ملخص وموضوع مقالي حول الاتحاد الأوربي نحو اندماج شامل الثانية
مقدمة
يمثل الاتحاد الأوربي أبرز التكتلات الاقليمية الكبرى في العالم، ويسعى منذ تأسيسه إلى تحقيق الاندماج الشامل بين جميع الدول الأعضاء. فما هي مراحل تشكله ؟ وأين تتجلى فيه مظاهر الاندماج؟ ثم ما هي حصيلته وآفاقه المستقبلية ؟
العرض
تكتلت الدول الأوربية في البداية داخل " المجموعة الأوربية للفحم والصلب " سنة 1952م، بعد المجهودات التي بذلها وزير الخارجية الفرنسي "روبير شومان"، وقد أسست هذه المجموعة من طرف ستة دول (فرنسا - بلجيكا - هولاندا - لوكسمبورغ – ألمانيا الغربية - إيطاليا )؛ وهدفت إلى تشجيع المبادلات فيما يخص المواد الأولية الضرورية لصناعة الحديد. ثم في سنة 1957م دعت هذه المجموعة باقي بلدان أوربا للانخراط في بناء الوحدة على إثر توقيع "معاهدة روما" التي أسست بمقتضاها "المجموعة الاقتصادية الأوربية"، وفي سنة 1973م بدأت أفواج الدول الأوربية في الانضمام إلى هذا التكتل حتى حدود سنة 2013م؛ بحيث بلغ مجموع الدول الأعضاء 28 دولة، وخلقت بذلك اندماجا مجاليا واسعا.
وتزامنا مع إنضمام الدول الأوربية إلى تكتلهم الاقليمي تم توقيع "اتفاقية شنغن" سنة 1985م؛ من أجل منح جميع أفراد الدول الأعضاء حرية التنقل بين الحدود، ثم وقعت كذلك "معاهدة ماستريخت" سنة 1992م التي سمي بموجبها هذا التكتل "بالإتحاد الأوربي"، وأقرت مبدأ المواطنة الأوربية لكافة سكان الإتحاد.
وتنجلي باقي مظاهر الاندماج داخل الاتحاد الأوربي في المستويات الاقتصادية والمالية؛ إذ تمكنت الدول الأعضاء من اعتماد سياسة فلاحية مشتركة سنة 1962م وتأسيس "الصندوق الأوربي للضمان والتوجيه الفلاحي"، واستطاعت أن تجمع عددا من الشركات الصناعية في شركة واحدة سميت "بالشركة الأوربية للصناعات الفضائية"؛ التي تمكنت من إنتاج طائرات من نوع "إيرباص" (المنافس الأول لطائرات "البوينغ" الأمريكية)، كما تم الاتفاق على توحيد السياسة الخارجية للتجارة، وجعل السوق الأوربية سوقا محلية موحدة عبر إزالة الحواجز والحقوق الجمركية، بالإضافة إلى تأسيس "بنك أوربي مركزي" واعتماد عملة موحدة (الأورو) في أغلب بلدان الاتحاد.
وترتبط مظاهر الاندماج هذه بعوامل طبيعية وبشرية وتنظيمية وحتى تاريخية؛ بحيث استفادت دول الاتحاد من انتمائها لنفس القارة ومن مؤهلاتها الطبيعية المتمثلة في المناخات الرطبة والمعتدلة، وامتداد السهول الخصبة وغزارة مياه الأنهار. وسخرت طاقاتها البشرية المكونة والمدربة لتحريك عجلة الاقتصاد عبر تشجيع البحث العلمي، كما أن احتضانها لما يزيد عن 500 مليون نسمة قد وفر لها يدا عاملة مهمة وسوقا استهلاكية محلية واسعة.. وزيادة على هذا؛ أنشأت بلدان الاتحاد الأوربي العديد من الآليات التنظيمية لضمان استمرار وفعالية الاندماج؛ من قبيل المجلس الأوربي والبرلمان الأوربي ومحكمة العدل ...، بالإضافة إلى أن التاريخ المشترك بين الدول الأعضاء داخل الإتحاد ( ثورات 1848م - الحربين العالميتين ...) يعزز في نفوس شعوبها الشعور والوعي يوحدة المصير.
وبوجود كل هذه المؤهلات حقق الاتحاد الأوربي حصيلة مهمة من الانجازات؛ فقد أصبح يمتلك 40% . من مجموع الشركات الكبرى في العالم، ويستحوذ على 22% من مجموع الناتج الداخلي العام العالمي، حيث بلغ نصيبه 9755 مليار دولار سنة 2012م، فضلا عن إنتاجه لما يقارب 30 % من الانتاج العالمي للحنوب، كما يحتل مراتب متقدمة في انتاج العديد من المواد الفلاحية الأخرى، ويساهم في الصناعة العالمية للسيارات بنسبة 27 % ، بالإضافة إلى تنوع شركائه التجاريين وهيمنة المواد المصنعة على مكونات صادراته ووارداته.
وعلى الرغم من التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوربي كظاهرة الشيخوخة وتباين مستويات النمو الاقتصادي بين بلدانه؛ إلا أنه يسعى إلى بلوغ آفاق مستقبلية تشمل تطوير السياسة الخارجية، وتوحيد الدول الأعضاء في إطار حكومة أوربية فيدرالية.
خاتمة الاتحاد الأوربي نحو اندماج شامل
تنوعت نجاحات الاتحاد الأوربي فأصبح من أهم أقطاب الثالوث الاقتصادي العالمي، إلا أن حدث انسحاب بريطانيا سنة 2017م قد يهدد استمرارية هذا التكتل ويفشل مساعيه نحو تحقيق الاندماج الشامل.
إرسال تعليق