المحور الثاني: معرفة الغير مجزوءة الوضع البشري مفهوم الغير الثانية باك

مطلب الفهم (تأطير اشكالي للمحور الثاني معرفة الغير )

مقدمة حول معرفة الغير

المعرفة هي إدراك الفكر للموضوع، أو هي علاقة إبستيمية بين طرفين : ذات عارفة وموضوع للمعرفة بحيث يتميز الطرف الأول بالفكر و بالحرية والقصدية والمسؤولية ويبقى الطرف الثاني شيئا خارجيا ملموسا قابل للملاحظة والتجربة..... ومن ثمة فإن جوهر الإشكال هو أن في حالة معرفة الغير تكون العلاقة الإبستيمية بين ذاتين متكافئتين من ناحية الخصائص الإنسانية، ومن ثمة يمكن أن نتساءل :

- هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة ؟ وكيف تتحقق هذه المعرفة ؟ ثم ماهي حدودها وعوائقها ؟

- هل الغير قابل للإدراك كموضوع ؟ ألا يعني ذلك سلب هذا الموضوع/ الإنسان حريته ووعيه وإرادته ؟ ألا تفصل المعرفة بين الأنا والأنا الآخر بشكل شبه مطلق وتمنع كل تواصل بينهما على قدم المساواة، حيث أن المعرفة لا تتم إلا من خلال تشييئ الآخر ؟

تصورات ومواقف الفلاسفة في المحور الثاني لمعرفة الغير 

موقف غاستون بيرجي (1896 - 1960)

معرفة الغير مستحيلة.

معرفة الغير حسب برجي مستحيلة، لأن التجربة الذاتية الفردية هي التي تشكل العالم الحقيقي، هذه الأخيرة يتعذر نقلها والتعبير عنها، فتجربة الفرح أو الحزن مثلا، تجربة متفردة تقاوم كل تواصل، إن الأنا كما الغير يعيشان في عزلة تامة. لهذا يؤكد بيرجي أن الحميمية تشكل جدارا سميكا بين الأنا، والغير يقاوم كل تواصل.

 موقف سارتر (1905- 1980)

معرفة الأنا للغير معرفة مستحيلة.

يؤكد سارتر على استحالة معرفة الأنا للغير بسبب النظرة التشييئية، فالأنا تنظر إلى الغير كموضوع خارجي وتسلبه كل معاني الوعي والإرادة والمسؤولية، فحين يكون إنسان ما وحده يتصرف بعفوية وتلقائية، وما أن ينتبه إلى أن أحدا مـا يراقبه وينظر إليه حتى تتجمد حركاته وأفعاله وتفقد عفويتها وتلقائيتها. إن حالة التحول هاته هي التي تجعل من معرفة الأنا للغير معرفة خارجية وسـطحية لا ترقى إلى مستوى المعرفة اليقينية الحقة.

موقف مالبرانش (1638 - 1715)

معرفة الغير غير ممكنة 

يعتبر مالبرانش من أبرز أتباع المذهب العقلاني الديكارتي، ومن أهم فلاسفة الأنا / الذاتية وتقوم فلسفة الذاتية في أحد مبادئها على فكرة الكوجيطو كما صاغها ديكارت، وهي فكرة يقينية لا يرقى إليها الشك، بل هي ما يتوقف عنده الشك في تراجعه « أنا أشك إذن أنا أفكر، أنا أفكر إذن أنا موجود » وعليه تكون فكرتي حول الذاتي فكرة يقينية أما المعرفة بالغير سواء مع ديكارت أو مع مالبرانش، فإنها لاترقى إلى حقيقة المعرفة بالذات إن المعرفة بالذات يقينة شفافة، بينما المعرفة بالغير مجرد معرفة تخمينية قائمة على الظن والاحتمال ولعل ذلك ما يؤكده مالبرانش حين يقول "من البين أننا لا نعرف نفوس الناس الآخرين ولا نعرف عقولهم كما هي إلا معرفة قائمة على التخمين".

موقف ماكس شیلر (1874 - 1921)

معرفة الغير ممكنة باعتباره كلا.

يرى شيلر أن معرفة الغير ممكنة، وهذه المعرفة تتم باعتبار الغير كلا، بحيث لا يتم الفصل بين تعبيره الخارجي وإحساسه الداخلي.

إن الأنا قادرة أيضا على إدراك نوايا الغير التي يخفيها، أو تلك التي لم يستطع التعبير عنها، وذلك انطلاقا من التجربة المشتركة.

كما يميز شيلر واقعة التعبير الإنساني التي لا تقبل التقسيم عن الظواهر الطبيعية التي يمكن تفكيكها وإعادة تجميعها مرة أخرى.

موقف ميرلوبونتي (1908–1961 م)

معرفة الغير ممكنة بالتواصل معه.

یری ميرلوبنتي أن نظرة الغير لا تحول الأنا إلى موضوع، كما أن نظرة الأنا إلى الغير لا تحوله إلى موضوع، إلا إذا كان أحد الطرفين مجهولا بالنسبة إلى الآخر أو متعاليا عليه، ولكن ما أن يهم الغير بالحديث إلى الأنا أو العكس، حتى ينشأ نوع من التواصل والحوار بينهما، مما يؤدي إلى تحقيق معرفة يقينية ببعضهما البعض، أساسها التعاون والمشاركة. فالأنا، حسب ميرلوبنتي، قادرة على معرفة الغير، والنفاذ إلى أعماقه إذا تخلت عن تعاليها، وحققت شرط التواصل اللغوي والوجداني معه، واعترفت به كذات واعية، حرة ومستقلة.

يمكنك زيارة المقالة التالية: نموذج تحليل نص فلسفي حول مفهوم الغير : وجود الغير ومعرفته والعلاقة معه

أمثلة من الواقع حول معرفة الغير

مثال من الواقع لموقف غاستون بيرجي

يمكن أن نجد مثالاً على موقف غاستون بيرجي في حالة شخصين يعيشان معاً منذ سنوات عديدة، ولكنهما لا يعرفان بعضهما البعض حقًا. فكل منهما يعيش في عالمه الداخلي الخاص، ولا يستطيع فهم تجربة الآخر. فمثلاً، قد يكون أحدهما حزينًا، ولكن الآخر لا يدرك ذلك، لأنه لا يستطيع أن يشعر بما يشعر به.

مثال إضافي لموقف غاستون بيرجي

يمكن أن نجد مثالا إضافيا على موقف غاستون بيرجي في حالة شخصين ينحدران من ثقافتين مختلفتين. فكل منهما لديه مجموعة فريدة من القيم والعادات والتجارب، والتي قد لا تفهمها الآخر. فمثلا، قد يكون أحدهما من ثقافة تقدس الأسرة، بينما يكون الآخر من ثقافة تقدس الفردية. وقد يؤدي هذا الاختلاف في القيم إلى سوء فهم وصراع بين الشخصين.

مثال من الواقع لموقف سارتر

يمكن أن نجد مثالًا على موقف سارتر في حالة شخص يشعر بالانزعاج عندما يعلم أن شخصا ما يراقبه. فمثلا، قد يكون شخص ما يتحدث إلى صديقه، ولكن إذا رأى شخصا غريبا يراقبه، فقد يتجمد أو يتغير سلوكه.

مثال إضافي لموقف سارتر

يمكن أن نجد مثالا إضافيا على موقف سارتر في حالة شخص يشعر بالانزعاج عندما يشعر أن الآخر يحكم عليه. فمثلاً، قد يشعر شخص ما بالانزعاج عندما يسأله شخص آخر عن أفكاره أو معتقداته. وقد يؤدي هذا الشعور بالحكم إلى أن يشعر الشخص بأنه غير حر في التعبير عن نفسه.

مثال من الواقع لموقف مالبرانش

يمكن أن نجد مثالًا على موقف مالبرانش في حالة شخص يحاول فهم مشاعر شخص آخر من خلال مراقبة سلوكه. فمثلاً، قد يرى شخص ما أن صديقه يبكي، وقد يفترض أنه حزين. ولكن هذا الافتراض قد يكون خاطئًا، فصديقه قد يكون يبكي بسبب الحساسية المفرطة أو بسبب أي سبب آخر.

مثال إضافي لموقف مالبرانش

يمكن أن نجد مثالا إضافيا على موقف مالبرانش في حالة شخص يحاول فهم مشاعر شخص آخر من خلال قراءة كتاب أو مقال كتبه. فمثلاً، قد يقرأ شخص ما كتابا عن مشاعر الحزن، وقد يفهم من الكتاب بعض الجوانب النظرية للشعور بالحزن. ولكن هذا الفهم قد يكون سطحيا، ولا يعطي الشخص فهمًا حقيقيًا لما يشعر به شخص حزين بالفعل.

مثال من الواقع لموقف ماكس شيلر

يمكن أن نجد مثالا على موقف ماكس شيلر في حالة شخص يفهم مشاعر شخص آخر من خلال التواصل معه. فمثلا، قد يتحدث شخصان إلى بعضهما البعض، وقد يشعر كل منهما بمشاعر الآخر. وهذا لأنهما يشتركان في التجربة الإنسانية.

مثال إضافي لموقف ماكس شيلر

يمكن أن نجد مثالا إضافيا على موقف ماكس شيلر في حالة شخص يفهم مشاعر شخص آخر من خلال مشاهدة فيلم أو مسرحية. فمثلاً، قد يشاهد شخص ما فيلما عن مشاعر الحب، وقد يشعر بمشاعر الحب عندما يشاهد قصة الحب في الفيلم. وهذا لأن الفيلم يمثل التجربة الإنسانية بطريقة تجعلها مفهومة ومشاركتها.

مثال من الواقع لموقف ميرلوبونتي

يمكن أن نجد مثالا على موقف ميرلوبونتي في حالة شخصين يتواصلان مع بعضهما البعض، وقد يفهم كل منهما مشاعر الآخر. فمثلاً، قد يتحدث شخصان عن أحلامهما، وقد يشعر كل منهما بمشاعر الآخر. وهذا لأنهما يشتركان في تجربة الحلم.

مثال إضافي لموقف ميرلوبونتي

يمكن أن نجد مثالا إضافيًا على موقف ميرلوبونتي في حالة شخص يفهم مشاعر شخص آخر من خلال المشاركة في تجربة مشتركة. فمثلاً، قد يشارك شخصان في تجربة البكاء، وقد يشعر كل منهما بمشاعر الآخر. وهذا لأنهما يشتركان في نفس التجربة، ويشعران بنفس المشاعر.

يمكنك زيارة المقالة التالية: منهجية تحليل سؤال فلسفي جاهزة للثانية باك معرفة الغير

مصطلحات ومفاهيم مفهوم الغير معرفة الغير

الأنا: هو الذات المفكرة العارفة لنفسها في مقابل الموضوعات التي تتميز عنها وعن فعل تفكيرها، وخاصة حين تتخذ شكل أشياء خارجية مادية محسوسة.

الغير: هو الذات الأخرى المغايرة للذات والمختلفة عنها، إنه الأنا الآخر منظورا إليه ليس بوصفه موضوعا، وإنما بوصفه ذاتا بشرية تملك وعيا وإرادة، إنه بعبارة أخرى الأنا الذي ليس أنا سواء كان قريبا أو بعيدا.

الحرية: هي استقلال الذات فكرا وتصرفا وعدم خضوعها لأية إكراهات خارجية، أو بالأحرى قدرة الشخص على الفعل أو الامتناع عنه بعيدا عن كل إكراه كيفما كان نوعه.

معرفة : العملية التي بواسطتها يدرك العقل موضوعا ما، وهـي بذلك انتقال من الذات المدركة إلى موضوع بهدف فهمه وتفسيره.

يمكنك زيارة المقالة التالية: مصطلحات ومفاهيم مجزوءة الوضع البشري - الفلسفة الثانية باك 

خلاصة للمحور معرفة الغير

إن معرفة الغير تنتهي إلى التفكير في أشكال التواصل معه، لأن كل تأكيد على أن معرفة الغير ممكنة يفترض أن تثبت كيف أن الذات قادرة على تحقيق تواصل شفاف مع الغير، سواء بالرجوع إلى التجربة المشتركة، أو بالرجوع إلى القدرة على التفاهم من خلال التواصل. وعدم معرفته يرجع أيضا إلى إثبات كيف أن التواصل معه يبقى مستحيلا، سواء من خلال عزلة الذات، أو لعدم قدرة أشكال العلاقات على تحقيق تواصل فعال.

مقالات ذات صلة

المحور الأول: وجود الغير مجزوءة الوضع البشري مفهوم الغير الثانية باك

المحور الثالث: العلاقة مع الغير مجزوءة الوضع البشري مفهوم الغير الثانية باك

منهجية تحليل ومناقشة نص فلسفي جاهزة وفقا للاطار المرجعي

المحور الاول: التجربة والتجريب مجزوءة المعرفة مفهوم النظرية والتجربة الثانية باك