نموذج تطبيقي لمنهجية النص الفلسفي مجزوءة المعرفة مفهوم الشخص محور الشخص والهوية
تحليل ومناقشة نص فلسفي مفهوم الشخص محور الشخص والهوية
النص :
من الأكيد أننا ننظر لأنفسنا على أننا شخص واحد، و أننا نفس الشخص في كل فترات عمرنا، لكن هذه الهوية التي ننسبها لأنفسنا، هل تفترض بالضرورة أن فينا عنصرا ثابتا، أنا حقيقيا و ثابتا ؟
لنسجل أن الوقائع تكذب كليا هذه الفرضية. فالإنسان الذي في حالة نوم ليس له أنا، أو على الأقل ليس له إلا أنا متخيل يتبخر عندما يستيقظ، كما أن ضربة واحدة على رأسه تكفي لحفر هوة عميقة بين أنا اليوم و أنا البارحة لأنها تشل ذكرياتنا...
أن نقول بأننا نرجع حالاتنا الداخلية إلى أنانا، معناه أن نقول إننا نرجع حالاتنا الداخلية الخاصة إلى أنا ما أو إلى ذات حاملة هامة... ليس هناك سوى شيئين يمكن أن يجعلانا نحس بهويتنا أمام أنفسنا و هما: دوام نفس المزاج أو نفس الطبع، و ترابط ذكرياتنا. ذلك أن لدينا نفس الطريقة الخاصة في رد فعلنا تجاه ما يؤثر علينا، أي أن نفس العلامة تسم فعلنا الأخلاقي و تطبع حالاتنا الداخلية بطابع شخصي... إضافة إلى ذلك؛ فإن ذكرياتنا تشكل على الأقل بالنسبة للقسم القريب من حياتنا، سلسلة مترابطة الأطراف: فنحن نرى أن حالتنا النفسية الحالية تتولد من حالاتنا النفسية السابقة. و هذه من سابقتها... و هكذا يمتد وعينا التذكري في الماضي و يمتلكه و يربطه بالحاضر ...
تحليل النص ومناقشته
مقدمة
انطلاقا من قراءة النص، أجده يعالج بالتحديد مفهوم الشخص كمفهوم مركزي، وهذا يجعله يتأطر ضمن مجزوءة الوضع البشري، ويتناول النص بالتحديد إشكالية هوية الشخص كقضية أساسية، وتطرح هوية الشخص مفارقات أساسية حيث ينظر كل شخص إلى ذاته باعتباره نفس الشخص، رغم التغيرات التي يمر منها جسديا وفكريا، وهذا ما دفع إلى التساؤل حول أساس هذه الهوية، وهو ما يعالجه النص بشكل واضح، من خلال التساؤل التالي : هل تفترض - الهوية - بالضرورة أن فينا عنصرا ثابتا ؟ وهو التساؤل الذي يندرج ضمن إشكالية هوية الشخص، وهذا يحيلنا إلى مجموعة من التساؤولات منها : هل تشكل الذاكرة ودوام نفس الطبع أساس هوية الشخص ؟ أم أن هناك أسسا أخرى تفسرها ؟
يؤكد صاحب النص في محاولته تفسير ثبات هوية الشخص، أنه ليس هناك أساس لهوية الشخص سوی دوام نفس المزاج والطبع وترابط ذكرياتنا، بمعنى أن أساس هوية الشخص هو الطبع والذاكرة، و ينطلق صاحب النص من التسليم بهوية الشخص، ويتساءل بالتالي هل هذه الهوية تفترض عنصرا ثابتا ترجع إليه. إن الوقائع، أي التجربة المعيشة تمنعنا من التسليم بوجود هذا العنصر الثابت, لذلك طرح الكاتب مثالا بحالة النوم حيث يختفي هذا العنصر مهما كان، أو حالة فقدان الوعي لسبب ما، لهذا يرى بأن ما يفسر هوية الشخص هو الطبع، وهو ما يتجلى في ردود أفعالنا من جهة، والذاكرة التي بواسطتها نستطيع أن نتذكر الماضي ونتملكه ونربطه بالماضي من جهة ثانية، بهذا يؤكد صاحب النص أهمية الطبع والذاكرة كأساس لهوية الشخص، وهذا ما يجعلنا نشعر بأننا نفس الأشخاص في أزمنة وأمكنة مختلفة، ولإقناعنا بهذا الموقف اعتمد صاحب النص على العرض، والنفي، والتفسير والاستنتاج، كما وظف أسلوب الاستفهام، حيث قدم موقفا يعتبر محط إجماع واتفاق، وجعله محط تساؤل ونقد، ليقدم دليلا واقعيا على خلاف ذلك، و ليصل إلى تفسير هوية الشخص وتحديد أطروحته.
تكمن قيمة أطروحة صاحب النص في اعتراضه على الرأي العام الذي يحيل الهوية إلى أنا ثابت، انطلاقا من الشواهد الواقعية التي تكذب كلية وجود أنا ما ثابت يمكن أن نفسر به هوية الشخص، هكذا يعتمد صاحب النص في بناء أطروحته على الجمع بين المعنوي الفكري والجسدي المادي، بمعنى أن الهوية ترجع إلى بنية نفسية وفكرية ترتبط بتجارب الشخص. لكن حصر الهوية في دوام الطبع والمزاج لا ينفي إمكانية التشكيك في هذا الأساس، لأنه ينتهي إلى الذاكرة، وهذه الأخيرة معرضة للفقدان الجزئي أو الكلي.
موقف صاحب النص يدعمه بشكل واضح "جول لاشولييه" في تأكيده أن الهوية ترجع إلى دوام نفس الطبع والمزاج، ثم إلى الوعي التذكري الذي يربط الماضي بالحاضر، كما يدعمه "جون لوك" الذي يعتبر أن الهوية ترجع إلى الشعور المقترن بالفكر، بحيث أن التجارب التي عشناها بالماضي عندما نعيد استحضارها في الحاضر هي ما يجعلنا ندرك ان الذات التي تعيش التجربة في الحاضر هي التي عاشت نفس التجربة في الماضي، وفي مقابل هذه المواقف نجد "شوبنهاور" الذي يستبعد الشعور، وكذا الذاكرة في بناء الهوية، ذلك أنها مكونات متغيرة، فالذاكرة تتغير بفعل النسيان أو المرض، والجسد يتغير بدوره، كما أن الفكر ليس إلا وظيفة من وظائف المخ، هذه المكونات لا تصلح لتفسير ما هو ثابت، ويقترح كبديل الإرادة لأنها دائمة وثابتة لا تتغير بالزمان والمكان. إن الإرادة هي ما يدفع كل الموجودات نحو الفعل، لهذا فهي صفة تميز الطبع.
عموما يكشف تحليل النص ومناقشته عن اختلاف الآراء في تفسير الهوية الشخصية، سواء باعتماد الذاكرة والطبع، كما هو الشأن بالنسبة لصاحب النص "وجون لاشولييه" وكذا "جون لوك"، في حين يرى "شوبنهاور" أن الهوية تفسر بالرجوع إلى الإرادة، وهذا يكشف عن غنى الإشكال المطروح، خاصة وأنه يرتبط بطبيعة الشخص، وعلاقاته، إن التفكير في الهوية لا ينفصل عن دور الشخص ومكانته وقيمته، فمن أين يستمد الشخص قيمته؟
يمكنك زيارة المقالة التالية: نموذج تحليل ومناقشة النص الفلسفي ما أساس هوية الشخص؟ نحن لن نهتم بالصفات الهامشية
إرسال تعليق