال يعطي لأطروحته قيمة وقوة إقناعية جعلته يتحدث بكل واقعية عن أهمية التجربة في العلم الكلاسيكي ودورها في الكشف عن القوانين الطبيعية. لكن التجربة لا تسمح وحدها ببناء النظرية العلمية، لأن تطور العلوم أفقد التجربة موقع الحسم الذي كان لها في بناء النظريات وأصبح الدور يعطي للعقل الرياضي. وهذا بالتحديد ما عبر عنه العالم الألماني «ألبرت أينشتاين» الذي رفض التجربة كمعيار وحيد للنظرية في مجال الفيزياء المعاصرة. ويؤكد أن النسق النظري في الفيزياء يتألف من مفاهيم وقوانين هي إبداعات حرة للعقل الرياضي، أما التجربة لا تلعب سوى دور المرشد للعقل في اختيار المفاهيم، لذلك ينبغي الاعتراف بإبداعية العقل العلمي الرياضي، القادر على فهم الواقع، بطريقة جديدة. انطلاقا من الاستنباط المنطقي الذي يشكل أساس النظرية العلمية. يقول أينشتاين « إن المبدأ الخلاق في العلم لا يوجد في التجربة بل في العقل الرياضي».

غير أن انتقال موضوع العلم من واقع معطى إلى واقع مبنى بالعقل، جعل العالم الفرنسي «غاستون باشلار» يؤكد على العلم المعاصر لا يمكن أن يفهم إلا في ضوء الحوار الجدلي بين العقل والتجربة وأهميتهما في بناء المعرفة العلمية، فعمل الفيزياء المعاصرة يتم وفق علاقة جدلية بين العقل والتجربة، منتقذا بذلك كل من النزعة العقلانية التي ترى عقلا معزولا عن الواقع والنزعة التجريبية التي ترى واقعا معزولا عن العقل ويعتبر أنه لا يمكن تأسيس العلوم الفيزيائية دون الدخول في حوار فلسفي بين العالم العقلاني والعلم التجريبي، فلا توجد عقلانية فارغة، كما لا توجد إختبارية عمياء. أي أن الواقع العلمي ليس واقعا معطى عن طريق التجارب بل هو واقع مبنى بناء عقليا، رياضيا، كما أن بناءات العقل وبراهينه لا تتم بمعزل عن التجارب العلمية.


خلاصة تركيبية 

هكذا نستنتج من خلال التحليل والمناقشة أن هذا الإختلاف الحاصل بين هذه التصورات بشأن كل من العقل والتجربة ودورهما في بناء النظرية العلمية, لا يلغي ذلك الحوار الجدلي بينهما لبناء المعرفة العلمية، فإذا كان التصور المعبر عنه في السؤال أكد على التجربة وتصور «اينشتاين» على العقل الرياضي، فإن «غاستون باشتلار» اعتبر أن أي غياب لأحدهما سيعيق عملية البناء أو يهدمها.

يبدو لنا من خلال الواقع العلمي المعاصر، أن مسألة التأكيد على أساس المعرفة العلمية أصبح واضحا في عصرنا الحالي. فقول انكساغوراس «إن الإنسان يفكر لأن لديه يد» إنما يدل على ذلك التداخل والتلازم بين العقل واليد في بناء المعرفة، وهذا التداخل هو ما ساهم في التقدم العلمي والمعرفي للإنسان. لكن إذا كان العلم المعاصر يبني بواسطة العقل والتجربة، فما هو المعيار الملائم للتمييز بين العلم عن ما ليس علم؟


شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/