نموذج تحليل نص فلسفي حول مفهوم الغير : وجود الغير ومعرفته والعلاقة معه

ProfSalmi يناير 14, 2024 مارس 27, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال: ينبغي أن نسأل : ما هو دور الغير في تحقق الوعي الفردي ؟ إننا نخفق في النظر إلى أنفسنا ككليات؛ وإذا فإن الغير ضروري حتى ولو كان ذلك بصورة مؤقتة لإستكمال
-A A +A

 



نموذج تحليل نص فلسفي حول مفهوم الغير: الوضع البشري الثانية باك

امتحان 2011 الدورة الإستدراكية - مسالك الشعب العلمية والتقنية والأصيلة.

«ينبغي أن نسأل : ما هو دور الغير في تحقق الوعي الفردي ؟ إننا نخفق في النظر إلى أنفسنا ككليات؛ وإذا فإن الغير ضروري حتى ولو كان ذلك بصورة مؤقتة لإستكمال فهمنا لذواتنا، وهو أمر يستطيع الفرد أن يتوصل إليه جزئيا فقـط بالاستناد إلى ذاته هو. 

أليست الرؤية التامة والكاملة للذات ممكنة عبر المرأة ؟ أو كما هو الحال بالنسبة للرسام، أليست رؤية تامة تلـك التـي يحققها عبر رسمه صورة شخصية لنفسه ؟ إن الجواب في كلتا الحالتين هو النفي. إن الصورة التي أراها في المرآة هي بالضرورة غير مكتملة؛ ومع ذلك، وبمعنى من المعاني، فإنها توفر لنا نمطا أوليا مـن إدراك الذات، ولكن شخصا يحدق فـي يمنحني الشعور بأنني أشكل وحدة كلية.»

حلل (ي) وناقش (ي)


تصحيح نموذج تحليل نص فلسفي امتحان 2011 الفلسفة


الفهم

يتأطر النص ضمن مجزوءة، الوضع البشري، باعتباره وضعا يتسم بكثير من التعقيد والتداخل، إذ تتداخل فيه مستويات منها ما هو ذاتي وما هو علائقي، ذلك أن الإنسان هو في الأصل كيان نفسي وفرد مستقل، إلا أنه أيضا كائن إجتماعي بطبيعة لا يدرك ذاته إلا من خلال مشاركته في الإيقاعات الحياتية الكبرى للجماعة.

 إذا كان ذلك هو الإطار العام الذي يندرج ضمنه النص فإنه يطرح بشكل أكثر تحديدا قضيته وجود الغير ومعرفته والعلاقة معه وهي قضية التي يمكن أن يغير عنها من خلال التساؤلات الإشكالية التالية : هل وجود الغير ضروري، أم أنه مجرد وجود جائز ؟

 بمعنى، هل الذات مكتفية بذاتها وجودا ومعرفة ؟ أم أن وجود الغير يشكل ضرورة من أجل وعي الذات بذاتها ومعرفتها لنفسها ؟


التحليل

في إطار تحليلنا لهـذا النص موضوع اشتغالنا يمكننا الإنطلاق من أطروحته الأساسية والتي مفادها أن الغير ضروري للذات لتعي الذات ذاتها كوحدة كلية، ومن أجل تأسيس هذه الأطروحة إنطلق النص من التساؤل عن دور الغير في تحقيق الوعي الفردي ويبادر مباشرة بالجواب، حين يتحدث عـن ضرورة الغير كوسيط من خلاله نحقق الوعي بأنفسنا. إن الإنسان لا يستطيع إدراك ذاته ككلية ولا فهمها إلا من خلال حضور الغير، إن إدراك الذات لذاتها عند غياب الغير يـظل إدراك جزيئا وغير مكتمل ولتوضيح هذه الفكرة يقدم النص مثالا بالنظر إلى المرآة فالرؤية الكاملة للذات لا تتم إلا من خلال المرأة وهي التي تتيح إمكانية رؤية الذات وكأننا أمام آخر، فتصبح المرأة هي آخر الأنا منظورا إليه بو صفه موضوعا أمام الأنا / الذات ومثال آخر بوضح مـن خلاله النص ذلك هو مثال الرسم عندما يرسم صورة شخصيته لنفسه. فحتى لو لم يحقق الرسم أو الصورة على المرأة الإدراك المكتمل للذات، فإنه يحقق لنا شكلا من أشكال الإدراك الأولي، الذي لا يكتمل إلا مـن خلال نظرة الغير التي تمنحني الشعور بوحدة كياني، وبإستقلالي ككلية وتتضح قمة الأطروحة في كونها جعلت مـن وجود الغير ضروري لمعرفة الذات وإدراكها وذلك وفق بناء مفاهيم وحجاجي متماسك.


المناقشة 

بعد تحليلنا لهذا النص يمكننا فـي إطار مناقشته الانفتاح على مجموعة من التطورات الفلسفية لعل من أهمها موقف هيجل الذي أسس تصورا للوعي إحتل فيه مفهوم الغير موقعا مركزيا، حتى سمیت فلسفته بفلسفة الغير، ويعتبر هيجل أن وجود الغير ووعيه ضروري لوجود الأنا ووعيه، فا لأنا لا يحقق وعيه إلا من خلال وعبر وساطة «أنـا آخر» يتوسط بين الأنـا وذاتـه.

 وقريب مـن هـذا الموقف يمكن الحديث مع سارتر عـن ضرورة الغير، بل لقد اعتبره عنصرا مكونا للأنا، ولعل ذلك ما كشف عنه عندما تحدث عن ظاهرة الخجل من حيث هو وعي يفر من ذاته نحو الغير، ففي تجربة الخجل تظهر لنا العلاقة المعقدة، مع الغير في كونه ذات أخرى هي مصدر تكون هذا الشعور، ذلك أن الأنا لا يخجل إلا أمام نظرة الغير وهنا يصبح الغير حسب هذا التحليل بمثابة الوسيط الذي لا غنى عنه في وعي الذات بذاتها ومعرفتها لنفسها، ويبقى أن تشير مع سارتر إلى أن العلاقة مع الغير هي علاقة وجود ومعرفة في الآن نفسه، لأن معرفة الغير لا تتحقق إلا بتحويله إلى موضوع والحال أن الغير ذات توجد كما توجد الأنا.

وعلى النقيض من هذه التصورات وبخلافها تتحدث فلسفة الذاتية مع أحد مؤسسيها الكبار ديكارت إلى أن الأنا مكتف بذاته، مستقل فـي وجوده، ففي عملية البحث عن الذات وتحقيق الوعي بها لم يكن ديكارت في حاجة إلى الغير. إن قولة ديكارت « أنا أفكر إذن أنا موجود » تؤسس للوعي المستقل، فيكفي أن يعود الأنا إلى ذاته مفكرا ومتأملا لكي يحقق الوعي بوجوده، في نوع من الاكتفاء بالذات والاستقلال عن كل ما يوجد خارجها.

إن الوعي حين ينعكس على الذات يؤدي إلى تحقيق الوعي بها.


التركيب

وكخلاصة لهـذا الموضوع يمكـن القول أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش معـزولا في هذا العالم، ذلك أن الآخر هو ضرورة أنطولوجية ومعرفية، فالشخص لا يحقق وعيه ككلية ووحدة بشكل منعزل عن العالم وفي استقلال عن الآخرين، بل إن قدرنا أن نقتسم العيش مع غيرنا، ونحقق الوعي بانفتاحنا على هذا الغير، وحتى قضية المعرفة بالذات تظل ناقصة وغير مكتملة إلا على حدود العلاقة مع هذا الغير الذي يعطي لوجودنا معنى وسلوكاتنا وتصرفاتنا دلالة ما.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات

3332087102290997945
https://www.profsalmi.com/