تحضير درس الشخص والهوية الثانية باك
مقدمة
بالعودة إلى الفلسفات التي اهتمت بمفهوم الشخص، نجد أنها ما فتئت تربط هذا المفهوم بشبكة من المفاهيم الفلسفية الأخرى من قبيل : الأنا والوعي والذات..... فمفهوم الشخص كما تحدد فلسفيا يحيل على تلك التجربة الذاتية الداخلية، ويدل على مايميز شخصا عن آخر، أي ذاك الأنا الذي يظل هو هو رغم اختلاف الظروف والأوضاع، ومن ثمة فالشخص يتوفر على هوية خاصة قد يستقيها من فكره أو من إدراكاته الحسية أو من ذاكرته، هكذا فسؤال الهوية الشخصية يحيل على الإشكالات التالية :
- ما هو الأساس الذي تقوم عليه هوية الشخص ؟
- هل على الوحدة والتطابق أم على التعدد والدينامية ؟
- على أي مستوى يمكن الكشف عن حقيقة هويتنا الشخصية، هل على مستوى الوعي أم على مستوى اللا شعور ؟
ملخص الشخص والهوية مواقف واراء الفلاسفة
الاشكالية: ما الشخص؟ ما أساس هويته؟
هل تقوم هوية الشخص على الوحدة، والتطابق أم على التعدد والتغير؟
اذا كان للشخص جسد يخضع لتغيرات، فهل يؤثر هذا التغير على هوية الشخص؟
موقف جون لوك (1632 - 1704)
الشعور المقترن بالفكر أساس هوية الشخص.
يعطي تعريفا للشخص باعتباره ذلك الكائن المفكر والعاقل، القادر على التعقل والتأمل حيثما كان وأنى كان ومهما تغيرت الظروف، وذلك عن طريق الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة وبشكل مستمر دون حدوث أي تغير في جوهر الذات، فاقتران الشعور بالفكر على نحو دائم هو ما يكسب الشخص هويته ويجعله يبقى دائما هو هو، باعتباره كائنا عاقلا يتذكر أفعاله وأفكاره التي صدرت عنه في الماضي وهو نفسه الذي يدركها في الحاضر.
قيمة الأطروحة : تكمن قيمة هذا التصور الفلسفي الذي جاء به جون لوك في كونه تجاوز التصور العقلاني الذي حصر الهوية في عنصر الوعي، فأسس جون لوك الهوية على الشعور والذاكرة، فالقيمة الاجتماعية والقانونية لهذا التصور تكمن في مفهوم الذاكرة الذي يجعل الشخص مسؤولا أمام القانون والمجتمع وبالتالي ترسيخ لمفهوم المسؤولية القانونية في الأفعال سواء في الماضي أو الحاضر.
حدود الأطروحة : لكن ما يؤخد على هذا التصور الفلسفي كونه اختزل الهوية فقط في عنصر الشعور والذاكرة ولم ينفتح على محددات أخرى للوجود الانساني، أضف الى ذلك أن الشعور يمكن أن يكون متغيرا وأن الذاكرة معرضة للمرض والشيخوخة والضعف، وأن الحواس خادعة اللشيء الذي يدفعنا الى استحضار مواقف فلسفية أخرى.
موقف شوبنهاور (1788 - 1860)
الإرادة أساس هوية الشخص.
يعتبر شوبنهاور أن الإرادة (إرادة الحياة) هي ما يشكل أساس هوية الشخص. وقد استبعد أن يكون الجسد أساس الهوية، أو الشعور المقترن بالفكر، وكذلك الذات العارفة ... وأكد أن التغير الذي يلحق هذه المكونات يجعلها غير كافية لتفسير الهوية الشخصية. أما الإرادة باعتبارها نواة وجود الإنسان، كما أنها لا تحد بالزمان، وتفرض نفسها بقوة، و لا تتغير، فهي وحدها اذن تصلح أساسا لهوية الشخص.
قيمة الأطروحة : تكمن أهمية هذه الأطروحة في تقديمه لجواب تصور جديد لاعقلي ضدا على الاتجاهات العقلية، وهذا التصور يتناسب مع بعض الظواهر والوقائع التي يعيش عليها الانسان في الوقت الراهن، فارادة شخص أو جماعة ما هي التي تبرر سلوكات وأهداف هذا الشخص أو الجماعة، فارادة السيطرة والهيمنة الاقتصادية هي التي تفسر استعمار دولة لدولة أخرى.
موقف جول لاشوليي (1832 - 1918)
ينفي لاشوليي وجود أنا عنصر جوهري حامل لصفات الذات، وفي المقابل يرى أن المحدد الرئيسي للشخص هو تطابقه مع ذاته وتميزه عن غيره، وأساس هذه الهوية هو وحدة الشخص النفسية، والتي هي نتاج لآليات نفسية تضمن استمرار الهوية وتطابق الشخص مع ذاته ماضيا ومستقبلا و يركز على سمتين مرکزيتين هما دوام نفس المزاج أو نفس الطبع و ترابط الذكريات.
ولعل ذلك ما تؤكده عبارة لاشوليي «ليس هناك سوی شيئين يمكن أن يجعلاننا نحس بهويتنا أمام أنفسنا وهما : دوام نفس المزاج أو نفس الطبع وترابط ذكرياتنا».
موقف رونيه ديكارت (1596 - 1650)
الفكر أساس الهوية.
يقصي ديكارت كل الخصائص التي يمكن أن نتصور أنها تشكل حقيقة الذات أو خاصيتها المميزة، ليخلص في النهاية إلى أن التفكير هو الخاصية التي لا يمكن استبعادها، وهذا ما يعبر عنه ديكارت بقوله الشهير " أي شيء أنا ؟ أنا شيء مفكر" فالوعي أو التفكير هو أساس هوية الشخص، إذ هو الخاصية التي لا يمكن استبعادها أو الشك في صحتها.
قيمة الأطروحة : تكتسي الأطروحة قيمة فلسفية وعلمية حيث قدمت تصورا عقليا خالصا جعل من العقل أساس الهوية الشخصية والوعي بالذات والعالم. فالعقلانية الديكارتية هدمت سلطة الكنيسة التي حجرت على العقل والانسان والتفكير طيلة مرحلة العصر الوسيط، فالعقل كنور فكري يجب ان يتأمل ذاته والعالم وأن يبحث عن الحقيقة الذاتية والطبيعية والعلمية. ومن ثم فان ديكارت يؤكد على أن وعي الذات بذاتها لا يمر عبر وسيط خارجي بل أن هوية الشخص ووعيه بذاته يرتبط بالتفكير كفعل عقلي وليس من خلال الجسد، وهنا ما تترجمه عبارة ديكارت "أنا أفكر اذن أنا موجود".
حدود الأطروحة : رغم القيمة الكبرى للموقف الديكارتي الذي يثبت ان هوية الشخص تقوم على أساس ومبدأ الذاتية أي أن الشخص يكفي ذاته بذاته لاثبات هويته باعتباره جوهرا مفكرا، الا انه لا يمكن أن يسلم موقفه من بعض الانتقادات، فديكارت هنا يضعنا أمام ذات منغلقة لا تسمح لأي تدخل خارجي في تحديد هويتها، ما يعني عزل الذات عن محيطها الخارجي ،ان جعل ديكارت من الشخص ذات منعزلة وحيدة تنحصر هويته في جوهر ثابت منفصل عن الوجود.
موقف سيغموند فرويد (1856 - 1939)
اللاشعور هو المحدد لهوية الشخص.
يعتبر سيغموند فرويد أن هوية الشخص تتشكل لاشعوريا من خلال الصراع بين مكونات الجهاز النفسي الثلاث: الهو، موطن الغرائز والشهوات والملذات المكبوتة، والأنا الأعلى، الذي يتضمن مجموع القيم والمثل الأخلاقية والقانونية التي يكتسبها الفرد من المحيط الاجتماعي والتربوي والديني... والأنا، المكون المسؤول عن التوفيق بين المطالب المتناقضة للهو والأنا الأعلى والعالم الخارجي. فاللاشعور هو المحدد لاختياراتنا والموجه الرئيس لإرادتنا ورغباتنا، وبالتالي فهو المسؤول المباشر عن تحديد هويتنا.
أمثلة من الواقع الشخص و الهوية
أمثلة لموقف جون لوك
شخص يفقد ذاكرته في حادث، ثم يستعيدها تدريجياً. خلال فترة فقدان الذاكرة، قد يشعر بأنه شخص مختلف. ولكن عندما يستعيد ذاكرته ويسترجع وعيه بأفعاله وأفكاره الماضية، يشعر مرة أخرى بهويته الأصلية. هذا يوضح كيف أن الشعور المستمر بأفعالنا وأفكارنا هو ما يمنحنا إحساس الهوية.
شخص يسجل يومياته بشكل يومي منذ سنوات عديدة. عندما يقرأ تلك اليوميات، يستطيع استرجاع مشاعره وأفكاره الماضية بوضوح، مما يعزز لديه الشعور بالاستمرارية والهوية الشخصية رغم مرور الزمن وتغير الظروف.
أمثلة لموقف آرثر شوبنهاور
رياضي يواجه إصابة تمنعه من ممارسة رياضته المفضلة. بالرغم من أن جسده لم يعد كما كان، إلا أن إرادته القوية للنجاح والتفوق في مجال آخر (مثل التدريب أو العمل الإداري) تظل ثابتة، وتظهر هويته الحقيقية من خلال هذه الإرادة المستمرة والقوية.
مهاجر يترك بلده الأصلي بحثا عن حياة أفضل. رغم التحديات والصعوبات التي يواجهها في بلد جديد، فإن إرادته القوية للنجاح والازدهار تمكنه من بناء حياة جديدة، مما يعكس هويته الحقيقية المبنية على الإرادة المستمرة.
أمثلة لموقف جول لاشوليي
شخص معروف بطيبته وثبات مزاجه الجيد على مر السنين. حتى إذا مر بتجارب تغير مظهره الخارجي أو ظروفه المعيشية، إلا أن طبيعته الطيبة وترابط ذكرياته مع الآخرين يجعل الجميع يعترفون به كشخص لم يتغير في جوهره.
معلم مشهور بثبات منهجه التعليمي وأسلوبه التربوي على مر السنين. رغم تغير الطلاب والمدارس التي يعمل بها، إلا أن شخصيته التعليمية المميزة والتزامه بتطوير تلاميذه تبقى ثابتة، مما يبرز هويته التعليمية الفريدة.
أمثلة لموقف رينيه ديكارت
كاتب أو فيلسوف يمر بأزمة صحية تمنعه من التواصل جسديا مع العالم، لكنه يظل قادراً على التفكير والكتابة. يُعترف بهويته كشخص مفكر، بغض النظر عن حالته الجسدية، لأن فكره هو الذي يُعرِّفه.
عالم فيزيائي يصاب بمرض عضال يمنعه من العمل في المختبر. لكنه يستمر في التفكير والنشر من خلال كتابة مقالات علمية ونظريات جديدة. هويته كعالم فيزيائي تعتمد على نشاطه الفكري وليس على قدرته الجسدية على إجراء التجارب.
أمثلة لموقف سيغموند فرويد
شخص يتصرف بطرق غير مفهومة حتى له نفسه، مثل اتخاذ قرارات مدمرة أو الانجذاب إلى علاقات ضارة، ثم يدرك لاحقا من خلال العلاج النفسي أن هذه التصرفات كانت مدفوعة بصراعات داخلية ولاشعورية بين رغباته ومثله العليا والتوقعات الاجتماعية. هذا يوضح كيف أن اللاشعور يحدد هويته وسلوكه.
شخص يعاني من كوابيس متكررة وقلق غير مبرر. بعد العلاج النفسي، يكتشف أن هذه الأعراض تعود إلى تجارب طفولية مكبوتة وصراعات داخلية لم يكن واعياً بها. هذا الفهم يساعده على التعامل مع مشاكله الحالية بشكل أفضل، مما يوضح كيف أن اللاشعور يؤثر على هويته وسلوكه اليومي.
خلاصة تركيبية
إن القول بأن الشخص يتميز أساسا بهوية محددة، وذلك ما يفسر وحدته عبر الأزمنة والأمكنة والتجارب المختلفة التي يعيشها، يعني التسليم بثبات هذه الهوية سواء اعتبرنا أساسها العقل، أو الوعي، أو الذاكرة، أو الإرادة. إلا أن ذلك لا يستبعد استحضار التفكير في مقاربة التحليل النفسي كتصور يعتبر أن أساس الهوية تفاعلي دينامي. فنجد سيغموند فرويد يعتبر أن أساس الهوية يرتبط بتفاعل مكونات البنية النفسية بين كل من الأناء والهو، والأنا الأعلى.
مصطلحات وتعاريف الشخص والهوية الثانية باكالوريا
الشخص: كائن عاقل يتمتع بالوعي والقدرة على التفكير الذاتي، ويعتبر موضوعاً للعلاقات الأخلاقية والقانونية.
الهوية: حالة الوحدة والتماسك التي تجعل الشخص يظل هو نفسه عبر الزمن والتغيرات، وتشمل السمات الشخصية والتجارب والذاكرة.
الإرادة: القدرة على اتخاذ قرارات واعية ومستنيرة بناءً على الرغبات والأهداف الشخصية.
الفكر: النشاط العقلي الذي يشمل العمليات العقلية مثل التفكير، الاستنتاج، التحليل، والتأمل.
الأنا: مفهوم الذات الواعية التي تعي نفسها كفرد منفصل، وتتوسط بين الرغبات الغريزية والمطالب الاجتماعية.
الوعي: الحالة العقلية التي يكون فيها الفرد مدركاً ومحسوساً بالبيئة المحيطة، والأفكار، والمشاعر الذاتية.
الذات: الكيان الداخلي للفرد الذي يشمل الوعي، والشخصية، والمشاعر، والتجارب الشخصية.
الشعور: الحالات العاطفية أو النفسية التي يمكن أن تكون واعية، مثل السعادة، الحزن، الغضب، والخوف.
اللاشعور: الجزء من العقل الذي يحتوي على الأفكار والمشاعر والدوافع غير المدركة التي تؤثر على السلوك والوعي.
مقالة ذات صلة: امتحانات وطنية في الفلسفة مجزوءة الوضع البشري
أسئلة فلسفية حول الشخص والهوية
ملاحظة: هذه الاسئلة والمقولات لم تذكر في اي امتحان وطني من قبل (يمكنك زيارة المقالة فوق لمشاهدة بعض الامتحانات حول المحور).
- ما الذي يجعل الشخص هو نفسه عبر مرور الزمن؟
- هل الهوية الشخصية تعتمد على الذاكرة أم هناك عناصر أخرى تشكلها؟
- هل يمكن لشخصين أن يشتركوا في نفس الهوية؟
- ما العلاقة بين الهوية والجسد؟ هل يمكن فصل الهوية عن الجسد؟
- هل الهوية مستقرة أم متغيرة؟ وما هي العوامل التي تؤثر في تغيير الهوية؟
- كيف يمكن للهوية أن تتشكل من خلال العلاقات الاجتماعية والثقافية؟
- هل يمكن للإنسان أن يختار هويته أم هي مفروضة عليه؟
- ما هو دور الوعي الذاتي في تشكيل الهوية الشخصية؟
- ما هي العوامل التي تحدد هوية الفرد؟
- هل هوية الفرد ثابتة أم متغيرة؟
- ما هي علاقة العقل والجسد بالهوية؟
مقولات فلسفية حول الشخص والهوية
- "أنا أفكر، إذاً أنا موجود." رينيه ديكارت
- "الإنسان هو الوحيد الذي يعرف أنه شخص."
- "لا يمكننا الهروب من أنفسنا، لأننا نأخذها معنا أينما ذهبنا."
- "الشخصية هي ما نفعله عندما لا يرانا أحد." إتش جاكسون براون جونيور
- "الهوية ليست قطعة ملابس ترتديها وتخلعها، بل هي عملية دائمة من البناء وإعادة البناء."
- "الهوية هي التاريخ الشخصي الذي نرويه لأنفسنا."
- "إذا كنت تبحث عن الشخص الذي يمكن أن يغير حياتك، فانظر في المرآة."
- "الهوية ليست مجرد إجابة لسؤال "من أنا؟" بل هي قصة عن من أريد أن أكون."
- "ليس من المهم ما يحدث لنا، بل كيف نتفاعل مع ما يحدث لنا."
- "لا يوجد جوهر للإنسان، بل هو مخلوق اجتماعي."
- "الهوية هي وهم."
- "لا يمكننا الهروب من هويتنا، لكن يمكننا اختيار ما نفعله بها."
- "الهوية هي عملية بناء مستمرة."
- "الهوية هي حقل قتال."
إرسال تعليق
لقد استفدت وشكرا
ردحذف