الامتحان الوطني لنيل شهادة الباكالوريا الدورة العادية 2018 مسلك الآداب
المادة : الفلسفة
مدة الإنجاز ساعتان
السنة الثانية باك
الموضوع الأول:
هل يمكن أن نعرف الغير كما نعرف الأشياء ؟
الفهم :
يمكن تأطير السؤال الذي بين أيدينا ضمن الإطار الإشكالي لمجزوءة الوضع البشري، وتحديدا مفهوم الغير، ويطرح السؤال إشكالية معرفة الغير، وبالخصوص مدى دقة هذه المعرفة، وهل ترقى دقة هذه المعرفة إلى درجة معرفتنا بالأشياء،من حيث الدقة و الموضوعية أم أن معرفة الغير بالمقابل تبقى ذاتية و نسبية. وبالتالي تطرح معرفة الغير تساؤلات متعددة منها : ما الغير ؟ ما المعرفة ؟ ما الأشياء ؟ وهل معرفة الغير بما هو ذات معرفة ممكنة مثل معرفة الأشياء ؟ وبأي طريقة تتحقق هذه المعرفة ؟ هل معرفتي للغير تحوله إلى موضوع ؟
التحليل :
للإجابة عن التساؤلات السابقة أجد انه من الأساسي تحديد مفاهيم السؤال الأساسية، فالغير عموما هو المخالف والمشابه، إنه ذات أخرى تشبهني وتختلف عني في آن معا، أما المعرفة فهي قدرة الذات على إدراك موضوع أمامها. فهي علاقة ذات بموضوع، هذا الموضوع قد يكون ذاتا أو شيئا، وهنا يمكن أن نشير إلى الاختلاف بينهما، فالأشياء من حيث هي موضوعات العالم وهي مجال للملاحظة الخارجية، من حيث هي موجودات خارجية تسمح بقيام معرفة موضوعية، للغير كذلك مظاهر خارجية يمكن الارتكاز عليها لإنتاج معرفة موضوعية عنه، باعتبار أن له وجودا موضوعيا على غرار أشياء العالم الخارجي. وبالتالي يمكن القول مبدئيا أنه يمكن الاستفادة من طرق معرفة الأشياء في معرفة الغير... لكن الغير ليس موضوعا للإدراك الخارجي فقط، إنه وعي وحرية، ومسؤولية. من الواضح إذن أن السؤال يميل إلى أن معرفة الغير بشكل واضح ودقيق كما نعرف الأشياء معرفة ممكنة، لكن ألا تشكل خصوصية الغير عائقا أمام تشكل معرفة دقيقة بالغير ؟ وبالإضافة إلى ذلك ألا تشكل معرفة الغير بنفس طريقة معرفة الأشياء تجاهلا لخصوصية الغير ؟ وبالتالي الامتناع عن معرفته بشكل أو بآخر.
المناقشة :
لاشك أن معرفة الغير باعتباره شيء تبقى رهانا على موضوعية المعرفة أكثر من الرهان على معرفة الغير كذات متميزة تحديدا. وبالتالي إمكانية قيام دراسة موضوعية علمية حول الإنسان عموما. وبالتالي إمكانية التحكم والتطوير للوجود الإنساني تماما كما هو الأمر بالنسبة للأشياء. وهذا ما يطرح نقاشا ابستمولوجي وأخلاقي في علاقة الأنا بالغير، وهنا يمكن إغناء النقاش باستحضار موقف «إميل دوركايم» الذي يؤكد أن الظاهرة الإنسانية يمكن معالجتها كشيء، وهذا يعني ا ليس من الضروري استحضار خصوصية الغير أثناء معرفته، بل تتم معرفته كما نعرف الأشياء. وهذا تأكيد على وضوح هذه المعرفة وقوتها. من جهة أخرى يمكن أن نستحضر موقف ماكس شيلر الذي يرى أن معرفة الغير ممكنة، ليس باعتباره شيئ، بل إن معرفته تتحقق بطرق مختلفة عن تلك التي تعرف بها الأشياء. فالموضوعات عموما تقبل التقسيم و التجزئة، أما الغير فمعرفته تتم باعتباره كلا. فالظاهرة الإنسانية لا تتقبل أن تعامل معاملة الشيئ، إنها من طبيعتين مختلفتين.
فالظاهرة الإنسانية تدرك دون تمييز بين مظاهره الخارجية وأحاسيسه الداخلية. ويمكن الانفتاح أيضا على مواقف أخرى تعتبر معرفة الغير مستحيلة، لكونه عالم منغلق يقاوم كل محاولة للمعرفة، فهناك جدار سميك بين الأنا والغير كما يرى غاستون بيرجي، يجعل معرفة الغير بالتالي مستحيلة لأن التجربة الخاصة هي الواقع الحقيقي و لا وجود للتجربة المشتركة، وبالتالي كل واحد منا يعيش معزولا على الآخرين.
التركيب :
معرفة الغير كشيء تبقى طموحا مشروعا، فهي تعبير عن رغبة في معرفة الغير بدقة انسجاما مع قدرتنا على معرفة موضوعات الطبيعة ، لكن الغير بطبيعته الإنسانية المعقدة يقاوم التبسيط الذي يرجع الذات إلى موضوع، وهنا يكون من المهم أن لا نسقط في التشيئ، وبالتالي الحط من كرامة الشخص، وهذا نجد المواقف المؤكدة على إمكانية معرفة الغير كذات مكانا مشروعا لها، أما القول بعدم إمكانية معرفة الغير فلا يخلو أيضا من وجاهة مادام الوجود الإنساني يقدم نفسه كظاهرة معقدة.
0 تعليقات