مطلب الفهم (تأطير اشكالي)
مقدمة التجربة والتجريب
غالبا ما يلتبس مفهوم التجربة بمفهوم التجريب، حتى أن بعض الباحثين يقيمون أحدهم مكان الآخر فيصيران مفهوما واحدا. وغالبا ما نرى هؤلاء يرومون توظيف هذا المفهوم ليناسب دلالة صريحة على الآخر.
والواقع أن ثمة فروقا جوهرية بين التجربة والتجريب ينبغي توضيحها، فالتجريب يلخص تلك الخطوات التي يعكسها المنهج التجريبي والمتمثلة في : الملاحظة - الفرضية - التجربة - القانون.. وبالتالي يزاوج بين ما يمكن اعتباره معطى واقعيا وبين ما يمكن اعتباره معطى فكريا، بينما التجربة ما هي إلا خطوة من خطوات المنهج التجريبي، تمثل تلك الإجراءات المخبرية التي تسعى إلى التحقق من الفرضية ويبقى السؤال الجوهري هنا هو :
- ماهي شروط بلوغ الحقيقة العلمية ؟ هل التجربة بالمعنى الإختباري والتي تعتبر الواقع معطى جاهزا يجب وصفه كما هو ؟ أم على التجربة أن تنفتح على الإفتراضي والخيالي في معرفة الظواهر ؟
أو
- ما دلالة التمايز بين التجربة والتجريب ؟ ما طبيعة المنهج التجريبي ؟ وما هي أهم خطواته ؟ والى اي حد يمكن اعتبار التجربة هي اساس بناء المعرفة العلمية ؟
تصورات ومواقف الفلاسفة التجربة والتجريب
موقف كلود برنار (1878 - 1813)
التجربة العلمية وحدها تؤسس النظرية العلمية وهي معيارها الوحيد.
پری کلود برنار أن بناء النظرية العلمية تنطلق من الملاحظة الدقيقة والأمينة للظاهرة المدروسة، أي أن تتم بشكل موضوعي، بحيث يشبه العالم بآلة التصوير. الملاحظة تؤدي إلى ميلاد الفكرة، هذه الأخيرة تعتبر حلا مؤقتا لتفسير الظاهرة، هذه الفرضيات على العالم أن يتحقق من صحتها باختبارها الواحدة تلو الأخرى، والتي مكنتنا من تفسير الظاهرة المدروسة ستصبح نظرية علمية جديدة. بهذا المعنى تكون التجربة هي منطلق بناء النظرية العلمية ومعيار صحتها.
موقف روني طوم (1923 - 2002)
للعقل والخيال دور أساسي في بناء النظرية العلمية.
يؤكد روني طوم على أهمية الخيال في بناء المنهج التجريبي، فالتجريب وحده عاجز عن تفسير الظواهر الطبيعية واكتشاف الأسباب المتحكمة فيها، ولا يمكن له أن يكون علميا إن هو استغني عن التفكير والخيال، فالتجربة العلمية، لا تنحصر في نطاق ما هو واقعي ملموس فقط، بل تنفتح على ما هو خيالي افتراضي، فكثير من النظريات العلمية، الفيزيائية والرياضية...، ما كان لها أن تتأسس لولا الاستعانة بالعمليات الذهنية في ظل غياب عتاد مخبري، فمهما بلغت قوة وصلابة التجربة لا يمكن الاستغناء عن التفكير والخيال.
موقف ألكسندر كويري (1892 - 1964)
التجريب مساءلة منهجية للطبيعة.
یری أن الملاحضة التجريبية بمعناها، الكلاسيكي لم تلعب إلا دوراً محدودا في العلم الحديث، بل إنها قد تشكل عائقا أمام تقدم العلم. فعندما تخضع معرفة ما بالواقع للمعالجة النظرية تصبح علما.
أما مراكمة الواقع بدون معالجة نظرية فإنها لا تنتج العلم. يجب إعتماد التجريب كمعالجة نظرية ومساءلة نقدية منظمة ومنهجية للطبيعة.
أمثلة من الواقع للمواقف الفلسفية لمحور التجربة والتجريب
مثال من الواقع على موقف كلود برنار
في عام 1842، أجرى العالم الفرنسي جان بيير ماري لوي بيرجيو تجربة لمعرفة ما إذا كان الهواء يتكون من عناصر متعددة أم أنه عنصر واحد. قام بتجربة بأخذ عينة من الهواء وتعريضها لحرارة عالية، ثم قام بتحليل ما تبقى. وجد أن ما تبقى هو غاز النيتروجين والأكسجين. أدى هذا الاكتشاف إلى تطوير نظرية جديدة عن تركيب الهواء.
مثال آخر:
في عام 1905، أجرى العالم الألماني ألبرت أينشتاين تجربة لاختبار نظرية النسبية الخاصة. قام بقياس سرعة الضوء في اتجاهات مختلفة، ووجد أنها كانت متساوية. أدى هذا الاكتشاف إلى ثورة في فهمنا للفيزياء.
في كلتا الحالتين، كانت التجربة العلمية هي التي أدت إلى تطوير نظرية جديدة.
مثال من الواقع على موقف روني طوم
مثال من الواقع:
في القرن السادس عشر، تخيل العالم الإيطالي جاليليو غاليلي أن الأرض تدور حول الشمس. لم يكن لديه أي دليل تجريبي يدعم هذه الفرضية في ذلك الوقت، لكنه كان مقتنعًا بأنها صحيحة. أدى هذا الخيال إلى تطوير نظرية مركزية الشمس، والتي أصبحت فيما بعد أساس علم الفلك الحديث.
مثال آخر:
في القرن السابع عشر، تخيل العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن أن هناك قوة جاذبية تجذب الأجسام بعضها البعض. لم يكن لديه أي دليل تجريبي يدعم هذه الفرضية في ذلك الوقت، لكنه كان مقتنعًا بأنها صحيحة. أدى هذا الخيال إلى تطوير نظرية الجاذبية، والتي أصبحت فيما بعد أساس علم الميكانيكا الكلاسيكية.
في كلتا الحالتين، كان الخيال عنصرا أساسيا في تطوير نظريات علمية مهمة.
مثال من الواقع على موقف ألكسندر كويري
مثال من الواقع:
في القرن التاسع عشر، أجرى العالم الفرنسي جان بيير فاراداي تجربة لدراسة العلاقة بين الكهرباء والمغناطيسية. قام بتمرير تيار كهربائي عبر سلك، ثم قام بقياس المجال المغناطيسي الناتج. وجد أن المجال المغناطيسي كان مرتبطًا باتجاه التيار الكهربائي. أدى هذا الاكتشاف إلى تطوير نظريات جديدة عن الكهرباء والمغناطيسية.
مثال آخر:
في القرن العشرين، أجرى العالم الأمريكي ألفرد هيرشي تجربة لدراسة بنية الذرة. قام بإطلاق أشعة ألفا على صفائح من الذهب، ووجد أن بعض هذه الأشعة كانت ترتد بزاوية كبيرة. أدى هذا الاكتشاف إلى تطوير نظرية بنية الذرة.
في كلتا الحالتين، كان التجريب بمثابة مساءلة منهجية للطبيعة أدت إلى تطوير نظريات علمية مهمة.
مفاهيم محور الاول التجربة والتجريب
التجربة: هي اللحظة المنهجية التي يتم فيها اختبار الفروض، تعتبر في مجال المعرفة العلمية، الوسيلة الأساسية التي يلجأ اليها العالم المجرب لمعرفة القوانين المتحكمة في الظواهر الطبيعية.
النظرية: هي انشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ، وتشير في المجال العلمي الى مجموع الأطروحات والقوانين التي تؤسس نسقا متكاملا في مجال معين كالفيزياء مثلا.
الفرضية: هي استنتاج أولي ومؤقت يضعه الباحث لتفسير ظاهرة ما، والفرضية العلمية غالبا ما تكون قابلة للاختبار والتجريب وتتأسس بناء على ملاحظات حدسية أولية او نظريات علمية سابقة.
الخيال: هو القدرة على تكوين صور ذهنية لأشياء غابت عن الحس، أي انشاء صور ذهنية انطلاقا من مدركات حسية سابقة (خيال استرجاعي) او تمثل علاقات جديدة بين الاشياء والوقائع (خيال ابداعي).
مقالة ذات صلة: نموذج تحليل سؤال فلسفي التجربة والتجريب الثانية باك
خلاصة تركيبية لمحور التجربة والتجريب
عموما يمكن التمييز بين التجريب بالمعنى الكلاسيكي، والذي يستند بالأساس إلى التجربة أو الواقع كمرجع وفيصل في تحديد النظرية العلمية الصحيحة. أما التجريب بالمعنى المعاصر، فيعتبر عاجزا عن تفسير الظواهر، إنه بحاجة إلى التفكير إلى التأمل. فالخيالي يتمم الواقعي. وهذا ما يدفع إلى طرح السؤال حول مكانة العقل في المعرفة العلمية.
مقالات ذات صلة
المحور الثاني: العقلانية العلمية مجزوءة المعرفة مفهوم النظرية والتجربة الثانية باك
المحور الثالث: معايير علمية النظريات العلمية مجزوءة المعرفة مفهوم النظرية والتجربة
المحور الأول: الرأي و الحقيقة مجزوءة المعرفة مفهوم الحقيقة
منهجية تحليل ومناقشة سؤال فلسفي جاهزة وفقا للاطار المرجعي
إرسال تعليق